دمشق – يشكل مبدأ عدم الإفلات من العقاب أحد الركائز الأساسية لتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، بعد أكثر من 13 عاما من الصراع الذي خلّف مئات آلاف الضحايا، وملايين المهجرين، وكمّا هائلا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

في هذا السياق، برزت الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في سوريا كجهة حقوقية تسعى، من خلال التعاون الدولي، إلى ملاحقة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وضمان محاسبتهم أمام هيئات قضائية مختصة.

وتضطلع الهيئة -المشكلة وفق مرسوم رئاسي صدر في 17 أيار الماضي- بمحاسبة رموز النظام السابق على رأسهم الرئيس المخلوع بشار الأسد وكافة المسؤولين السابقين من العسكريين والمدنيين المتهمين بالضلوع بارتكاب جرائم بحق الشعب السوري منذ بدء الحراك الشعبي في سوريا ربيع 2011 الماضي وحتى سقوط النظام.

الصحة السورية: العثور على عشرات الجثث في مستشفى السويداء تعود لعناصر أمن ومدنيين

جبر المتضررين

ويلخص رئيس الهيئة عبد الباسط عبد اللطيف مهامها الرئيسية بكشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تسبب بها النظام البائد، وتوثيق الانتهاكات وفق المعايير الدولية وجبر الضرر الواقع على الضحايا.

ويوضح عبد اللطيف في حديث للجزيرة نت أن الهيئة تهدف لتحقيق العدالة والمساءلة القانونية في سوريا بالتنسيق مع الجهات المعنية الاخرى، وحفظ الذاكرة الوطنية وتخليد الذكرى وتحقيق المصالحة الوطنية.

كما تولي الهيئة -وفق رئيسها- اهتماما بدعم الضحايا وذويهم، والمتضررين من جرائم الحرب والانتهاكات، و ذلك عبر تعويضات مادية تساعدهم على إعادة بناء حياتهم و تحقيق الاستقرار لهم من خلال ما يطلق عليه اسم “صندوق جبر المتضررين”.

إضافة إلى دعم معنوي يضمن الاعتراف بمعاناتهم وتخليد ذكراهم والعمل على إعادة إدماجهم بالمجتمع وتأمين حياة كريمة لهم.

تنسيق الجهود

وخلال أكثر من 13 عاما من عمر الثورة السورية برز دور المنظمات الحقوقية السورية في توثيق الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين، إذ اكتسبت تلك المنظمات والعاملون بها خبرات عملية واسعة لا يستهان بها، يجعلها شريكة في أي مسار للعدالة في البلاد.

وحول التنسيق بين الهيئة ومنظمات الحقوقية السورية أو الدولية، يشير عبد اللطيف إلى أن ⁠هناك تعاونا مستمرا مع منظمات المجتمع المدني المحلية التي تعنى بقضايا حقوق الإنسان وتوثيق الانتهاكات بحق السوريين خلال فترة حكم النظام المخلوع.

موضحا أن هذه المنظمات راكمت على امتداد سنوات الثورة خبرات قانونية في مجالات العدالة الانتقالية وقضايا المفقودين، إضافة إلى توثيق مختلف الانتهاكات.

وبحسب عبد اللطيف، فالمنظمات الحقوقية هي شريك أساسي في مسار العدالة الانتقالية والعمل والتنسيق مع الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، وذلك عبر المشاركة بالمعلومات والوثائق والخبرات وتنفيذ الأنشطة المشتركة، بما يضمن تكامل الجهود وتوسيع نطاق الوصول للضحايا كونهم شركاء أساسيين بمسار العدالة الانتقالية.

بدوره، لفت رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إلى وجود تواصل وانفتاح مع هيئة العدالة ورئيسها بهدف تحقيق التعاون، رغم التحفظ على طريقة تشكيلها، مشيرا في حديث للجزيرة نت إلى أن الشبكة تدعم جهود الهيئة كي تنجح في العمل المنوط بها.

ويتساءل ذوو ضحايا في سورية عن كيفية محاسبة مجرمي الحرب الفارين إما داخل البلاد أو حتى خارجها وعلى رأسهم الرئيس المخلوع بشار الأسد الذي فر إلى روسيا حليفته السابقة مع عدد غير محدد من ضباط الجيش والأمن السابقين، وفق تقارير حقوقية.

ويؤكد رئيس هيئة العدالة عبد الباسط عبد اللطيف أن الأمر يحتاج إلى تجهيز ملفات وأدلة تدين الرئيس المخلوع بشار الأسد بكل الجرائم التي ارتكبها هو ونظامه، ومن ثم عرضها على القضاء وصدور مذكرة توقيف بحقهم، عندها سيتم التواصل مع الإنتربول عن طريق وزارة الداخلية، لإجراء المقتضى القانوني بحقهم وملاحقتهم دوليا.

ملاحقة الفارين

ويبين حقوقيون أن الأمر يتطلب تكثيف ملاحقة الفارين من العدالة لا سيما أن العديد منهم يعتقد أنهم لم يغادروا البلاد، منذ سقوط نظام الأسد.

ويرى رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، أن السبيل الأول لمحاكمة المجرمين هو الملاحقة المكثفة من قبل السلطات السورية واعتقالهم بحجز احتياطي حتى يتم تحضير الظروف لمحاكمتهم، داعيا إلى ضرورة بذل جهود استخباراتية وتعاون أوسع مع المجتمع المدني.

واعتبر عبد الغني أن هناك تقصيرا من السلطات السورية في ملف ملاحقة مرتكبي الانتهاكات في سوريا، مشيرا إلى وجود الآلاف منهم خارج قبضة العدالة، مشددا على ضرورة توسيع حملات الاعتقال بحقهم.

شاركها.
Exit mobile version