إذا هبطتَ على سطح القمر اليوم وأجريت مسحا شاملا للمناظر الطبيعية، فستواجه خليطا من الأعلام الأميركية والصينية والروسية على سطحه المُغبرّ، ومع ذلك فإن هذه الرموز الوطنية ليس لها وزن يُذكر عندما يتعلق الأمر بالمطالبات بالأراضي والولاية الإقليمية في هذا المجال، وذلك لأن الشروط الدولية نصت على أنه لا يجوز لأي دولة أن تطالب بأرض في الفضاء الخارجي أو على أي جِرم السماوي.

مثل هذه الأماكن هي “ملك للبشرية جمعاء”، وفقًا لمعاهدة الفضاء الخارجي المنظِّمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الموارد السماوية، والتي وقّعتها الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى في عام 1967. لكن الجدل لا يزال مستمرا حول ما إذا كانت الاتفاقية تحظر على الصناعة الخاصة العمل في الفضاء الخارجي، وخاصة التعدين في الفضاء.

ثراء الفضاء

يحتوي النظام الشمسي على موارد بدأت البشرية في فهمها للتو، بما في ذلك حوالي 200 كويكب يبلغ قطرها أكثر من 100 كيلومتر، أي أكبر قليلاً من دولة مثل مصر، وقد تشكلت شركات حكومية وخاصة وأقسام داخل الشركات على أمل استخراجها.

والكويكبات ليست مجرد قطع من الجليد والصخور قد تَكتب نهاية الأرض كما يسرد فيلم الخيال العلمي “أرمجدون”، ولكنها تحتوي على مخزونات هائلة من المعادن الثمينة والصناعية، مثل البلاتين والذهب والنيكل والكوبالت، وهناك أكثر من مليون كويكب يتتبعه علماء الفلك يقع معظمها داخل حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري.

يحتوي كويكب واحد يبلغ قطره 500 متر على كمية من البلاتين أكبر مما تم استخراجه في تاريخ الأرض، وهناك أكثر من مليونين من الصخور الفضائية تدور في حزام الكويكبات أيضا، مع ما يُقدَّر بمليار دولار من البلاتين في كل واحدة منها، بما في ذلك الذهب والحديد والنيكل والماء والعناصر القيمة الأخرى التي يمكن العثور عليها هناك.

ووفقا لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، فإن حزام الكويكبات بأكمله يضم ثروة معدنية يمكن أن تصل إلى نحو 700 كوينتيليون دولار (سبعة يليها 20 صفرا، فالكوينتليون الواحد يساوي مليون تريليون)، وهذا يعني 100 مليار دولار لكل واحد من سكان الأرض.

الكويكب الأكثر قيمة في الحزام هو دافيدا، وهو سابع أكبر كويكب في النظام، ويبلغ قطره 326 كيلومترا، وتشير التقديرات إلى أنه يحتوي على معادن بقيمة 27 كوينتيليون دولار، إلى جانب النيتروجين والأمونيا والهيدروجين، وفقا لما ذكره موقع “بيزنس إنسايدر” في يونيو/حزيران 2021.

وعلى عكس معظم الكويكبات الجليدية أو الصخرية، يتكون الكويكب الذي يبلغ قطره 140 ميلا بين المريخ والمشتري والمسمى “سايكي 16” (16 Psyche)، أو “الكويكب الذهبي” الذي اكتُشف في مارس/آذار 1852 من قبل عالمة الفلك الإيطالية أنيبال دي غاسباريس؛ من تركيبة من المعادن الثمينة من الحديد والنيكل والذهب.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أطلقت وكالة ناسا مسبارا فضائيا في رحلة طويلة لمسافة تزيد عن ثلاثة مليارات كيلومتر لاستكشاف هذا الكويكب الغني بالمعادن، ويُتوقع أن يصل المسبار إلى الكويكب في صيف 2029، وهي المرة الأولى التي يزور فيها البشر كويكبا ذا سطح معدني.

وإذا تأكدت ثروات الكويكب، فقد تبلغ قيمته 10 كوينتيليونات دولار، وهذا أكثر بكثير من الاقتصاد العالمي الذي بلغت قيمته نحو 84.5 تريليون دولار في عام 2020 وفقًا لمجلة فوربس.

وتتضمن الأسباب الأخرى لعدم إمكانية تجاهل الفضاء؛ المنافسة المحتملة على الموارد الطبيعية الموجودة في الفضاء، فالقمر على سبيل المثال يوفر كميات هائلة من المعادن الأرضية النادرة اللازمة لصنع البطاريات والأدوات الإلكترونية والمعدات العسكرية المتطورة. وبما أن الصين تحتكر تقريبا إنتاج هذه الموارد، وتتحرك خطط استخراجها في أماكن أخرى على الأرض ببطء، فإن هناك اهتماما جيوسياسيا بمصدرها من القمر.

ونظراً لإمكانية تحويل الجليد القمري إلى هيدروجين وأكسجين لإنتاج وقود الصواريخ، فإن هذا من شأنه أن يسمح للبعثات الفضائية بالتزود بالوقود هناك دون الاضطرار إلى حمل كل وقودها الدافع من الأرض، وهذا أحد الأسباب للاندفاع للعودة إلى القمر للمطالبة بحصة في المياه هناك، كما تقول مديرة مشروع الفضاء في جامعة بورتسموث لوسيندا كينغ.

ويتوقع أن تزداد المنافسة على السيطرة على القمر  بين القوى الفضائية -مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين- لإقامة قواعد هناك، خاصة إذا ما أصبح القمر محطة وقود محتملة في الفضاء يمكن أن تساعد المستكشفين في الوصول إلى مسافة أبعد في النظام الشمسي، وللقيام بذلك تقول وكالة ناسا إنها تحتاج إلى رواد الفضاء “للعيش في الفضاء” باستخدام الموارد الموجودة هناك بدلاً من نقلها من الأرض.

وقد يكون الفضاء أيضا جزءا من حلول التغير المناخي للأرض، فعلى الرغم من أن معظم مصادر الطاقة المتجددة على الأرض لا يمكن تسخيرها إلا بشكل متقطع، فإن محطات الطاقة الشمسية الموجودة في مدار ثابت قد تكون قادرة على القيام بذلك على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

وستكون إمكانية الحصول على طاقة رخيصة ونظيفة وغير محدودة سببا كافيا للوصول إلى الفضاء، فقد أعلنت الصين عن خطط لنشر محطات الطاقة الشمسية في الفضاء بحلول عام 2035، لكن التكنولوجيا اللازمة لتحقيق جدوى اقتصادية لا تزال بحاجة إلى تطوير.

NASA Psyche Mission: Charting a Metallic World

سباق الفضاء الجديد

مع كل هذه الموارد المرغوبة، ليس واضحا من الذي يمكنه المطالبة بها فعليا مع سعي مجموعة من الدول بقيادة الولايات المتحدة إلى تشجيع صناعة التعدين الفضائية المتنامية، والتي يمكن أن تتحدى الافتراضات القديمة بشأن ملكية النظام الشمسي “للبشرية جمعاء”.

وتاريخيا، وفي ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وحلفائهما، وقَّعت نحو 60 دولة على معاهدة الفضاء الخارجي التي حظرت عسكرة الفضاء ومنعت الدول التي ترتاد الفضاء من المطالبة بامتلاك هذه الموارد.

وتنص المادة الثانية من المعاهدة على أنه “لا يجوز التملك القومي للفضاء الخارجي ومحتوياته بدعوى السيادة أو بطريق الاستخدام أو الاحتلال أو بأي وسيلة أخرى”. وتوضح المعاهدة كذلك أن أي كيان غير حكومي (مثل الملاحين الفضائيين) يعمل في الفضاء، يجب أن يحصل أولاً على موافقة خاصة من حكومته الوطنية ويتبع جميع قواعد المعاهدة. وجادل بعض المعارضين بأن هذا يستدعي المادة الثانية، ويمنع الشركات الخاصة من جمع صخورها.

ويشير أنصار الصناعة بدلاً من ذلك إلى المادة الأولى التي تنص على أن الفضاء “يجب أن يكون مفتوحا للاستكشاف والاستخدام من قبل جميع الدول دون تمييز من أي نوع”، ويقولون إن المادة الثانية تنطبق فقط على الدول وليس الشركات الخاصة.

وفي الماضي، كان الفضاء إلى حد كبير حكرا على الحكومات، ولكن هناك ساحة جديدة للمشغّلين التجاريين -مثل شركة “سبيس إكس” التابعة لإيلون ماسك، وشركة بلو أوريغن التابعة لجيف بيزوس، وشركة فيرجن غالاكتيك التابعة لريتشارد برانسون- تعمل الآن جنبا إلى جنب مع القطاع العام.

ومن غير المستغرب أن تكون هذه الشركات في كثير من الأحيان أكثر تنافسية، وربما عدوانية، فيما يتعلق بدفع حدود استكشاف الفضاء وتسويقه تجاريا، حيث يُقدر فريق الفضاء التابع لـ”مورغان ستانلي” أن النشاط الفضائي العالمي يمكن أن يولد إيرادات سنوية بقيمة تريليون دولار بحلول عام 2040، ارتفاعا من 350 مليار دولار اليوم.

وبطبيعة الحال، لدى الولايات المتحدة منافسون على التفوق في الفضاء اعتبارا من عام 2019، تطالب 72 دولة ببرامج فضائية نشطة و14 دولة لديها قدرات إطلاق.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت الرائدة في هذا المجال، فإن برنامج الفضاء الصيني -الذي تغذيه القوة الاقتصادية المتنامية للبلاد- يتقدم منذ أن أحالت واشنطن برنامج المكوك الفضائي ديسكفري إلى التقاعد عام 2011 بعد 27 عاما من التحليق في الفضاء الخارجي.

والهند بدورها تريد المشاركة في هذه العملية، ففي فبراير/شباط 2021، كما أطلقت الإمارات مركبة فضائية (مسبار الأمل) للانضمام إلى البعثات الأميركية والصينية المسافرة إلى المريخ. ولا نستبعد من هذا المضمار الروس المنافسين الأوائل للولايات المتحدة في الفضاء.

جدل الاتفاقيات الدولية

أصدرت دول مثل اليابان ولوكسمبورغ والإمارات والولايات المتحدة قوانين تكرس حقوق الملكية الخاصة على موارد الفضاء في سياق تحفيز التعدين التجاري فيه، وبدأت الولايات المتحدة هذا الاتجاه عام 2015 في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي وقّع على قانون يسمح للشركات الخاصة بالحق في امتلاك الموارد التي تستخرجها في الفضاء، مما فتح الباب أمام الأعمال الفضائية المدنية.

وفي 2018، أطلقت الصين مركبة استطلاع على الجانب البعيد من القمر، والتي كانت تجمع البيانات منذ أكثر من 18 شهرا حتى الآن. وفي أواخر 2019، أطلق الرئيس آنذاك دونالد ترامب تشكيل قوة الفضاء الأميركية كجزء من الجيش، بينما شهد أوائل 2020 توقيع وكالة ناسا عقدا مع شركة أكسيوم سبيس لبناء أول محطة فضائية تجارية. وعزز ترامب القضية بإصدار أمر تنفيذي عام 2020 يضع سياسة وطنية لتشجيع “التعدين الفضائي العام والخاص واستخدام الموارد في الفضاء الخارجي بما يتفق مع القانون المعمول به”.

يُدين الأمر أيضا ما يسمى بـ “اتفاقية القمر”، وهي اتفاقية وقعتها مجموعة من الدول ليس من بينها الولايات المتحدة في السبعينيات والثمانينيات، وتؤكد من جديد وتشرح العديد من أحكام معاهدة الفضاء الخارجي كما هي مطبقة على القمر والأجرام السماوية الأخرى، وتنص على أن القمر وموارده الطبيعية هي تراث مشترك للبشرية، وأنه ينبغي إنشاء نظام دولي يحكم استغلال هذه الموارد عندما يكون هذا الاستغلال على وشك أن يصبح ممكنا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، قادت إدارة ترامب أيضا التوقيع على “اتفاقيات أرتميس” مع 8 دول، وهي مجموعة من الاتفاقيات الثنائية تحكم السلوك في الفضاء والسيطرة على الأجرام السماوية مثل القمر، وتسمح القواعد للشركات الخاصة باستخراج الموارد القمرية وإنشاء مناطق آمنة لمنع الصراعات وضمان تصرف الدول بشفافية بشأن خططها في الفضاء، مع مشاركة اكتشافاتها العلمية.

وهذه الاتفاقية الدولية تحايلت فيها واشنطن عمدا على الأمم المتحدة، فهي تعكس التفسير الذي تفضله الولايات المتحدة بأن المادة الثانية لا تنطبق على الصناعة الخاصة، واعتبارا من ديسمبر/ كانون الأول 2022، انضمت 23 دولة ومنطقة واحدة إلى الاتفاقيات، لكن المجموعة لم تضم روسيا والصين المنافسين الرئيسيين للولايات المتحدة في مجال الفضاء.

ووفقًا لمجلة فورين بوليسي، فعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية تدعي تأكيد معاهدة الفضاء الخارجي، فإنها تزيد في الواقع من احتمالات الصراع من خلال توسيع تفسير قانون الفضاء التجاري مع رسم حدود جيوسياسية صعبة. ومن دون مشاركة روسيا وخاصة الصين، فإن الكثير من دول العالم سوف تنظر إلى اتفاقيات أرتميس باعتبارها كتاب قواعد غير رسمي لناد منطو وليس اتفاقا حقيقيا متعدد الأطراف.

الملكية الخاصة لموارد الفضاء.. .. إشكالية جديدة

إذا سافرت شركة تعدين فضائي خاصة إلى “بحر الهدوء”، وهي منطقة هبط عليها رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ، وجمعت الصخور القمرية وعادت إلى الأرض، فهل تتمتع بحقوق الملكية الكاملة عليها، وهل انتهكت الشركة القانون الدولي؟

تماما كجميع الرحالة، كان رواد الفضاء الذين مشوا على سطح القمر مصممين على إحضار ذكريات معهم تمثلت في الكثير من صخور القمر التي وصلت إلى 2196 عينة قمرية، بكتلة 382 كيلوغراما جُمعت من مهمات أبولو الست خلال عدة أيام قليلة فقط على مدار 4 سنوات. ومع ذلك استغرق العلماء عقودا في دراستها، وتحتفظ ناسا بنحو 85% من هذه الصخور، وواجه بقيتها مصائر مختلفة.

ليست صخور أبولو العينات الوحيدة الموجودة على سطح الأرض، فقد قام الاتحاد السوفياتي بقيادة ثلاث مهمات روبوتية أحضرت معها عيناتها الخاصة من القمر، ولكنها أقل بكثير من عينات مهمات أبولو وتعادل 0.3 كيلوغرام فقط.

وكجزء من مهمتها لاستكشاف القمر، تعمل وكالة ناسا على إقناع الدول في جميع أنحاء العالم بتبني “اتفاقيات أرتميس”، وتحاول الآن إعادة رواد الفضاء إلى القمر في إطار البرنامج الخاص بها لأول مرة منذ عام 1972. وعلى عكس “برنامج أبولو”، حيث زار رواد الفضاء سطح القمر لفترة قصيرة قبل العودة إلى الوطن، فإن “برنامج أرتميس” سيخلق وجودا دائما على القمر وحوله.

وبموجب البرنامج الذي أُعلن عنه، وبعد شهرين فقط من التوقيع على الاتفاقيات، وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلنت وكالة ناسا أن العديد من الشركات الخاصة فازت بعقود لتعدين القمر وتسليم عينات صغيرة لوكالة الفضاء مقابل رسوم رمزية، وهو ما لا يزال موضوعا مثيرا للجدل.

وفي إحدى الحالات، يبدو أن دولارا واحدا يكفي لشراء عينة صغيرة من الصخور والتربة من القمر، ولا يمكنه أن يشتري لك فنجانا من القهوة. فقد قدمت شركة تدعى  لونار أوت بوست عرضا مقابل هذا المبلغ الزهيد الذي وافقت عليه ناسا بعد أن قررت أن شركة الروبوتات التي يقع مقرها في كولورادو لديها القدرة التقنية على تقديمها.

وبالإضافة إلى لونار أوت بوست، فإن الشركات الأخرى التي اختيرت لبرنامج ناسا هي: الفرعان الياباني والأوروبي من شركة “آي سبايس” الخاصة وستتقاضى كل منهما 5000 دولار مقابل العينة الصغيرة، وماستن سبيس سيستمز في كاليفورنيا وستتقاضى 15 ألف دولار، ليكون الإجمالي 25001 دولار، وستكون جميع الشركات موجودة بالفعل على سطح القمر -وفقا لوكالة ناسا- للقيام بمهام أخرى.

وجاء إعلان التعدين خلال الأسبوع نفسه الذي هبطت فيه الصين بمركبة فضائية على القمر، واستخرجت الموارد ثم انطلقت من سطح القمر في محاولة لإعادة العينة إلى الأرض. لكن بالنسبة لناسا، فعوضا عن تطوير واستدامة مهمة حكومية كبيرة للحصول على الصخور القمرية، سلكت الوكالة نهجاً آخر من خلال الشراكة مع القطاع الخاص.

لكن الحوافز المالية المتواضعة ليست المحرك للبرنامج، ولا التربة القمرية الفعلية إلى حد كبير. وتطلب ناسا كميات صغيرة فقط (بين 50 و500 غرام). وعلى الرغم من أنه ستكون هناك فوائد علمية للمهمة، فإنها في الواقع برنامج لتطوير التكنولوجيا، مما يسمح للشركات بالتدرب على استخراج الموارد من سطح القمر ثم بيعها، كما ستشكل سابقة قانونية من شأنها أن تمهد الطريق أمام الشركات لاستخراج الأجرام السماوية في جهد تباركه الحكومة الأميركية للمساعدة في بناء وجود مستدام على القمر وفي أماكن أخرى.

ومع ذلك، قال مسؤولو ناسا إن هذا الجهد لن ينتهك معاهدة الفضاء الخارجي التي تحظر على الدول المطالبة بالسيادة على جرم سماوي، وسبق أن شبَّه مدير وكالة ناسا جيم بريدنشتاين، هذه السياسة بـ”القواعد التي تحكم البحار”، وقال: “نحن نعتقد أنه يمكننا استخراج واستخدام موارد القمر، تماما كما يمكننا استخراج واستخدام سمك التونة من المحيط”.

ومنذ ذلك الحين، لم توفر العقود الأولى سوى مبلغ صغير من التمويل، وواجهت العديد من الشركات مشاكل مالية أو تقنية، ففي وقت سابق من عام 2023، تحطمت مركبة الهبوط “هاكتور آر” التابعة لشركة “آي سبيس” اليابانية الخاصة، والتي تحمل أيضا المستكشف الإماراتي “راشد”، في القمر، تاركة وراءها حفرة صغيرة.

مَنْ يتحكم في معادن المستقبل؟

في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، سمحت الحكومة اليابانية لشركة “آي سبيس” الخاصة بإجراء أنشطة تجارية على القمر، بما في ذلك استخراج المعادن وبيعها لوكالة ناسا لتحقيق الربح لاحقا ضمن الإطار العام لاتفاقيات أرتميس.

هذا الترخيص الذي حصلت عليه “آي سبيس” هو أول ترخيص لاستخراج وبيع الموارد الفضائية الممنوحة بموجب قانون موارد الفضاء الياباني، والحالة الأولى لاستخدام الموارد الفضائية تجاريا، وتخطط “آي سبيس” بالفعل للعودة إلى القمر من خلال مهماتها القمرية الثانية والثالثة، والتي ينتظر أن يتم إطلاقها في 2024 و2025 على التوالي.

وفي الوقت نفسه، بدأ سباق فضائي جديد يتصاعد، فبالإضافة إلى البعثات غير المأهولة إلى المريخ هذا العام، تخطط كل من الولايات المتحدة والصين للهبوط على سطح القمر في وقت لاحق من هذا العقد، لكنهما تتجاهلان التحديات التقنية العديدة التي تواجه التعدين الفضائي مثل الحاجة إلى روبوتات ومركبات فضائية وغيرها من التقنيات التي لا توجد في عصرنا اليوم، والسيطرة على هذه الموارد لن يجعل أي دولة أو شخص ثريا بين عشية وضحاها.

من المحتمل أن يتم استخراج المعادن من الكويكبات في وقت ما في المستقبل، ولكن بمجرد أن تبدأ تلك المعادن في الوصول إلى السوق هنا على الأرض، فمن المرجح أن يؤدي تدفق العرض إلى خفض أسعارها، وحينها لن يُعد الذهب والبلاتين والمعادن الأخرى “ثمينة” لأنها لن تكون نادرة.

وعلاوة على ذلك، فإن المعادن ليست باهظة الثمن بسبب قيمتها المتأصلة، إنها باهظة الثمن بسبب القيمة التي تقدمها، فالفولاذ مثلاً هو مجرد فولاذ لإمكانية استخدامه لصنع أجزاء من السيارات، وكذلك أصبحت الفضة أكثر كلفة بسبب استخدامها في الألواح الشمسية.

ويمكن لكويكب عملاق مليء بالذهب أن يمول الصناعات القائمة على هذا الكوكب، لكن من غير المرجح أن يؤدي إلى ثورة صناعية جديدة، فقط لأن تعدين الكويكبات سيوفر المزيد من الذهب، فهذا لا يعني أن الطلب سيرتفع.

وهذا هو بالضبط السبب وراء استعداد الملياردير الأميركي إيلون ماسك للمراهنة على العملات المشفرة، ووفقًا لرؤيته فإن التنقيب في الكويكبات يمكن أن يقلل من مكانة الذهب كمخزون للثروة.

وإحدى طرق التحكم في قيمة المعادن هي التحكم في العرض، وهذا يعني أن التعدين الفضائي لن يجعل أي شخص أكثر ثراء من بيزوس وماسك إلا إذا تمكن من إنشاء احتكار خاص به، كما يحدث مع الماس الذي تستحوذ عليه شركة دي بيرز عالميًا، وتمكنت عائلة أوبنهايمر من السيطرة عليه والحفاظ على احتكارها لقطاع الماس على مستوى العالم.

وكما هو الحال على الأرض، من المرجح أن يؤدي الافتقار إلى المعايير الدولية في الفضاء إلى منافسة فوضوية بين الدول الكبرى. فمثلاً، أدَّى قانون أميركي صدر عام 2011 يمنع وكالة ناسا من التعاون مع الوكالات الصينية؛ إلى منع الصين من المشاركة في محطة الفضاء الدولية الأميركية الروسية، مما دفع الصينيين إلى البدء ببناء محطة خاصة بهم أثناء الشراكة مع روسيا في محطة أبحاث القمر.

ويمكن للنشاط الفضائي غير المنظم أن يخلق عددا لا يحصى من المشاكل، بدءا من منع نقل البيانات عن طريق الخطأ أو عن قصد، إلى التلوث المداري من عدد كبير جدا من الأجسام الفضائية. والواقع أن الشركات الأميركية هي في الوقت الحالي أسوأ المخالفين، وهو ما يسلط الضوء على الحاجة إلى تنظيمات أكثر استهدافا.

فقط عدد قليل من الاصطدامات غير المنضبطة يمكن أن تولّد ما يكفي من النزاعات لجعل الفضاء القريب من الأرض غير صالح للاستخدام، وبطبيعة الحال لا أحد يريد أن يرى الفضاء مسلحا بسباقات تسلح متصاعدة ومكلفة للغاية.

وقد يؤدي مثل هذا النزاع إلى رفع دعاوى قضائية “في المستقبل القريب”، وفقًا لنشرة شهر يناير/كانون الثاني الصادرة عن نقابة المحامين الدولية. فلا أحد يعرف حتى الآن ما إذا كانت الدول ستعترف بالمطالبة بالموارد الفضائية الصادرة عن دولة أخرى أو ستعتبرها انتهاكا للمادة الثانية.

شاركها.
Exit mobile version