الأنهار الجوية هي أجزاء طويلة وضيقة في الغلاف الجوي للأرض تحمل كميات عالية من الرطوبة، وتمتد على نطاق عشرات إلى مئات الكيلومترات تنتقل فيها الرطوبة من المناطق المدارية للأرض القريبة من خط الاستواء باتجاه القطبين، ولذلك فهي تبدو وكأنها أنهار جارية في السماء.

وفي المتوسط تمتلك الأرض من 4 إلى 5 أنهار نشطة في الغلاف الجوي في كل الأوقات، ويتحرر محتواها من الرطوبة على شكل هطول أمطار أو ثلوج عندما تصل الأنهار الجوية إلى اليابسة.

ويمكن أن تختلف الأنهار في الغلاف الجوي من حيث الحجم والقوة بشكل كبير. وبينما يحمل نهر الغلاف الجوي المعتدل كمية من بخار الماء تعادل تقريباً متوسط تدفق المياه عند مصب نهر المسيسيبي، فإنّه يمكن للأنهار الجوية القوية بشكل استثنائي أن تنقل ما يصل إلى ضعف هذه الكمية بـ15 ضعفا.

كيف تتشكل أنهار السماء؟

لتشكّل أي نهر في الغلاف الجوي لا بد من توافر ثلاثة عوامل معاً:

  • أولها وجود رياح قوية منخفضة المستوى تعمل كطريقة سريعة لنقل بخار الماء عبرها، وتحقق التيارات النفاثة الموجودة في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي هذا الشرط حيث تصل سرعات الرياح فيها إلى 442 كم/ساعة (275 ميلا في الساعة).
  • ويأتي بعده ضرورة وجود مستويات رطوبة عالية.
  • وأخيراً وجود تضاريس صاعدة مثل السلاسل الجبلية التي تساعد بدورها على نقل كتلة الهواء من ارتفاع منخفض إلى ارتفاع أعلى، إذ يساهم هذا في تبريد الكتلة الهوائية بسرعة كبيرة مع زيادة الارتفاع مما يرفع الرطوبة في الهواء ويؤدي في النهاية إلى تكوين السحب، والتي تطلق محتواها على شكل أمطار وثلوج في ظل الظروف المناسبة.

وبصورة عامة، فإنّ أنهار السماء تتشكل خلال فصل الشتاء أي خلال ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني وفبراير/شباط للنصف الشمالي من الكرة الأرضية، في حين تتشكّل خلال يونيو/حزيران ويوليو/تموز وأغسطس/آب في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.

أنهار السماء.. جزء من دورة المياه الطبيعية

تُعد أنهار الغلاف الجوي جزءا مهماً من مناخ الأرض، فهي مسؤولة عن 90% من حركة الرطوبة من المناطق الاستوائية نحو القطبين، وهو ما يعني أنّها عامل رئيسي في تكوين السحب، وبالتالي لها تأثير كبير في درجات حرارة الهواء والأنظمة الإيكولوجية (النظام الإيكولوجي هو النظام البيئي الذي يشمل جميع الكائنات الحية في منطقة معينة، بالإضافة إلى تفاعلاتها مع بعضها البعض، ومع كل ما هو غير حي حولها مثل الطقس والشمس والتربة والمناخ والغلاف الجوي، حيث يكون لكل كائن حي دور يلعبه للمساهمة في صحة وتوازن وإنتاجية النظام البيئي ككل).

وتشير الأبحاث إلى أنّ أنهار السماء مسؤولة عن أكثر من نصف هطول الأمطار في أجزاء من سواحل أميركا الشمالية وفرنسا وإسبانيا والبرتغال والمملكة المتحدة وأميركا الجنوبية وجنوب شرق آسيا ونيوزيلندا، كما أنها مهمة لمساهمتها في تشكل العواصف الثلجية المسؤولة عن زيادة التراكم الثلجي بشكل متوازن.

وتساهم أنهار السماء في زيادة مستويات المياه في مستجمعات المياه مما يعزز التنوع البيولوجي للنظام الإيكولوجي، ويساهم في تجديد احتياطيات المياه الجوفية، إذ تُخزن المياه العذبة في التراكمات الثلجية خلال الأشهر الأكثر برودة والتي تذوب بعد ذلك أثناء الأشهر الأكثر دفئا، وهو ما يجدد مستجمعات المياه ويعيد المياه إلى مستوياتها الطبيعية. وإضافة إلى ذلك تساعد قدرة الثلج على عكس ضوء الشمس -وبالتالي الحرارة- مرة أخرى إلى الغلاف الجوي على تبريد سطح الأرض.

ومن زاوية أخرى، تظهر أهمية أنهار الغلاف الجوي في إعادة توزيع إمدادات المياه العذبة في جميع أنحاء الكوكب بصورة متوازنة عن طريق نقلها للرطوبة على امتداد مسافات كبيرة، فبالنظر إلى أن أغلب المياه العذبة محبوسة في الجليديات، نجد أنّ المياه السطحية تشكل نسبة 1.2% فقط من جميع المياه العذبة والتي تخدم معظم أشكال الحياة على الأرض، ولو فُصّلت هذه المياه السطحية العذبة فسنجد أن معظمها يوجد في التراكمات الثلجية السطحية والتربة الصقيعية، فيما تشكل البحيرات ما نسبته 20.9% منها، وتشكل الأنهار ما نسبته 0.49% فقط من المياه العذبة السطحية.

وبالرغم من أن الأنهار لا تمثل سوى كمية صغيرة من مجمل المياه العذبة على سطح الأرض، فإن الأنهار هي المصدر الرئيسي للمياه لدينا، وبالتالي فإن أنهار السماء تساهم في المحصلة في الحفاظ على الأمن المائي للمجتمعات المحلية.

أنهار السماء والتغير المناخي

من البديهي أن يؤثر تغير المناخ في توقيت وتوزيع الأنهار في الغلاف الجوي، مما قد يعيد توزيع الإمدادات العالمية من المياه، حيث إن ارتفاع درجات حرارة الأرض سيستمر في زيادة محتوى الرطوبة في الهواء، مما يؤدي إلى ارتفاع تواتر وشدة أنهار السماء وما يصاحبها من رياح وهطولات مطرية بشكل عام.

وتقلل برامج وأدوات المحاكاة المستخدمة في دراسة وتحليل أنهار السماء من شدتها بنسبة تصل إلى 50%، وهذا ما دفع باحثين صينيين من جامعة أوشن الصينية لاستخدام أساليب محاكاة غير مسبوقة أكثر دقة بنسبة خطأ تصل إلى 10% فقط مقارنة بسابقاتها. ونُشرت نتائج دراستهم صيف العام الماضي في مجلة ذي نيتشر، وأشاروا فيها إلى أنّ كميات بخار الماء والهطول المطري المرتبط بأنهار السماء قد تتجاوز الضعف، في حين قد يصل عدد أنهار السماء الهابطة باتجاه اليابسة لمستويات قياسية بنسبة تصل إلى 3 أضعاف بحلول نهاية هذا القرن.

وما يؤكد هذه المخاطر دراسة أخرى نُشرت الشهر الماضي كان هدف الباحثين فيها دراسة كيفية تغير انتشار أنهار الغلاف الجوي منذ عام 1988 وكيف سيستمر إلى عام 2099.

وخلصت دراستهم إلى أنّه وعلى الصعيد العالمي، فإنّ أنهار السماء ستزداد بنسبة 84% بين ديسمبر/كانون الأول وفبراير/شباط، و113% بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب في ظل استمرار استخدام الوقود الأحفوري بشكل كبير، في حين ستزداد بنسبة 34% و46% في حال انبعاث غازات الدفيئة المتوسطة خلال نفس الفترات الزمنية على التوالي، ومن المتوقع أن يشهد شمال المحيط الهندي أكبر زيادة مع ارتفاع تواتر الأنهار الجوية حتى ثلاثة أضعاف.

وما يثير القلق أكثر أنّه في المناخ الأكثر دفئاً، تتجه الهطولات الشتوية لكي تكون على شكل أمطار بدلا من الثلوج، هذا بالإضافة إلى أنّ موسم الشتاء سيشهد زيادات أكبر في هطول الأمطار الشديدة، وبالنسبة للمناطق غير المعتادة على التعرض لكميات أمطار كبيرة يمكن أن تكون هذه التحولات مدمرة نتيجة الفيضانات، ومن أمثلتها مؤخراً ما تعرضت له ولاية كاليفورنيا الأميركية الشهر الماضي ومطلع هذا الشهر، إذ تسببت عدة أنهار جوية بتعرض الولاية لتساقط كميات أمطار غزيرة نتج عنها فيضانات عنيفة بفاصل زمني قصير.

ومن هنا تكمن أهمية فهم كيفية زيادة تواتر وشدة الأنهار في الغلاف الجوي مع تغير المناخ، من أجل التخطيط الأفضل للحفاظ على الأمن المائي المحلي والمساعدة بالتنبؤ بحصول العواصف والفيضانات لضمان السلامة العامة وتقليل الأضرار التي قد تصيب البنية التحتية.

شاركها.
Exit mobile version