بيزنس الأربعاء 12:43 ص

بينما يتطلع قادة 145 دولة إلى الوفاء بتعهداتهم في وقف مسار إزالة الغابات بحلول عام 2030، فإن نتائج التقرير التقييمي السنوي تجعل من تلك الآمال بعيدة المنال، حتى مع تلك الخطوات الواعدة التي حققتها كل من البرازيل وكولومبيا.

ويسلط التقرير الصادر عن “معهد الموارد العالمية” -الذي يهتم بقضايا البيئة والمناخ والغذاء- الضوء على الغطاء الغابي في العالم، معتمدا على قاعدة بيانات يشرف عليها فريق من الباحثين في مختبر “غلاد” بجامعة ميريلاند الأميركية.

وتركز منصة مراقبة الغابات في العالم التابعة للمعهد -في تقريرها- على التغيرات التي تطرأ على الغابات في المناطق الاستوائية لجهة أن حوالي 96% من خسارة المساحات الغابية تكون في هذه المنطقة.

كما يركز التقرير على الغابات في المناطق الاستوائية الرطبة، وهي الغابات المطيرة التي تستحوذ على أهمية بالغة في التنوع البيولوجي وتخزين الكربون وتعديل التأثيرات المناخية الإقليمية والمحلية.

ويتضح -من خلال بيانات التقرير- أن فقدان الغابات تراجع في كل من البرازيل وكولومبيا ما بين عامي 2022 و2023 بنسبة 36% و49% على التوالي.

لكن إجمالا فإن حجم الغابات الأولية الاستوائية -التي تمت خسارتها عام 2023- لا تزال في مستويات شبه ثابتة على مدار السنوات السابقة.

وبينما تسلحت بعض الدول بالإرادة السياسية للحد من فقدان المساحات الغابية، فإن أخرى شهدت زيادات حادة مثل بوليفيا ولاوس ونيكاراغوا والكاميرون والكونغو الديمقراطية والكاميرون وإندونيسيا.

تضرر الغابات الاستوائية

زادت خسارة الغابات الأولية في بوليفيا عام 2023 بنسبة 27%، بسبب الحرائق وتوسع المساحات الزراعية، لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق للعام الثالث على التوالي.

وهذه ثالث أكبر خسارة للغابات مقارنة بأي بلد استوائي آخر، على الرغم من أنها تضم أقل من نصف مساحة الغابات الموجودة في الكونغو الديمقراطية أو إندونيسيا.

وفي الكونغو الديمقراطية تسير وتيرة إزالة الغابات على قدم وساق بفقدان ما يقدر بنصف مليون هكتار من الغابات الأولية الاستوائية سنويا.

ورغم أن الدول الواقعة بحوض الكونغو تشهد نسبا متدنية في انحسار المساحات الغابية، فإن وجود أكثر من نصف مساحة الغابات بالحوض بأراضي الكونغو الديمقراطية يجعلها مهددة على المدى الطويل.

تأثرت غابات الكونغو الديمقراطية بالنمط السائد لإنتاج الطاقة في البلاد والذي يعتمد على الفحم، إذ ينتشر الفقر على نطاق واسع، حيث يعيش قرابة 62% من السكان على حوالي دولارين أميركيين في اليوم.

ويعتمد السكان المحليون على الغابات لتلبية احتياجاتهم من الغذاء والطاقة، ولا يحصل 81% منهم على الكهرباء.

كما أثرت أنشطة التعدين التقليدية وسطوة الجماعات المسلحة -التي اعتمدت على المنتجات الغابية من الخشب لتمويل عملياتها- في استنزاف الغابات.

وتعهدت الحكومة عام 2024 بالاستثمار في اقتصاد يقلل من الاعتماد على الموارد كجزء من الاقتصاد المناخي الجديد.

ولا يختلف الوضع كثيرا في إندونيسيا التي زادت فيها نسبة فقدان الغابات بـ27% عام 2023 تحت وطأة ظاهرة “النينيو” بشكل خاص.

مساع حكومية لإعادة تشجير الغابات في إندونيسيا

خسارة مضاعفة

حسب البيانات المنشورة في التقرير، يبلغ حجم خسارة الغابات الاستوائية وحدها العام الماضي حوالي 3.7 ملايين هكتار، أي ما يعادل مساحة 10 ملاعب كرة قدم في الدقيقة.

ويمثل هذا الانخفاض تراجعا عما تم تسجيله عام 2022 بنسبة 9%، لكنه مطابق تقريبا لمؤشرات عامي 2019 و2021.

وأنتجت هذه الخسارة 2.4 غيغا طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عام 2023، أي ما يعادل نصف الانبعاثات السنوية للوقود الأحفوري للولايات المتحدة.

وإجمالا، يعتمد الاتجاه العالمي -في تقديراته السنوية لتراجع الغطاء الغابي- على حصيلة الحرائق في الغابات الشمالية خصوصا.

ولهذا كان لحجم الحرائق غير المسبوق في غابات كندا تأثير واضح على نسبة الزيادة في وتيرة فقدان الغابات عالميا العام الماضي، والمقدرة في حدود 24%.

وقد تطور حجم المساحات -التي تمت خسارتها- من 8.22 ملايين هكتار عام 2022 إلى 3.28 ملايين هكتار عام 2023.

وإذا ما تم استثناء كندا من هذه البيانات، فإنه يتضح أن معدل الخسارة للمساحات الغابية في بقية العالم قد تراجع بنسبة 4% العام الماضي.

وفي حين يمكن أن تشكل الحرائق جزءا طبيعيا من النظام البيئي بالغابات الشمالية، يلاحظ التقرير أن الحرائق الأكثر كثافة والأكثر تكرارا يمكن أن تؤدي إلى تغييرات دائمة في الغابات.

ويمكن أن تستمر الحرائق مشتعلة تحت الأرض، وتتسبب في حرائق جديدة، مما ينجر عنه المزيد من الضرر.

نقطة ضوء بالأمازون

تشير الأنباء السارة -في التقرير- إلى انخفاض معدل خسارة الغطاء الغابي بالمناطق الإحيائية في الأمازون التي تضم أكبر غابة مطيرة في العالم وتتمتع بأهمية كبيرة، بنسبة 39% عام 2023 مقارنة بالعام السابق.

ويعود هذا التراجع، بحسب تحليل التقرير، إلى سياسة الحكومة البرازيلية مع صعود الرئيس لولا دا سيلفا إلى سدة الحكم بداية 2023، حيث عمل على إلغاء التدابير المناهضة للبيئة، والاعتراف بالمناطق الجديدة للسكان الأصليين، وتعزيز جهود إنفاذ القانون.

لكن هذه الأخبار الإيجابية تتزامن مع أسوأ موجة جفاف على الإطلاق تشهدها منطقة الأمازون بسبب حرائق الغابات عام 2023 تلتها حرائق قياسية شهدتها ولاية رورايما في فبراير/شباط الماضي.

ورغم أن الحرائق تعد سمة طبيعية للنظام البيئي بالغابات الاستوائية، فإن الجفاف الحاد -الذي استمر عدة سنوات ونتج جزئيا عن تغير المناخ- أدى إلى موجة حرائق متكررة بمناطق واسعة، الأمر الذي أثار قلق الخبراء بشأن مدى قدرة هذا النظام البيئي على التعافي.

وعلى سبيل المثال، شهدت منطقة “بانتانال” البرازيلية ذات التنوع البيئي الحيوي، وهي أكبر الأراضي الرطبة الاستوائية في العالم، ارتفاعا كبيرا في فقدان الغابات عام 2023 بسبب الحرائق.

النظام الإيكولوجي في خطر

وفق تقرير للأمم المتحدة، تغطي الغابات ما يقرب من 31% من مساحة العالم، وهي موطن لأكثر من 80% من أنواع الحيوانات والنباتات والحشرات. ومع ذلك، فإن التنوع البيولوجي يتراجع بشكل أسرع من أي وقت آخر في تاريخ البشرية.

وقد جاء في هذا التقرير أن حوالي مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض الآن، والعديد منها في غضون عقود من الزمن.

ويلفت تقرير “المعهد الدولي للموارد” إلى الدور المحوري التي تلعبه الغابات بكوكب الأرض كونها تمثل نظما إيكولوجية بحد ذاتها فضلا عن دورها في مكافحة تغير المناخ، ودعم سبل العيش لمئات الملايين من البشر.

ويعتمد نحو 6.1 مليارات شخص، بما في ذلك ما يقرب من 70 مليون من السكان الأصليين، على موارد الغابات في سبل عيشهم.

وتعد الغابات مصدرا ومصرفا للكربون، حيث تزيل ثاني أكسيد الكربون من الهواء عندما تكون منتصبة أو في فترات إعادة النمو، وتلعب دورا عكسيا عند إزالتها أو تدهورها.

وتؤثر إزالة الغابات، وخاصة المناطق الاستوائية، أيضا على درجات الحرارة المحلية وهطول الأمطار بطرق يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التأثيرات المحلية على تغير المناخ العالمي، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على صحة الإنسان والإنتاج الزراعي.

ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن التوسع الزراعي هو المحرك المباشر لنحو 90% من إزالة الغابات، ويرتبط هذا ارتباطا مباشرا بأنظمتنا الغذائية.

وتسبب مثلا إنتاج زيت النخيل في إزالة 7% من الغابات على مستوى العالم الفترة من عام 2000 إلى 2018.

آمال الإنقاذ

وبينما يواجه العالم “التحذير الأخير” بشأن أزمة المناخ، فإن الحد من إزالة الغابات يبرز كأحد التدابير الأكثر فعالية للتخفيف من كلفة تغير المناخ.

وتمثل إدارة الغابات على نحو مستدام عنصرا أساسيا من بين العناصر التي يشير إليها “الهدف 15” على لائحة أهداف التنمية المستدامة لمنظمة الأمم المتحدة، والمرتبط بالحفاظ على الحياة في البر.

ويعتقد الخبراء معدو تقرير “معهد الموارد العالمية” أن التقدم في حماية الغابات ممكن شريطة أن يحدث في كل مكان.

وقد أظهرت البيانات عام 2023 أن البلدان قادرة على خفض معدلات فقدان الغابات الاستوائية إذا حشدت الإرادة السياسية للقيام بذلك، كما حدث في البرازيل.

ومع ذلك يشير الخبراء إلى بعض النصائح الممكنة في سبيل عكس المسار لتقلص مساحات الغابات، من بينها الحاجة إلى حوافز وآليات مالية واقتصادية لجعل الغابات أقل عرضة للاستنزاف من قبل المزارع أو المناجم أو البنية التحتية أو الأنشطة الاقتصادية الأخرى.

ومن شأن مبادرة خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها أن تساعد على حماية الغابات واستعادتها.

ويحث الخبراء على تعزيز الاستثمارات في الاقتصاد الحيوي للحد من إزالة الغابات، مع تعزيز النمو وضمان سبل العيش لأولئك الذين يعتمدون على الغابات.

كما ينصح الخبراء، الحكومات، بتكييف الحلول على نطاق محلي مع الحلول العالمية لتغير المناخ والاستدامة من أجل الحد من فقدان الغابات في كل مكان.

شاركها.
Exit mobile version