أدت عملية التغيير التي حصلت في سوريا إلى تداعيات مهمة ليس فقط على الداخل السوري، وإنما على المستوى الإقليمي أيضا، حيث تبع سقوط نظام بشار الأسد اتصالات بين الدول الإقليمية تركيا والأردن والعراق مع السلطة الجديدة في سوريا بدافع ضمان أمن الحدود، والتفاهم حول المصالح المشتركة.

في بداية يناير/كانون الثاني الماضي وقع الأردن مع سوريا اتفاقية تنص على تأسيس لجنة مشتركة لضمان أمن الحدود، وذلك خلال زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لعمان، التي بحث فيها مع نظيره الأردني أيمن الصفدي قضايا تهريب السلاح والمخدرات واللاجئين السوريين والتعاون الاقتصادي.

وقبلها أوفد العراق رئيس الاستخبارات حميد الشطري إلى دمشق، ووفقا لما أكدته وسائل إعلام سورية وعراقية، فإن اللقاء ناقش ضرورة العمل المشترك لضمان عدم عودة ظهور تنظيم الدولة.

وسبقهم جميعاً رئيس المخابرات التركي إبراهيم قالن الذي زار دمشق خلال الأسبوع الأول من سقوط الأسد، وتولي إدارة العمليات للسلطة.

تحالف رباعي يشمل سوريا

يبدو أن الدول الإقليمية تتجه إلى خطوات أوسع مع دمشق فيما يتعلق بمعالجة المشاكل الأمنية، حيث نقلت وسائل إعلامية عربية عن مصادر دبلوماسية تركية وجود اتفاق بين الأردن والعراق وسوريا وتركيا لتشكيل آلية للتحرك المشترك ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وسيتم خلال فبراير/ شباط الجاري عقد أول اجتماع في عمان لوزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات للدول المذكورة.

وبحسب المصدر، فإن هدف الاقتراح هو رغبة تركيا بسحب الذريعة الأميركية لوقف دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لأن التحالف الرباعي هو من سيتولى الإشراف على السجون التي يقيم فيها الآلاف من عناصر تنظيم الدولة وعوائلهم.

وتخضع هذه السجون حالياً لإشراف قسد والقوات الأميركية، وهذا المقترح تزامن مع تأكيدات مسؤولين أميركيين بأن حل قسد أو إضعافها سيؤثر على القتال ضد تنظيم الدولة، ويؤدي إلى انتشار الأخير في سوريا مرة أخرى.

وأكدت وسائل إعلام تركية شبه رسمية أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أجرى خلال منتدى ميونخ الأمني منتصف فبراير/ شباط الجاري لقاءات مع وزيري خارجية سوريا والأردن ومسؤولين عراقيين، وأجرى معهم نقاشات حول فكرة العمل المشترك ضد تنظيم الدولة، بالإضافة إلى الأوضاع في شمال شرق سوريا.

القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع يستقبل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان

مشروع تركي

مارست تركيا سياسة نشطة في العراق وسوريا منذ بدايات عام 2024 عندما وقعت مذكرة تفاهم مع العراق تضم أيضاً الإمارات وقطر، وتنص على تنفيذ مشروع طريق التنمية الذي يربط دول الخليج عبر العراق وتركيا مع دول أوروبا، بقيمة استثمارية تبلغ 17 مليار دولار.

وتبع ذلك توقيع مذكرة أمنية مع بغداد في أغسطس/ آب من العام ذاته خلال زيارة أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعراق، وأتاحت هذه المذكرة لأنقرة توسيع العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني شمالي العراق.

بالتوازي مع ذلك، عاد الرئيس التركي إلى طرح فكرة التطبيع مع بشار الأسد قبل سقوطه بعدة أشهر، وفسر معهد واشنطن للدراسات هذه الخطوات بأن أنقرة تعمل على “إعادة المركزية الناعمة” لكل من بغداد ودمشق، والربط بين سوريا والعراق معاً لتحقيق عدة أهداف، منها وقف عدم الاستقرار على حدود تركيا، وحرمان حزب العمال الكردستاني من الاتصال الجغرافي بين العراق وسوريا، والتضييق على عملياته.

ومع سقوط بشار الأسد وجدت تركيا نفسها أمام فرصة لاستكمال مسارها المتعثر في سوريا نتيجة تصلب النظام السابق واشتراطه مقابل التطبيع انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، حيث تعتبر تركيا حالياً من أبرز الدول التي تمتلك علاقات متميزة مع الإدارة الجديدة في ظل العلاقة السابقة بين أنقرة وفصائل المعارضة السورية المسلحة التي تمكنت في نهاية المطاف من إزاحة الأسد عبر عملية عسكرية، ولذا طالبت أنقرة مراراً على لسان مسؤولين في الدولة بأن تتولى الإدارة السورية الجديدة مهمة مكافحة تنظيم الدولة والسيطرة على كامل الأراضي السورية.

معوقات التحالف

من الواضح أن تطبيق فكرة التحالف الرباعي على الأرض تواجه معوقات، وأبرزها العلاقة بين العراق والإدارة السورية الجديدة التي تولت الحكم بعد فرار الأسد إلى موسكو.

وأكدت وسائل إعلام مقربة من الحكومة العراقية في 21 فبراير/ شباط الجاري أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أجل للمرة الثالثة زيارته المرتقبة إلى بغداد، والتي من المفترض أن تتم بعد دعوة من وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين.

وبحسب ما أكدته مصادر دبلوماسية سورية لموقع الجزيرة نت، فإن دمشق طلبت من بغداد تحديد جدول عمل واضح سيتم طرحه خلال الزيارة، بالإضافة إلى ضمانات أمنية، لأن المعطيات لدى دمشق تفيد بأن بعض الفصائل العراقية رافضة لإقامة علاقات طبيعية مع سوريا.

تأجيل الزيارة أتى رغم التغير في مزاج القيادات العراقية المتحالفة مع إيران والتي كانت سابقاً ترفض الانفتاح على سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، حيث اعتبر قائد عصائب أهل الحق قيس الخزعلي في كلمة مصورة له قبل أيام من الإعلان عن تأجيل زيارة الشيباني، أن ما حصل في سوريا من الإطاحة بالنظام السابق هو مشروع سياسي تم تطبيقه بأدوات عسكرية، ويختلف عن تحرك من وصفها “التنظيمات الإرهابية” عام 2013 التي استهدفت المقدسات.

وفي حال لم تتجاوز بغداد ودمشق الخلافات التي بينهما سيكون من الصعب المضي قدماً في مشروع التحالف الرباعي، نظراً للحدود المشتركة بين تركيا والعراق وسوريا، ولأن نشاط حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة يتم بين العراق وسوريا بشكل أساسي.

عوامل مساعدة

رغم التأجيل لزيارة وزير الخارجية السوري لبغداد، فإن مصادر في دمشق تؤكد أن مشروع الزيارة لا يزال قائما، وستتم بعد تجاوز بعض العقبات.

إلى جانب الوساطة التي ترعاها تركيا من أجل تشكيل تحالف رباعي، وبالتالي تصحيح العلاقات بين دمشق وبغداد، فإنه من الواضح أن الجانب العراقي يرغب في تطوير العلاقات مع دمشق إلى المستوى الدبلوماسي، ولذا يرسل المسؤولون في بغداد رسائل إيجابية كان آخرها تصريحات رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض في 21 فبراير/شباط الجاري، التي أكد فيها أن بغداد تدعم التغيير الذي اختاره الشعب السوري.

كما أن رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني عبر عن احترام العراق لرغبة الشعب السوري ودعمه للعملية السياسية، واستعداد بغداد للمشاركة في عملية إعادة الإعمار.

هذا الحرص العراقي على تطبيع العلاقات مع سوريا مرده على الأغلب للمخاوف الأمنية، وهذا ما أكدته وسائل إعلام أميركية منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث أفادت تقارير بأن الفصائل العراقية أعادت النظر في مساعيها الهادفة لإخراج القوات الأميركية من سوريا، لأن هذه الفصائل تشعر بالضعف بعد سقوط الأسد وتراجع نفوذ طهران، ولديها خشية من عودة تنظيم الدولة وانهيار الوضع الأمني في العراق والتأثير سلبا على نظام الحكم السياسي الذي تسيطر عليه قوى الإطار التنسيقي.

دمشق، أيضا، لها مصلحة في تطوير العلاقات مع بغداد لاعتبارات أمنية، إذ لا يزال يوجد في العراق المئات من عناصر وضباط النظام السابق، وفقاً لتأكيدات مسؤولين أمنيين عراقيين في محافظة الأنبار.

وسبق أن استعادت دمشق دفعة سابقة من الضباط والعناصر المقيمين في العراق بلغت قرابة 1900 عسكرياً، حيث تستفيد من المعلومات التي يدلي بها الضباط العائدون إلى سوريا حول مواقع تخزين الأسلحة والخلايا النائمة.

شاركها.
Exit mobile version