لم تمر نسمات ليالي صيف 2022 هادئة على جمهورية الصين الشعبية بعد تعرض البلاد لأسوأ موجة حر شهدتها منذ 1961، والتي أدت لزيادة كبيرة في معدلات استهلاك الكهرباء لتكييف المباني، حيث وصلت درجات الحرارة إلى نحو 40 درجة مئوية.

وربما كانت الليالي الحارة وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة بسبب تضاعف الاستهلاك لمواجهة الارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة؛ سببا في انشغال الباحثين في جامعة سيتي في هونغ كونغ بتطوير مركب “السيراميك الأبيض” الذي أثبتت الدراسة التي عكف عليها باحثون قدرته على تحطيم الأرقام القياسية في تبريد المباني دون الحاجة إلى كميات هائلة من الطاقة.

وتوصلت الدراسة التي نُشرت في مجلة “العلوم” حديثا إلى أن تطوير السيراميك الخلوي يمكنه تحقيق تشتيت الضوء بكفاءة عالية، وهو مركّب من مادة تعرف بمادة التبريد الإشعاعي السلبي (PRC)، ويمكن أن تصل إلى نسبة انعكاسية شمسية شبه مثالية تصل إلى 99.6%، وهو رقم قياسي لهذا النوع من المواد. وبجانب ذلك فإنها سهلة الصنع ورخيصة نسبيا ومتينة ويمكن وضعه على سطح المبنى وجدرانه لإبقائه باردا من تلقاء نفسه.

 

موفر للطاقة

وتسببت الحرارة المرتفعة خلال ذروة صيف 2022 في الصين بزيادة استهلاك الكهرباء بنسبة 6.3% على أساس سنوي، حيث قفز الاستهلاك السكني بنسبة 26.8%، وفق إدارة الطاقة الوطنية الصينية.

وبحسب الدراسة فإن اللون الأبيض ومقاومة الطقس والمتانة الميكانيكية هي الميزات الرئيسية التي تضمن الطبيعة المتينة والمتعددة الاستخدامات لسيراميك التبريد، وبالتالي تسهيل تسويقه في مختلف التطبيقات، وخاصة تشييد المباني.

ويقول الفريق الذي يقف وراء تطوير سيراميك التبريد في بيان صحفي إن المادة قادرة على إزالة أكثر من 130 واطا من الطاقة الحرارية لكل متر مربع عندما تكون الشمس في أعلى مستوياتها، وهو ما يصل إلى تأثير تبريد كبير.

وطبقا للدراسة فإن مادة السيراميك الأبيض تستطيع التغلب على بعض المشكلات مع خيارات جمهورية الصين الشعبية الحالية، مثل ضعف مقاومة الطقس، و”يمكنه تحمل درجات حرارة أعلى من 1000 درجة مئوية (1832 درجة فهرنهايت)، وبحسب الباحثين فإن “لديها القدرة على العمل في المباني في جميع الظروف الجوية وفي جميع المناخات”.

كما يقلل من الحاجة إلى تشغيل مكيفات الهواء طوال اليوم، فببساطة عن طريق اختيار المواد المناسبة لأسطح البناء، يمكننا تقليل استخدام الطاقة والحرارة الداخلية بشكل كبير.

ويقول المهندس الميكانيكي تسو شي يان قائد فريق الباحثين من جامعة سيتي بهونغ كونغ: “تتمتع مادة السيراميك الأبيض بقدرة عالية على إرجاع ضوء الشمس والسماح للحرارة بالهروب، وكلاهما يساهم في التبريد السلبي”.

ويستخدم السيراميك بنية نانوية تحتوي على مسام مماثلة في الحجم للأطوال الموجية المختلفة لضوء الشمس، مما يعني أن كل ذلك تقريبا ينعكس مرة أخرى بدلاً من امتصاصه، حيث يحقق السيراميك انبعاثا حراريا مرتفعا للأشعة تحت الحمراء المتوسطة بنسبة 96.5%، مما يعني أن كل الحرارة المنبعثة من المبنى تقريبا يمكن أن تتسرب إلى الغلاف الجوي.

وفي حواره مع “الجزيرة نت” عبر البريد الإلكتروني، قال جوني لين الباحث في الدراسة وأستاذ الطاقة والبيئة بجامعة سيتي بهونغ كونغ: إن “تصنيع سيراميك التبريد يتضمن خطوتين رئيسيتين، عملية فصل الطور وعملية التلبيد”.

وفصل الطور هي عملية كيميائية تُستغل في تصنيع الأغشية الاصطناعية، وذلك عن طريق إزالة المذيب من محلول البوليمر السائل، وترك غشاء صلب مسامي.

أما عملية التلبيد فهي عملية تشكيل كتلة صلبة من المادة سواء الضغط أو الحرارة، وهى الطريقة المستخدمة في تصنيع السيراميك والمعادن والبلاستيك.

 

سهل التصنيع

وأضاف لين أن “عملية تصنيع سيراميك التبريد المقدمة في هذا العمل واضحة ومباشرة، حيث يمكن تنفيذ كل من عملية عكس الطور وعملية التلبيد باستخدام معدات متوافقة مع معايير الصناعة دون الحاجة إلى معالجة خاصة”، والإضافة إلى ذلك، لا تتطلب عملية التصنيع معدات دقيقة أو مواد باهظة الثمن، مما يجعل التصنيع القابل للتطوير لسيراميك التبريد أمرا ممكنا للغاية.

وأوضح لين أنه يمكن أن يكون سيراميك التبريد بمثابة “بدائل موفرة للطاقة مكان البلاط التجاري، حيث يمكن تصنيع سيراميك التبريد مسبقا في المصنع ومن ثم نقله إلى موقع البناء”.

وعن الصعوبات التي قد تواجه تنفيذ استخدام السيراميك الأبيض عمليا بشكل كامل، قال لين إن “الخصائص البصرية لسيراميك التبريد حُسّنت من أجل التبريد الفعال، وهذا يجعلها فعالة للغاية في تقليل الطلب على تبريد المساحات خاصة في المناخات الحارة، ومع ذلك فإن الطلب على التبريد يختلف بسبب الاختلافات المناخية الجغرافية والموسمية”.

وأوضح أنه قد يواجه سيراميك التبريد تحديات في توفير الفوائد في المناطق الباردة، ومع ذلك، “يقوم فريق البحث لدينا أيضا بتطوير مواد تبريد إشعاعية سلبية قادرة على تكييف قوة التبريد الخاصة بها بناء على درجات الحرارة المحلية، حيث يحمل هذا النهج المبتكر وعدا كبيرا أن يكون حلا للمناطق ذات متطلبات التبريد والتدفئة الديناميكية”.

شاركها.
Exit mobile version