غزة- تحت أنقاض منزله، ما زال جثمان صُبح علوش وحيدا بعد أن تمكن الجيران من انتشال زوجته فاطمة وأطفاله السبعة، وجثامين والديه علي ومريم وشقيقتيه هنادي وبيسان.

أما جثمانا شقيقيه عبد القادر وياسر فما زالا مع جثامين زوجتيهما صباح ومريم، وجميع أطفالهما وعددهم 11، تحت أنقاض المنزل الذي دمرته طائرات الاحتلال على رؤوس ساكنيه.

وتعرض منزل علوش الكائن في شارع غزة القديم ببلدة جباليا شمالي القطاع، والمكون من طابقين، لغارة عنيفة من طائرات حربية إسرائيلية في ساعة مبكرة من صباح أمس الأحد، ليتهاوى ويتسبب في استشهاد 36 شخصا بينهم 28 من سكانه، و8 من الجيران.

إبادة عائلة ممتدة

وتسببت الغارة في إبادة كاملة لعائلة علوش، فقد راح ضحيتها الجد علي (65 عاما) وزوجته مريم (60 عاما)، وأبناؤهما صُبح (38 عاما)، وعبد القادر (35 عاما)، وياسر (31 عاما) وهنادي (26 عاما) وبيسان (17 عاما) وهي من ذوي الإعاقة.

كما استشهدت فاطمة زوجة صُبح وأطفالهما السبعة مريم وعلي ومحمد وأحمد وفاطمة وسمية وساجدة، إلى جانب صباح زوجة عبد القادر وأبنائهما الخمسة مريم وعلي ومحمود وصدّيق ونسرين، واستشهدت مريم زوجة ياسر وأبناؤهما الستة علي ومريم وخديجة وريماس ونور ومعتصم.

وتشن إسرائيل منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي حملة إبادة جماعية وتطهير عرقي على محافظة شمال قطاع غزة بغرض تفريغها من سكانها وتدمير مبانيها وبنيتها التحتية، ولتحقيق ذلك ترتكب جرائم كثيرة وخاصة تدمير المنازل على رؤوس سكانها دون إنذار.

بأي ذنب قتلوا؟

ويتساءل عامر السلطان، وهو ابن شقيق الجدة مريم علوش، عن سبب إقدام إسرائيل على قتل جميع أفراد العائلة الأبرياء. ويقول إن جميع الأحفاد الشهداء الـ18 أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 عاما. ويوضح للجزيرة نت أن الناجين الوحيدين من عائلة علوش هم بنات عمته المتزوجات وغير المقيمات في المنزل وهن ريم وفاطمة ورشا وميساء.

وبحسب السلطان، فإن جميع أفراد الأسرة “غير مهتمين بالسياسة ولا تربطهم أي علاقات مع أي من الفصائل الفلسطينية المختلفة”.

ويضيف أن زوج عمته ورب المنزل الشهيد علي علوش كان مريضا بالسرطان، بينما كان ابنه الكبير صُبح يمتلك محلا لدهان الأثاث، أما عبد القادر فكان يمتلك محلا لتجهيز شبابيك الألمنيوم، وحصل قبل الحرب على تصريح عمل في إسرائيل، ويدير ياسر محلا لتقديم خدمات شبكة الإنترنت.

صمود حتى النهاية

اختارت أسرة علوش الصمود في منزلها ببلدة جباليا وعدم النزوح إلى الجنوب، رغم تهديدات الاحتلال.

ويوضح السلطان أن أفراد العائلة رفضوا النزوح لعدم توفر أي أماكن آمنة في جميع أرجاء قطاع غزة. ويضيف “كانوا يقولون لنا: لا توجد أي أماكن آمنة، إذن نموت في منزلنا أفضل من أن نموت خارجه، كانوا دائما يرددون: إللي ربنا كاتبه بده يصير، لن نرحل من الشمال”.

وآخر مرة تواصل فيها السلطان مع الأسرة كانت قبل 3 أيام بعد أن اطمأن على عمته وقال لها “ديري بالك على حالك”، فردت عليه “إللي كاتبه ربنا راح يصير”.

ومنذ بداية عدوانها على شمال غزة، ارتكبت إسرائيل مجازر كثيرة بحق العائلات التي ترفض النزوح ومغادرة مناطقها.

ومما يزيد من آلام السلطان، عدم قدرته على المشاركة في جنازة أقاربه أو في أعمال انتشالهم من تحت الأنقاض نظرا لحواجز الاحتلال، وتفرّق أفراد العائلة بين شمالي القطاع وجنوبه.

ويذكر السلطان أن عمته كانت جدة حنونة على أحفادها الذين قتلهم الاحتلال برفقتها، وتحرص على رعايتهم وحكاية قصص الأطفال لهم.

قد تكون “ليلى والذئب” إحدى القصص التي كانت الجدة مريم ترويها لأحفادها، والتي تنتهي بهزيمة ذلك الوحش الضاري، لأن “الخير يغلب الشر دائما” في حكايات الأطفال. ولكنها لم تتصور يوما أن يزورها “الذئب” في منزلها ليصنع خاتمة أخرى، كتبتها ألسنة اللهب وغبار الرحيل.

شاركها.
Exit mobile version