بالتزامن مع الإعلان عن هدنة في قطاع غزة، أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، أن جيشهم صنع التاريخ في الأيام الأخيرة مع أول استخدام عملي لنظام الدفاع الصاروخي الليزري “الشعاع الحديدي” خلال الحرب.

وبينما عملت الآلة الإعلامية الإسرائيلية بمساندة صحف وقنوات أميركية، على تضخيم القدرات الفائقة لهذا النظام الدفاعي الصاروخي، قلل خبراء أميركيون وكنديون تحدثوا لـ”الجزيرة نت” من فعاليته، واستندوا في ذلك إلى العديد من الأسباب، أبرزها أنه سيفشل مثل نظام “القبة الحديدية” في اعتراض عدد كبير من الصواريخ التي تطلقها المقاومة في وقت واحد، وقالوا إنه أداة دعائية أكثر من كونه مساهمة حقيقية في القدرات الدفاعية الشاملة لجيش الاحتلال.

لماذا فشلت القبة الحديدية في التصدي للصواريخ الفلسطينية؟

الليزر الدفاعي.. تاريخ طويل

والحديث عن استخدام الليزر في الدفاع الصاروخي ليس بالأمر الجديد، ولكن ربما يكون الجديد فيه هو الاسم الدعائي “الشعاع الحديدي” الذي اختاره جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتاريخيا، بدأت فكرة توظيف الليزر في الأغراض الدفاعية في حقبة الستينيات إبان الحرب الباردة، وذلك عندما اكتشف الباحثون إمكانات الليزر كأسلحة ذات طاقة موجهة، ثم كانت السبعينيات هي فترة البحوث الأولية والدراسات النظرية التي نُفذت ضمن مبادرة الدفاع الإستراتيجي في عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان، والمعروفة أيضا باسم “حرب النجوم”. وحدث مزيد من التقدم في منتصف الثمانينيات عندما طُورت نماذج تجريبية لاستكشاف جدوى استخدام الليزر للدفاع الصاروخي، وشهدت هذه الفترة اختبار الليزر الكيميائي في المختبر والتجارب الأرضية الأولية.

ومع التقدم التكنولوجي في  تقنيات الليزر خلال التسعينيات، ركز الباحثون على تطوير أشعة ليزر أكثر إحكاما وكفاءة وقوة ومناسبة للتطبيقات الدفاعية، ثم سمحت التطورات التكنولوجية خلال العقد الأول من القرن الـ21 بتحسين التحكم في شعاع الليزر وكفاءة الطاقة وقدرات التتبع، وتوسعت الاختبارات لتشمل أنظمة الليزر المحمولة جوا والتطورات في قياس حجم الضرر الذي يُحدثه الليزر في مكونات الصواريخ.

وفي الـ13 عاما الأخيرة واصلت دول مختلفة -بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل- البحث واختبار أنظمة الدفاع المعتمدة على الليزر وطوال هذا المدة، وتركزت الدراسات والتجارب العلمية على تعزيز التقنيات، وتحسين أنظمة التتبع والاستهداف، ودراسة تأثيراته على المواد الصاروخية، ومعالجة التحديات العملية المرتبطة بنشر أنظمة الدفاع الصاروخي المعتمدة عليه.

آلية العمل

وتبلورت خلال هذه السنوات الطويلة من البحث والتطوير آلية عمل الليزر الدفاعي التي تتضمن ببساطة استخدام الليزر لاعتراض الصواريخ، وذلك عبر نشر شعاع مرتفع الطاقة لتدمير أو تعطيل التهديدات الصاروخية القادمة. وتعتمد هذه الطريقة على توجيه طاقة مركزة نحو الهدف، مما يؤدي إلى الإضرار بسلامته الهيكلية أو مكوناته الحيوية، وبالتالي جعله غير صالح للعمل أو تدميره كليا.

وتتضمن العملية عدة خطوات تشرحها العديد من الدراسات العلمية، وهي:

  • أولا: يقوم النظام أولا باكتشاف وتتبع الصواريخ القادمة أو التهديدات الأخرى، وذلك عبر استخدام أجهزة الاستشعار والرادار، وهذه المعلومات ضرورية للاستهداف الدقيق.
  • ثانيا: بمجرد تحديد التهديد وتتبعه، يقوم نظام الليزر بتوجيه الهدف وتثبيته، وتضمَن آليات التتبع المتطورة بقاء الليزر مركزا على الهدف المتحرك.
  • ثالثا: ينبعث بعد ذلك ليزر عالي الطاقة نحو الهدف، حيث يحمل شعاع الليزر طاقة مكثفة تركز على نقطة محددة على الصاروخ القادم.
  • رابعا: عندما يضرب شعاع الليزر الهدف فإنه يولد حرارة شديدة عند نقطة التأثير، ويمكن أن تؤدي هذه الحرارة إلى إتلاف أو تدمير المكونات المهمة للصاروخ، مما يؤدي إلى تعطله أو تفككه، وبالتالي يحدث تحييد التهديد عن طريق تعطيل مسار طيرانه، أو تفجير رأسه الحربي، أو التسبب بأضرار هيكلية كافية لجعله غير فعال.

شيطان التفاصيل يهدد الفعالية

ووفق هذه الخطوات، تبدو الآلية بسيطة وفعالة في تحقيق هدفها، ولكن -كما يقول أستاذ الهندسة والتكنولوجيا وسياسة الأمن القومي في برنامج العلوم والتكنولوجيا والمجتمع في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بأميركا ثيودور بوستول- فإن “الشيطان يكمن في التفاصيل”.

ففي حديث خاص مع “الجزيرة نت” عبر البريد الإلكتروني يرى بوستول أن “نظام الشعاع الحديدي يحتوي على ليزر قوي بقدرة 100 كيلووات، لكن رغم قوته سيكون من الصعب عليه تدمير أشياء مثل صواريخ المدفعية التي تتميز ببنيتها القوية جدا”.

ويستند بريستول في توضيحه لأسباب الإخفاق المتوقع في هذه المهمة إلى أن شعاع الليزر في هذا النظام الدفاعي يركز على بقعة صغيرة جدا بالصاروخ المستهدف، ويقوم بتغيير تركيز واتجاه الشعاع اعتمادا على المدى الذي يأتي منه الهدف، وقد يكون التقدير تقريبيا جدا. ويمكن إحداث “بقعة مضيئة” مساحتها ما بين 1 و2 سم على هدف يأتي من مدى 5 كلم، وهذا كاف لإحداث ثقب في غلاف محرك الصاروخ عندما تركيز الشعاع على البقعة لثانية أو ثانيتين.

ويستطرد: “لكن الحفاظ على استقرار الشعاع في مكان واحد أثناء محاولة إضاءة منطقة صغيرة على صاروخ متسارع على مسافة 5 كيلومترات، يعد إنجازا تقنيا صعبا للغاية، وأعتقد أن الوقت الذي يحتاجه نظام (الشعاع الحديدي) للتركيز على صاروخ متسارع يمكن أن يكون عدة ثوانٍ، مما يقلل بشكل كبير من قدراته صد صواريخ المدفعية القصيرة المدى، والتي عادة ما يكون وقت طيرانها بحدود ثانيتين”.

ويضيف: “هناك مشكلة أخرى مهمة سيواجهها الشعاع الحديدي، وهي أن الغبار والدخان الموجود في الهواء سيقلل من كثافة وتركيز الليزر، وهذه العوامل ستحد من قدرته على التعامل مع الصواريخ من غزة”.

ويرى بريستول أيضا أنه لن يكون فعالا مع “الطائرات من دون طيار” رغم أنها ليست بقوة الصواريخ. ويوضح: “الطائرات من دون طيار تكون هشة للغاية بالنسبة لتأثير التسخين بالليزر الذي يحدثه النظام، ولكن كما حدث في نظام القبة الحديدية، ستكمن المشكلة في أن الأمر سيستغرق بعض الوقت (ربما ثانية أو اثنتين أو أكثر) حتى يحدد النظام أنه دمر طائرة من دون طيار، ويستغرق الأمر بعد ذلك ثانية أو ثانيتين للحصول على هدف جديد، وقد لا يبدو هذا وقتا طويلاً، ولكن إذا كنت تحاول التعامل مع هجوم يتضمن عشرات أو مئات الطائرات من دون طيار، فقد يكون نظام الشعاع الحديدي غير فعال، كما يدعي المروجون له”.

استهداف جنود الطائرات الشراعية

وربما تكون الفعالية الوحيدة لهذا النظام، وفقا لما يراه أستاذ الهندسة والتكنولوجيا وسياسة الأمن القومي في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، هي استهداف الجنود الذين يستخدمون طائرات شراعية تعمل بالطاقة من النوع الذي استخدم في هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وستكون مثل هذه “الأهداف” معرضة جدا للتسخين عند المستويات التي يمكن توليدها بواسطة نظام ليزر الشعاع الحديدي، وستكون النتائج هي إحداث حروق مرعبة ومميتة جدا.

وعلى ذلك، يخلص بريستول إلى أن “الشعاع الحديدي سيلعب دورا صغيرا لفائدة الدفاعات الإسرائيلية، ولن يؤدي إلى تعزيز القبة الحديدية بشكل كبير، فهو نظام غير فعال على الإطلاق، كما أنه لن يعزز دفاعات إسرائيل الشاملة ضد الهجمات الصاروخية، لأنها لن تكون قادرة على التصدي بشكل موثوق للصواريخ التي يتم إطلاقها من داخل غزة، على افتراض أن هناك قصفا ينتج عنه كميات كبيرة من الغبار والسحب قرب الأرض”.

وأضاف: “على هذا النحو، فإن الشعاع الحديدي هو أداة دعائية أكثر من كونه مساهمة حقيقية في القدرات الدفاعية الشاملة لإسرائيل”.

بضعة دولارات مقابل مبالع طائلة

ويتفق الأستاذ المشارك في بحوث العمليات بجامعة بروك الكندية مايكل أرمسترونغ مع ما ذهب إليه بريستول من أن الليزر ليس مثاليا في الاستهداف، ويقول في حديث مع “الجزيرة نت” عبر البريد الإلكتروني: “تحتاج الأنظمة القائمة عليه إلى التركيز لمدة لا تقل عن بضع ثوانٍ لكل هدف، لتسخينه بما يكفي ولجعله يشتعل أو ينفجر؛ لذلك يمكن أن يُربكهم إطلاق عدد كبير جدا من الصواريخ في الوقت نفسه (أي دفعة واحدة)، تماما مثل القبة الحديدية، كما أن فعالية الليزر تعتمد أيضا على شفافية الهواء، فالأمطار والسحب تشتت أشعة الليزر وتجعلها غير فعالة”.

وانطلاقا من هذه الإشكاليات، يعتقد أرمسترونغ أن “المهاجمين الذي يعلمون أن الطرف الآخر يمتلك هذا النظام الدفاعي، يمكنهم إطلاق الصواريخ بكميات كبيرة، كما يمكنهم إطلاقها أثناء الأحوال الجوية السيئة مثل عاصفة ممطرة، أو يمكنهم نشر حواجز من الدخان لمنع أشعة الليزر، ويستطيعون أيضا استخدام بعض التدابير المضادة مثل الأسطح العاكسة التي يتم دهان الصاروخ بها لتحويل نظام الليزر أو إرباكه”.

ومع هذه التحديات يرى أرمسترونغ أن الشعاع الحديدي لن يقدم ميزة إضافية تجعله أكثر فعالية من القبة الحديدية، ولكن الاختلاف الوحيد يكمن في التكلفة.

ويقول: “تحتوي القبة الحديدية على 20 صاروخا اعتراضيا من طراز تامير، والتي تكلف ما بين 30 ألفا و100 ألف دولار أميركي لكل صاروخ (السعر الفعلي غير معلن)، وعلى النقيض من ذلك، يستخدم نظام الشعاع الحديدي الليزر، والذي تكون قيمته بضعة دولارات فقط هي تكلفة الكهرباء المستهلكة في كل اعتراض، ولن تنفد هذه الآلية الاعتراضية طالما كان هناك مصدر طاقة”.

دعم أميركي

وحتى ميزة التشغيل المنخفضة، فإن هناك تقارير تقلل منها بالإشارة إلى كلفة إنشاء النظام المرتفعة وصيانته الدورية.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد أعلنت عن تخصيص 1.2 مليار دولار لدعم إنشاء النظام في إسرائيل، مبررة ذلك بأن “نجاح الإسرائيليين في تشغيله بكفاءة سيكون شيئا يمكن للجيش الأميركي أن يفكر في الاستفادة منه”.

ويعمل الجيش الأميركي على تطوير ليزر عالي الطاقة خاص به كجزء من قدراته الدفاعية، غير أن رئيس الاستحواذ في الجيش الأمريكي دوج بوش قال في تصريحات صحفية: إن “النظام الإسرائيلي يمثل نهجاً مختلفاً بعض الشيء، حيث ذهبوا إلى مستوى مختلف قليلا من الناحية التكنولوجية، لذا فهو مكمّل لما حققناه، لأننا نسير في طريق واحدة، وإذا كان نظامهم يعمل بشكل جيد، فمن الممكن أن نفكر في الاستفادة منه”.

وتعمل إسرائيل على تطوير هذا النظام منذ أكثر من عقد من الزمان، وفي أبريل/نيسان 2022، أعلنت أن نموذجا أوليا لنظام ليزر الشعاع الحديدي نجح في إسقاط طائرات من دون طيار وصواريخ كروز وصواريخ وقذائف هاون خلال الاختبارات العسكرية في صحراء النقب. وفي صيف 2023، أعلنت الحكومة أنه سيُنشر النظام الأول للاستخدام الحقيقي في وقت ما في عام 2024، على أن يتبعه المزيد من الأنظمة في عام 2025، ولكن الحرب في غزة ساعدت على التسريع في استخدامه، كما أدعت وسائل إعلام إسرائيلية.

ويشكك الباحث بمركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد الأميركية بافل بودفيغ في أن يكون هناك استخدام فعلي لهذا النظام في الحرب بغزة، وقال في تعليق مقتصب لـ”الجزيرة نت” عبر البريد الإلكتروني: “إذا كان هناك شيء من هذا القبيل، فهو لا يزال في مرحلة التطوير وبعيد جدا عن الاختبار أو النشر، وتقديري أن استخدام الليزر ضد الصواريخ القادمة ليس بالضرورة أكثر كفاءة، ومن الصعب جدا جعل نظام مثل هذا يعمل بكفاءة”.

شاركها.
Exit mobile version