القدس المحتلة- مع إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، المصادقة على خطة احتلال غزة وتبنيها ضمن ما تُعرف بخطة “عربات جدعون 2” التي قدمها رئيس الأركان، إيال زامير، تصاعدت الانتقادات داخل إسرائيل من مختلف الأطياف السياسية والعسكرية والاجتماعية.
فبينما تهدف الخطة، وفق الجيش، إلى “القضاء على حماس” من خلال تهجير سكان مدينة غزة إلى الجنوب ثم التوغل العسكري، يرى العديد من القادة السابقين والخبراء أن هذه العملية قد تدخل إسرائيل في حرب استنزاف طويلة الأمد، مع تكاليف بشرية ومادية باهظة، دون ضمان تحقيق الهدف المعلن.
وعبّرت عائلات الأسرى الإسرائيليين عن قلقها البالغ من أن هذه الخطة قد تعرض حياة المحتجزين في غزة للخطر، وذكّرت بفقدان 6 أسرى خلال عملية “عربات جدعون” السابقة، وطالبت بعقد لقاء عاجل مع كاتس وزامير لتوضيح كيف ستتجنب الخطة الجديدة تكرار هذا السيناريو.
وحذر سياسيون وقادة سابقون في الأجهزة الأمنية من أن العملية قد تشبه “مصادفة الموت” للجنود وضباط الجيش، وتشكل تهديدا للمجتمع الإسرائيلي على مستويات متعددة.
في الوقت نفسه، تثير الخطة تساؤلات حول جدوى الحسم العسكري في قطاع غزة، وسط اعتراف ضباط كبار في الجيش بعدم وضوح ما يعتبرونه “هزيمة لحماس”، فيما تشير تقديرات إلى استمرار وجود كتيبتين للحركة في المدينة ومخيمات وسط القطاع، ما يضع احتمالات صراع طويل الأمد على الطاولة.
وبحسب الإذاعة الإسرائيلية، فإن الجيش استدعى حتى الآن 60 ألف جندي احتياط، مع خطط لتمديد الخدمة واستدعاء دفعات إضافية خلال الأشهر المقبلة، في مؤشر على أن الحرب قد تمتد لعام كامل، ما يعكس التحديات الكبيرة أمام إسرائيل على المستويات العسكرية والسياسية والاجتماعية.
فخ الموت
ولعل أبرز التحذيرات من خطة احتلال غزة جاءت من رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق، إيهود باراك، الذي لخص الخطة في تغريدة على حسابه بمنصة “إكس”، ووصفها بـ”فخ موت”.
وأوضح باراك أن تنفيذ هذه العملية قد ينقلب لصالح حماس، ويحوّل ما كان يُفترض أن يكون هزيمة للحركة إلى انتصار سياسي، مما يعكس المخاطر الكبيرة التي قد تواجه إسرائيل على المستويين العسكري والسياسي، على حد تقديره.
وسعى زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، رئيس حزب “هناك مستقبل”، إلى نقل هذه الرسالة التحذيرية إلى الشارع الإسرائيلي، في محاولة لتصعيد الحراك ضد مخططات حكومة بنيامين نتنياهو المطلوب ل بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.
وكتب لبيد على حسابه في منصة “إكس” أن صدور أوامر الاحتياط لـ60 ألف جندي صباح الأربعاء لتحقيق ما وصفه بـ”وهم احتلال غزة” يعكس سياسة أسوأ حكومة في تاريخ إسرائيل، التي، بحسبه، تفرق بين الدماء وتشجع على التهرب من المسؤولية، بينما تزيد العبء على الجنود والمجتمع الإسرائيلي.
وأضاف لبيد “لن ننتصر في الحرب معهم”، مؤكدا أنه التقى نتنياهو وحذره قائلا إن “احتلال غزة فكرة سيئة للغاية، وإن غالبية الشعب لا تدعم هذه الخطوة، وشعب إسرائيل غير مهتم بهذه الحرب، وسندفع ثمنا باهظا لذلك”.
انعدام الثقة
وكتب وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، على حسابه في منصة “إكس” قائلا “تحدثت مع جنود الاحتياط الذين نشروا أمس رسالة تدعو إلى إنهاء الحرب، وذلك بناءً على طلبهم الشخصي. كما التقيتُ مواطنين وطنيين من مختلف الخلفيات، يمثلون نحو 40% من الصهاينة المتدينين وسكان المدن والقرى، وقد خدموا مئات الأيام ويستدعون مجددا بعد قرار مجلس الوزراء باحتلال غزة”.
وأضاف أن كلمات هؤلاء الجنود والمواطنين عكست انعدام الثقة بالقيادة السياسية وحيرة شخصية حول ما يعتبر التصرف الصحيح لوقف حرب الاستنزاف. وطلبوا منه توزيع الرسالة لتصل إلى جنود الاحتياط الآخرين الراغبين في الانضمام إلى دعوتهم.
واستذكر يعلون ما تسمى عملية “الجرف الصامد” (العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2018)، حيث سأل رئيس الوزراء نتنياهو جميع الوزراء: من يؤيد احتلال غزة؟ وكان جميعهم ضده، لكن بعض الوزراء استمروا في ترديد شعارات بلا أساس من الصحة. وأكد أن هذه سياسة خطيرة، وأن مسألة القرار يجب أن تناقش بحذر وهدوء ومسؤولية.

أثمان باهظة
لم تقتصر الأصوات المعارضة لخطة احتلال غزة على قادة المعارضة أو المسؤولين السابقين في الأجهزة الأمنية والعسكرية، بل شملت أيضا باحثين ومختصين ومراكز أبحاث الأمن القومي، التي تناولت في معارضتها الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والإستراتيجية المتعلقة بالأمن القومي لإسرائيل، بما في ذلك السيطرة على نحو 2.2 مليون فلسطيني في القطاع.
وقد عبّر عن هذه المخاوف عيران شامير بورير، مدير مركز الأمن القومي والديمقراطية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية. وأكد للإذاعة الإسرائيلية الرسمية أن احتلال قطاع غزة سيجعل إسرائيل مسؤولة عن جميع جوانب حياة أكثر من مليوني غزي، بما يشمل إعادة إعمار القطاع، وسيكلفها ثمنا سياسيا باهظا في ظل عالم لا يبدي أي تسامح مع الاحتلال والسيطرة على شعب آخر.
وأشار إلى أن هذا القرار ليس مجرد مرحلة أخرى في حرب مستمرة منذ عامين، بل يحمل تبعات مباشرة تشمل تكثيف المقاطعة الدولية، وارتفاع تكلفة المعيشة، وتضرر الخدمات الأساسية للمواطنين الإسرائيليين.
ولفت إلى أن الخطة، التي سيمولها دافعو الضرائب الإسرائيليون “المنهكون أصلا”، كان لا بد من اتخاذها بعد نقاش إستراتيجي مهني وشفاف مع الرأي العام.
تداعيات كبيرة
الطرح ذاته تبناه نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق، عيران عتصيون، الذي أعد تقديرا لخطة احتلال غزة، محذرا من تداعياتها الكبيرة منها: تهديد حياة المحتجزين، وخسائر جسيمة بين الجنود، وفقدان الشرعية الدولية جراء طرد وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، وزيادة استنزاف الجيش والاحتياط.
ولفت في حديثه لإذاعة الجيش الإسرائيلي إلى أن العملية العسكرية لاحتلال غزة ستقلل ثقة الجمهور الإسرائيلي بالحكومة والقيادة العسكرية العليا، وتخلق سابقة خطيرة لتسييس القرارات الأمنية، الأمر الذي يشكل تهديدا على مكانة الجيش.
وأشار عتصيون إلى أن القرار اتخذ دون أي عملية ديمقراطية، رغم وجود بدائل مثل صفقة إطلاق سراح المحتجزين، وأنه اتخذ من قِبل حكومة أقلية مشكوك في شرعيتها، ما يجعله غير مشروع.
وأكد أن الحد الأدنى الواجب هو التوجه للشعب عبر الانتخابات أو استفتاء قبل اتخاذ مثل هذا القرار الحاسم.