تقنية تعود جذورها إلى العصر البرونزي قد تكون مفتاحا للتحول السريع نحو الطاقة النظيفة بأقل تكلفة، وفقا لدراسة حديثة منشورة بدورية “بي إن إيه إس نيكسوس” في 10 يوليو 2024، قادها فريق من جامعة ستانفورد الأميركية.

ويعتقد الباحثون أن هذه التقنية قد تساهم في تحقيق هدف الأمم المتحدة للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، وتتلخص في استخدام “الطوب الحراري” لتخزين الحرارة.

يصنع الطوب الحراري من مواد بسيطة ومستدامة مشابهة للطوب العازل الذي كان يُستخدم في الأفران القديمة وأفران الحديد منذ آلاف السنين، ويقول مارك جاكوبسون، أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في جامعة ستانفورد والباحث الرئيسي بالدراسة في تصريحات لـ”الجزيرة نت”، “إن المواد الكيميائية الموجودة في الطوب الحراري هي  المواد الكيميائية نفسها الموجودة في الطين والرمل، مما يجعله خيارا مستداما وآمنا بيئيا للإنتاج واسع النطاق”.

وأضاف جاكوبسون “الفرق بين تخزين الطوب الحراري وتخزين البطاريات هو أن الطوب يخزن الحرارة بدلا من الكهرباء، وهو أقل تكلفة بعشر مرات من البطاريات”. ويتوقع جاكوبسون أن النظام الحراري يمكن أن يلغي الحاجة إلى الأفران التقليدية، حيث يُمكن تسخين الطوب مباشرة باستخدام الكهرباء، مما يسهم في خفض التكاليف بشكل كبير، وهو ما يجعله خيارا جذابا للشركات الصناعية.

كيف يعمل الطوب الحراري؟

تعتمد التكنولوجيا على تجميع الطوب الحراري في حاوية معزولة، حيث يتم تخزين الحرارة الناتجة عن كهرباء مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، ويمكن استخدام هذه الطاقة الحرارية لاحقا في العمليات الصناعية عند الحاجة، حتى عندما تغيب أشعة الشمس أو تتوقف الرياح، حيث تنطلق الطاقة الحرارية عبر تمرير الهواء خلال قنوات في الطوب، مما يسمح لمنشآت الإنتاج مثل مصانع الأسمنت والصلب والزجاج بالعمل على طاقة متجددة بشكل مستمر.

تضمنت دراسة جاكوبسون وفريقه نماذج حاسوبية لاستشراف مستقبل الطاقات المتجددة في 149 دولة، ووجدت أن استخدام الطوب الحراري قد يقلل تكاليف رأس المال بحوالي 1.27 تريليون دولار، مقارنة بالحلول التي تعتمد بالكامل على البطاريات، كما يمكن أن يقلل هذا النظام من الطلب على الطاقة من الشبكة والحاجة لتخزين الكهرباء، مما يساهم في تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بشكل أسرع.

وأوضح جاكوبسون “يوفر الطوب الحراري حوالي 90% من الحرارة المطلوبة للعمليات الصناعية، خاصة للحرارة العالية التي تتراوح بين 150 إلى 2000 درجة مئوية، ما يجعله الخيار الأمثل للعديد من التطبيقات الصناعية”. وأضاف “الحرارة الشمسية، على الرغم من أنها متاحة فقط خلال النهار، فإنها يمكن أن تدعم بعض التطبيقات”.

استخدم الطوب الناري في العصر البرونزي، قرابة 3300 قبل الميلاد إلى 1200 قبل الميلاد (ويكيبيديا)

دعم التحول إلى الطاقة المتجددة

ورغم الفوائد المتعددة، يشير جاكوبسون في تصريحه لـ”الجزيرة نت” إلى تحديات تواجه تبني هذه التكنولوجيا، موضحا “إن المصانع القائمة التي استثمرت في بنيتها التحتية قد لا تكون متحمسة لتحويل أنظمتها بسهولة”. لكنه أكد أن المجمعات الصناعية الجديدة أو تلك التي تحتاج إلى تحديث معداتها ستكون أكثر استعدادا لاعتماد الطوب الحراري، كما دعا إلى ضرورة تبني سياسات ومحفزات حكومية لتسريع التحول نحو هذه التقنية.

ويمكن لهذه التقنية أن تكون جزءا من خطط أوسع للتحول إلى الطاقة المتجددة بشكل كامل، ويقول جاكوبسون “لقد قمنا بتطوير خطط للدول والمدن للانتقال إلى طاقة نظيفة بنسبة 100%، ونستمر في تحديث هذه الخطط مع ظهور تقنيات جديدة”، ويُبرز جاكوبسون أهمية الطوب الحراري في حل مشكلات تذبذب إمدادات الطاقة المتجددة، قائلا “يمكن تسخين الطوب الحراري عند توفر الكهرباء من المصادر المتجددة، وبالتالي يمكن تخزين الحرارة واستخدامها في وقت الحاجة، مما يحل مشكلة التذبذب في الإنتاج المتجدد”.

تعتبر تقنية الطوب الحراري مثالا على كيفية توظيف حلول قديمة بطرق جديدة لتحقيق أهداف بيئية واقتصادية، وفي ظل الحاجة الملحة إلى التحول نحو طاقة نظيفة ومستدامة ومواجهة العواقب المناخية القاسية، يقدم هذا الطوب فرصة فريدة لخفض التكاليف، وتوفير حلول تخزين حراري للصناعات الكبيرة، ومع الدعم الحكومي المناسب، يمكن أن تكون هذه التقنية جزءا أساسيا من الإستراتيجية العالمية لتحقيق مستقبل خالٍ من الانبعاثات.

شاركها.
Exit mobile version