يجري جراحون حول العالم نحو 300 مليون عملية جراحية سنويا بحسب منظمة الصحة العالمية. ومع مطلع العام 2023 أجريت نحو 11 مليون جراحة عبر الاستعانة بالروبوت الجراحي. ويقدر عدد الروبوتات الجراحية الموجودة في المستشفيات عالميا بنحو 7500 روبوت.

ويقدم الروبوت العون للجراحين أثناء إجرائهم أنواع عديدة من الجراحات، خاصة تلك الخطيرة التي تحتاج إلى دقة شديدة، ومنها استئصال أورام المخ وجراحات الشبكية والقلب.

ويجدر بنا ذكر أن الروبوت الجراحي المستخدم حاليا غير مُؤتْمت، أي أن الجراح يتحكم في إجراء العمليات تحكما كاملا، بينما يساعد الروبوت على إضافة مزيد من “الدقة” و”الأمان”.

وأدت زيادة الاعتماد على هذه الروبوتات الجراحية إلى ظهور عدد من الأسئلة منها: هل تقدم الجراحات الروبوتية حقا ميزة نسبية مقارنة بتلك التقليدية، وما التطورات الحالية التي تخضع لها هذه الروبوتات؟

أفكار مبتكرة.. مشروعات غير مكتملة

لم تكن الدقة وحدها العامل الرئيسي خلف تطوير الروبوت الجراحي، ففي سبعينيات القرن الماضي سعت الإدارة الوطنية للملاحة والفضاء الأميركية (ناسا) إلى تطوير وسيلة تساعدها على علاج المصابين والمرضى من رواد الفضاء عن طريق أجهزة جراحية مثبتة في محطات الفضاء، ويستطيع الجراحون التحكم بها لإجراء العملية المطلوبة من الأرض، وأطلقوا على هذه الوسيلة “الجراحة عن بعد”.

وتبنت وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة الأميركية (DARPA) المبدأ نفسه، فحاولوا تطوير تقنيات تسهم في علاج جرحى الحروب ومصابيها مباشرة في أرض المعركة، إلا أن مساعي المشروعين لم تكلل بالنجاح.

ومع التطور المستمر في مجال الاتصالات، أجرى الطبيبان جاك ماريسكو وميشيل جانييه أول جراحة عن بعد لاستئصال المرارة، حيث عالجا من موقعهما في نيويورك أحد المرضى بمدينة ستراسبورغ الفرنسية.

ورغم نجاح الإجراء، لم يحظ مفهوم الجراحات عن بعد بالانتشار المنشود نظرا لبطء الاستجابة بين قرار الطبيب وحركة الأداة الإلكترونية.

عام 1985 أجرى الطبيب يك سان كوه جراحة أعصاب في المخ مستعينا بذراع روبوتي (شترستوك).

الاعتماد على الروبوت.. فكرة غير جديدة

يعود تاريخ أول استعانة بالروبوت في إجراء الجراحات إلى العام 1985، حينها أجرى الطبيب يك سان كوا جراحة أعصاب دقيقة لأخذ خزعة من المخ مستعينا بـ”ذراع روبوت”، إلى جانب تقنية التصوير المقطعي المحوسب.

وتمثلت خطوات العملية في استغلال التصوير المقطعي لتحديد الموضع المراد استهدافه، ومن ثم نقلت البيانات إلى ذراع الروبوت الموجود بجانب رأس المريض، وحدد بالضبط الموضع الذي ينبغي أخذ الخزعة منه، وهو ما سمح بإجراء العملية بأمان ودقة.

أما مرحلة التطور التالي فبدأت في التسعينيات، وخلالها ظهرت المناظير الجراحية التي يمكن وصفها بمنظار مكبّر يساعد الطبيب على إجراء الجراحات عبر تدخل محدود دون الحاجة إلى صنع شقوق جراحية كبيرة.

وفي نهايات القرن المنصرم طور الأطباء نظام “دافنشي” الجراحي، وهو نظام يعتمد على الروبوت بنسبة كبيرة في تنفيذ الجراحات التي يجلس الجراح فيها خلف جهاز ناظرا إلى شاشة، ويتحكم في الأدوات الجراحية باستخدام أذرع تحكم، مما يعني أن القرار يعود إلى الجراح والتنفيذ إلى الروبوت.

جراحون ومرضى.. الإفادة من الروبوتات

ما بين الدعاية التسويقية لترويج إدراج الروبوتات في العمليات الجراحية، والفائدة الحقيقية النابعة من هذا الاعتماد، أجرى مختلف الباحثين عددا كبيرا من الدراسات في محاولة تحديد مكاسب استغلال الروبوتات.

وأشارت نتائج أحد هذه الدراسات إلى أن الاعتماد على الروبوتات يسهم في تعزيز الشفاء بعد الجراحة بوجه عام، وأكدت دراسة أخرى أن الاعتماد على الروبوتات الجراحية أثناء إجراء جراحات سرطان المستقيم تُحقق نتائج أكثر أمانا مقارنة بجراحات المناظير والجراحات المفتوحة، إذ إنها تحدُّ من مخاطر النزيف والإصابة بالعدوى.

ومع ذلك أشارت نتائج هذه الدراسة إلى نقطتي ضعف صاحبتا الاعتماد على الروبوت هما: زيادة طول مدة إجراء الجراحة، وارتفاع تكاليفها.

واستمرارا في عقد المقارنات بين الجراحات الروبوتية والتنظيرية التقليدية، وجدت دراسة أن نتائج إجراء عملية علاج بطانة الرحم المهاجرة بالوسيلتين كانت متشابهة.

وأوضحت دراسة أخرى أن جراحات استئصال بعض سرطانات الجهاز التناسلي الأنثوي بالمنظار الجراحي حدّت من النزيف الناتج منها وأسهمت في سرعة إجرائها، وذلك مقارنة بالجراحة الروبوتية، ومع ذلك ساعد الروبوت الجراحين على استئصال عدد أكبر من الأورام.

وفي عام 2021 ذكرت دراسة مراجعة (Review) لـ50 تجربة عشوائية، أن الجراحات الروبوتية لم تحقق فارقا في النتائج مقارنة بالجراحات المفتوحة أو جراحات المناظير.

وأكدت دراسة في العام 2018 أن التدخل المحدود بالمنظار أو الروبوت لم يسهم في شفاء السيدات من سرطان عنق الرحم مقارنة بالجراحة المفتوحة، وحذرت هيئة الغذاء والدواء الأميركية من استخدام الروبوت في عمليات استئصال الثدي.

وفي تقرير لصحيفة “ذي نيويورك تايمز”، قالت الجرّاحة نايلا داناني المؤلفة الرئيسية لدراسة بعنوان “الدليل وراء الجراحات الباطنية بمساعدة الروبوت”: “لا يوجد سبب لاختيار المريض الخضوع لجراحة روبوتية بدلا من أي تقنية أخرى، فوجود تقنية متطورة لا يعني أنها الأفضل دائما”.

وتشرح أن “الجراحات الروبوتية آمنة، وأظهرت دراستنا تفوقها على أقرانها في 4 أنواع من الجراحات، بينما لم يحدث أي فارق في 46 جراحة أخرى”.

ويتسع استخدام الروبوتات الجراحية ليصل إلى جراحات الأسنان المعقدة، فقد وافقت هيئة الدواء والغذاء الأميريكية (FDA) في العام 2016 على استغلال الروبوت في إجراء عمليات زراعة الأسنان.

الروبوت الجراحي.. قيد التطور

وفي شهر يناير/كانون الثاني 2022 نجح علماء جامعة “جون هوبكنز” في إجراء جراحة روبوتية أوتوماتيكية بالكامل دون تدخل الجراحين لأنسجة أمعاء حيوانية، وتمكن الروبوت من خياطة طرفي هذه الأمعاء بكفاءة بالغة.

وقال كبير مؤلفي الدراسة أكسل كريغر إن الجراحة أجريت لـ4 حيوانات، وأدت إلى نتائج أفضل مقارنة بالاستعانة بالجراحين.

ويسعى الباحثون إلى أتمتة بعض الجراحات لتحقيق أعلى قدر من الأمان للمرضى. ومع ذلك توجد بعض التخوفات، فهذه الروبوتات تشبه -إلى حد ما- السيارات ذاتية القيادة التي تستطيع قيادة نفسها إذا توافرت ظروف مثالية، مثل أن يكون الطريق مستقيما خاليا من العوائق. وكذلك الأمر مع جسم الإنسان، فرغم تشابه أغلب أجسادنا، يمتلك كل جسد بعض المواصفات المعينة التي تجعله مختلفا عن الأجساد الأخرى.

وفي تطور آخر، يعمل الباحثون حاليا على تطوير الميكروروبوت، وهي روبوتات أنحف من شعرة الرأس الواحدة، ويهدف استخدامها حاليا إلى إدخال بعض أنواع الأدوية إلى مناطق محددة جدا في الجسم لعلاجها من بعض الأمراض، ولعل أهمها السرطانات.

وتمكن فريق بحثي في جامعة كاليفورنيا سان دييغو من إدخال ميكروروبوت بمعدة فأر تجارب لإيصال جرعة من الذهب النانوي، قبل أن يدمر الروبوت نفسه.

وتظل الجراحات الروبوتية تحت التطوير المستمر، وتسعى المؤسسات الصحية حول العالم -بما يتضمن المنطقة العربية- إلى زيادة الاعتماد عليها من أجل تحسين نتائج الجراحات المختلفة للمرضى، وتسهيل إجراء هذه العمليات بالنسبة للجراحين. ومن المتوقع أن تشهد الأعوام القليلة القادمة مزيدا من التطورات الكبرى في هذا المجال.

شاركها.
Exit mobile version