رام الله- بعيدا عن صورة شيرين أبو عاقلة الجديّة والمهنية بوصفها مراسلة لأكثر من عقدين من الزمان على شاشة قناة الجزيرة، فإن للشهيدة صورة أخرى يرسمها زملاؤها في الميدان يطغى عليها الطابع الإنساني.

يتفق زملاء شيرين من خارج الجزيرة، الذين رافقوها في مهمات ميدانية دخل فلسطين أو خارجها، على غلبة الجانب الإنساني في شخصيتها بما لا يؤثر على مهنيتها، فضلا عن تعلقها بفلسطين لدرجة أنها كانت تستعجل العودة في كل مهمة تكلف بها خارج البلاد.

والصحفية الشهيدة من الرعيل الأول للمراسلين الميدانيين في الجزيرة، وولدت في القدس عام 1971 وتحمل الجنسية الأميركية، واغتيلت برصاص الاحتلال الإسرائيلي يوم 11 مايو/أيار 2022، في أثناء تغطيتها لاقتحام مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.

“بحب رام الله والقدس”

رافق الصحفي الفلسطيني محمد دراغمة شيرين في مهمات ميدانية داخل فلسطين وخارجها، وينقل لقراء الجزيرة نت بعض اهتماماتها وراء الكاميرا، وكيف كانت تتعامل مع المخاطر خلال تغطياتها الصحفية.

يقول دراغمة إنه غطّى مع شيرين عدة اجتماعات في الأمم المتحدة، وشاركها في عدة منتديات إعلامية دولية، “شيرين بنت البلد، ما إن تسافر إلا وتستعجل العودة”.

ويستذكر إيفاد شيرين ذات مرة إلى الولايات المتحدة لمدة 3 أشهر، لكنها استثقلت المدة، ولما سألها الزملاء عن سبب عدم رغبتها في البقاء مع التسهيلات المتوفرة لها كونها تحمل الجنسية الأميركية، أجابت: “بلدنا إلها (لها) روحها الخاصة، وبحب أظل في رام الله والقدس”.

ويتابع الصحفي الفلسطيني أن شيرين فضّلت مدينتها على حياة الغرب الرغيدة، ولم يستهوها العمل خارج فلسطين، مع أنه كان متاحا في بلدان أكثر هدوءا واستقرارا، بعيدا عن المخاطر والصعوبات.

 ويقرأ دراغمة في كلمات شيرين انعكاسا “لانتمائها لبلدها وهوائها ومياهها وناسها.. فهي كانت قريبة من الناس”.

على المستوى المهني والميداني، يقول الصحفي الفلسطيني إن شيرين كانت “مُعلّمة في العمل التلفزيوني من خلال خبرة راكمتها على مدى سنوات طويلة، وتميزت بقدرة فائقة على التقاط القصة والصورة.. كانت خبيرة في الصورة، وأكثر ما تحب القصص الإنسانية”.

ويضيف أن شيرين كانت تروي كل قصة تتأثر بها عن معاناة الناس على الحواجز وذوي الشهداء، وكانت الروح الإنسانية طاغية عليها ولا تفصل بين الإنسان والصحافة.

ويقول دراغمة إن شيرين كانت “بنت الميدان”، وتحب دائما أن تكون في الشمس والهواء الطلق وفي قلب الحدث، إذ “كان مزاجها يختلف في الميدان عنه في المكتب”.

وعن شيرين المغامِرة، يقول دراغمة إنها كانت “مغامِرة في الميدان لا تحسب كثيرا عامل الخطر، وهذا تدل عليه ظروف استشهادها.. كانت بطبيعتها جريئة وترى أن ما سيحصل للناس سيحصل لها”.

مع ذلك، يضيف الصحفي الفلسطيني أن شيرين كانت حريصة على اتخاذ إجراءات السلامة كاملة، وتحث زملاءها عليها.

شيرين ورمضان

أما المصور الصحفي مأمون وزوز، فرافق شيرين في عدة تغطيات ميدانية في مدينته الخليل، جنوبي الضفة، خاصة خلال اجتياح الاحتلال المدينة عام 2002.

عن تلك التغطية، يقول وزوز للجزيرة نت “كانت شيرين المُدافع الأول عني عندما انهال عليّ الجنود بالضرب بأعقاب البنادق خلال اجتياح مدينة الخليل، كنا مجموعة من الصحفيين وتم الاعتداء علينا بشكل مباشر، وكانت شيرين تدافع عنا”.

ويشير المصور الفلسطيني إلى تصادف عدة تغطيات مع حلول شهر رمضان، ورغم مشقة السفر من رام الله -حيث مكتب الجزيرة- إلى الخليل جنوبا حيث الحدث، فإن شيرين لم تكن تأكل أو تشرب شيئا أمام زملائها.

ويضيف “رغم أنها مسيحية، فإنها كانت تأبى أن تأكل أو تشرب خلال نهار شهر رمضان أمام زملائها المسلمين، ومن لا يعرفها كان يظن أنها مسلمة”.

يضيف وزوز أن شيرين في الميدان كانت “إنسانه مميّزة ومتفانية في عملها وعلى درجة عالية من المهنية والخلق”.

وتابع أن الإعلام الفلسطيني فقد منذ استشهادها “مدرسة في الإعلام، وصحفية صاحبة رسالة ومصداقية”.

“لا تعطوهم ذريعة”

من جهته، يقول المصور الصحفي عصام الريماوي من مدينة رام الله عن تجربته الميدانية أيضا مع شيرين، إنه نشأ متأثرا بتغطية الجزيرة للأحداث، وتحديدا تقارير وليد العمري وشيرين أبو عاقلة، الأمر الذي دفعه لدراسة الإعلام في جامعة بيرزيت عام 2002.

ويضيف أنه “عندما ذهبت إلى الجامعة كانت شيرين قدوة لنا، لدرجة أن بعض أفراد عائلتي كانون ينادونني باسم شيرين أبو عاقلة، لأنني درست الصحافة”.

ويقول إن شيرين كانت قدوة لأي صحفي ناجح ونشيط في الساحة، “اختلطت بالزميلة الراحلة في الميدان خلال الاقتحامات والمسيرات والتغطيات الرسمية، كانت شيرين زميلة مخلصة وهادئة”.

يشير الريماوي إلى موقف له مع شيرين خلال تغطية مواجهات مع الاحتلال قرب رام الله، حين أصرّت عليه أن يرتدي الزي الصحفي الرسمي “حتى لا نعطيهم (جنود الاحتلال) ذريعة لاستهدافنا” كما قالت حينها.

ويذكر الريماوي اعتصام قرية الخان الأحمر شرقي القدس والتهديد بإخلائها عام 2018، حين حافظت الجزيرة على وجود طواقمها هناك باستمرار، “كنا نسهر طويلا، وكانت شيرين تنام ساعتين، أو 3 ساعات على الأكثر، داخل السيارة وتطلب إيقاظها عند أي تطور”.

يُذكر أن الراحلة شيرين حصلت على الجنسية الأميركية من والديها، لكنها لم تعش في الولايات المتحدة، وتوفي والداها قبل سنوات قليلة من اغتيالها، ولها أخ واحد هو طوني نصري أبو عاقلة.

وشهدت شيرين على أحداث مفصلية في فلسطين، منها انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية) بين عامي 2000 و2004، واجتياح مخيم جنين عام 2002، بالإضافة للغارات والعمليات العسكرية التي تعرّض لها قطاع غزة.

شاركها.
Exit mobile version