واشنطن- تواجه شركة مايكروسوفت انتقادات متزايدة لتورطها في دعم عمليات الجيش الإسرائيلي المستمرة في قطاع غزة، والتي أدت حتى الآن لاستشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني وإصابة ما لا يقل عن 100 ألف آخرين، إضافة لتدمير كامل للبنية التحتية والسكنية بالقطاع.
وتم ربط برامج مايكروسوفت وخدماتها السحابية “كلود” (Cloud) بعمليات الجيش الإسرائيلي من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي خاصة والتقنيات السحابية المختلفة وعلى رأسها “أزور” (Azure).
وتُسهل هذه التطبيقات وتُمكن الجيش الإسرائيلي من دعم العمليات العسكرية بتسهيل ومضاعفة إمكانيات معالجة بيانات المراقبة وتسريع تحليلها، وتحديد أهداف القصف المحتملة، وهو ما يسهم في قتل المدنيين الأبرياء في غزة.
وخلال احتفال أقامته مايكروسوفت في مقرها الرئيسي في مدينة ريدموند بولاية واشنطن، بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسها، قاطعت موظفتان تعملان مبرمجتين للذكاء الاصطناعي بالشركة، وهما المغربية ابتهال أبو السعد والأميركية فانيا أغراوال، المتحدثين من كبار مسؤولي الشركة، احتجاجا على عقود الشركة الداعمة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقالت ابتهال في حينها “أيدي الشركة ملوثة بدماء الفلسطينيين”، أما فانيا فأضافت “عار عليكم جميعا، أنتم جميعا منافقون، عار عليكم جميعا أن تحتفلوا فوق الدماء، اقطعوا علاقاتكم مع إسرائيل”، أما موقف الشركة فتمثل بإقالة الموظفتين ردا على احتجاجاتهما.
ولم يكن تحرك الشركة هو الأول من نوعه، إذ سبق وأقالت مايكروسوفت مهندسَين مصريين، هما مهندس البرمجيات حسام نصر، والباحث وخبير البيانات عبده محمد، لأنهما نظما وقفة احتجاجية لإحياء ذكرى الضحايا الفلسطينيين الذين قتلوا في غزة ولجمع التبرعات في حرم شركة مايكروسوفت يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
كواليس الاحتفالية
حاورت الجزيرة نت المهندس حسام نصر، الذي ينشط في مبادرة “لا أزور للفصل العنصري” (No Azure for Apartheid)، والتي تضم ضمن فريقها ابتهال أبو السعد، وغيرها من النشطاء.
وتهدف المبادرة:
- للضغط على “مايكروسوفت” للكشف عن أي علاقات مع الجيش الإسرائيلي وإنهائها.
- كما تدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
- ودعم الخطاب المؤيد للفلسطينيين من قبل الموظفين داخل الشركة وغيرها من كبريات شركات التكنولوجيا الأميركية.
- كما تنشط المبادرة في دعم حركة “بي دي إس” (BDS) للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل.
تخرّج نصر، ابن مدينة المنصورة في قلب دلتا مصر، من جامعة هارفارد، وجمعته صداقة مع ابتهال أبو السعد أثناء تزاملهما بالجامعة الأهم في العالم، وانضم نصر وابتهال إلى شركة مايكروسوفت في الوقت نفسه، بينما فصلت 6 أشهر بين إقالتهما من الشركة على خلفية دعم قطاع غزة والرغبة بفضح نشاط شركتهم الداعمة للعدوان الإسرائيلي.
وقال المهندس للجزيرة نت “ليس لدي أي ندم على الإطلاق على نشاطي داخل مايكروسوفت أو خارجها، ولا أندم على ما حدث معي، ندعو جميع أصحاب الضمائر إلى رفع صوتهم أعلى من أي وقت مضى”.
أصبح نصر على رأس أهداف منظمات ومؤسسات صهيونية تستهدف أنصار فلسطين في الولايات المتحدة، سواء في الجامعات أو الشركات الكبرى، مثل “مشروع كناري” الذي استهدف نصر ووصفه بأنه معادٍ لإسرائيل وللسامية، بينما يطالب المهندس بأن “يصل صوتنا وما نقوم به لأهلنا في قطاع غزة”.
وضّح المهندس أنهم خططوا للاحتجاج في تجمع كبار مسؤولي الشركة، وعلى رأسهم مؤسسها بيل غيتس والرئيسة التنفيذية ساتيا ناديلا والرئيس التنفيذي السابق ستيف بالمر، إضافة للرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي بالشركة المهندس ذي الأصول السورية مصطفى سليمان.
وأشار إلى أن ما شاهده العالم من احتجاج ابتهال وفانيا كان “خلاصة عمل مخطط له منذ شهور، وهي خطة منظمة وراءها أيدي كثيرة خفية رتبت له، سواء بالحضور أو التصوير، حيث حضر الفعالية 500 موظف فقط، وتم اختيار أغلبهم عن طريق سحب القرعة بين موظفي الشركة البالغ عددهم أكثر من 228 ألف موظف”.
مايكروسوفت متواطئة
طالب نصر بضرورة المقاطعة الشخصية لمنتجات شركة مايكروسوفت بقدر المستطاع، “وربما لصعوبة مقاطعة تطبيقات أوفيس، يمكن عدم شراء أجهزة الشركة، خاصة اللابتوب، ولعبة إكس بوكس، وتطبيقات بايلوت للذكاء الصناعي الخاصة بها” حسب توضيحه.
وتشير تقارير لزيادة مشتريات وعقود الجيش الإسرائيلي من خدمات “أزور” منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما تعد مايكروسوفت المزود الرئيسي للخدمات السحابية لإسرائيل، وتمول الشركة العديد من الشركات الناشئة الإسرائيلية التي تقدم خدماتها لجيش الاحتلال.
كما أن للجيش الإسرائيلي علاقات قوية بعمالقة التكنولوجيا السحابية في العالم، مثل مايكروسوفت وغوغل وأمازون، ومن الجدير بالذكر أن شركة غوغل سبق وأن فصلت أكثر من 50 عاملا ردا على احتجاجهم على علاقات الشركة مع الجيش الإسرائيلي، في أبريل/نيسان 2024.
وعبر نصر خلال حديثه للجزيرة نت عن رغبته في أن تدرك الشعوب العربية علاقة مايكروسوفت مع الجيش الإسرائيلي، وأن الشركة تتواطأ معه بمستويات ضخمة جدا، وهو الأمر الذي زاد بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 واجتياح إسرائيل البري لأراضي قطاع غزة، حيث وفرت الشركة ما يقرب من 19 ألف ساعة عمل من الدعم الفني للجيش الإسرائيلي، الذي دفع مقابل ذلك 10 ملايين دولار.
ويعني ذلك أن الشركة تتلقي 526 دولارا أميركيا مقابل كل ساعة عمل من الدعم الفني للجيش الإسرائيلي، كما ذكر نصر أن “قطاع غزة يعد حقل تجارب لأحدث برامج المراقبة والتتبع عن طريق الذكاء الاصطناعي”، مؤكدا أن غزة تشهد حاليا “أول إبادة جماعية في التاريخ باستخدام الذكاء الاصطناعي”.
جيش الإبادة
وعن قدرات الجيش الإسرائيلي الذاتية، قال نصر إنه “ليس لدى الجيش الإسرائيلي القدرات التكنولوجية للتعامل مع قطاع غزة دون الدعم الواسع والشراكات التكنولوجية التي يمتلكها مع عمالقة التكنولوجيا العالمية، مايكروسوفت وغوغل وأمازون”.
وأضاف أن الجيش الإسرائيلي يجمع البيانات والمعلومات عن سكان القطاع، ويخزنها في خوادم مايكروسوفت، حيث إنه ليس لدى إسرائيل البنية التحتية التكنولوجية التي تمكنها من القيام بذلك وحدها.
ويوضح المهندس أن تخزين ومعالجة البيانات التي تم جمعها من خلال المراقبة الجماعية تعتبر عملية ضخمة جدا، وتسهل تطبيقات الشركة نسخ وترجمة الاتصالات، مثل المكالمات الهاتفية والرسائل النصية، من اللغة العربية إلى اللغة العبرية، بالإضافة لإدارة قواعد بيانات بنك الأهداف المحتمل، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحديد الهدف وتحليله، ومن ثم القضاء عليه.
وأضاف نصر في حديثه للجزيرة نت أن “ما كانت تقوم به إسرائيل باستخدام الذكاء الاصطناعي باستهداف وتتبع ومراقبة وتحليل بيانات وصور شخص واحد قبل 7 أكتوبر، أي قبل استعانتها بخدمات مايكروسوفت، أصبح بإمكانها تطبيقه مع 200 شخص على الأقل”.
وفي نهاية حديثه ذكر نصر أن “هناك حالة غضب واسعة بين الآلاف من موظفي الشركة داخل وخارج الولايات المتحدة، البعض يعبر عنها علنا، والبعض يخشى القيام بذلك، ويحتج بصور مختلفة، لكن من المؤكد أن شجاعة ابتهال وفانيا حمّست المزيد للتحرك وفضح مشاركة مايكروسوفت في جرائم الجيش الإسرائيلي”.