بينما كشفت دراسات سابقة عن تقييم محتوى الأغذية في المطبخ الجزائري من عناصر شهيرة مثل الفيتامينات والبروتينات وغيرها، فإن تقييم محتواها من العناصر النزرة، ظل يمثل فجوة بحثية، إلى أن نجح فريق بحثي من مؤسسات بحثية جزائرية عدة، ولأول مرة، في المساعدة على ملئها، عبر دراسة نشرتها دورية “جورنال أوف فوود كومبوسيشن آند أنالسيس”.

و”العناصر النزرة”، تحتاجها الكائنات الحية، بما في ذلك البشر، بكميات صغيرة جدا، بحيث إذا زاد ما يدخل إلى الجسم عن تلك الكميات يكون هناك ضرر، وإذا كان ما يحصل عليه في المعدلات المطلوبة يكون له أدور حاسمة في الحفاظ على الصحة وتسهيل العمليات الكيميائية الحيوية الأساسية، ودعم الوظائف الحيوية مثل نشاط الإنزيمات، وإنتاج الهرمونات، والاستجابة المناعية، وصيانة بنية الخلية.

اختبار 5 عناصر نزرة

واختبر الفريق البحثي، الذي يضم عادل بن عرفة، من حدة البحث في النباتات الطبية بولاية الأغواط التابعة لمركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة، ومحمد مسعودي من مركز البحث النووي في بيرين، تركيز 5 من هذه العناصر، وهي الكروم والكوبالت والحديد والروبيديوم والزنك، في 12 من الأطعمة المستهلكة بشكل شائع في المطبخ الجزائري، وهي الخبز والدقيق والمعكرونة والفاصوليا والعدس والطماطم والكوسة والبيض ولحم البقر وسمك السردين وسمك القد وسمك البوري الأحمر.

وحصل الباحثون على جميع المواد الغذائية في شكلها الخام، من سوق محلي في ولاية سطيف الجزائرية، في حين تم جمع 3 إلى 5 عينات على فترات لبضعة أيام، حتى تكون العينات التي يتم فحصها معبرة قدر الإمكان، ثم تم تحليل محتواها من العناصر الخمسة النزرة، باستخدام تقنية “تحليل التنشيط النيوتروني الآلي”، وهي طريقة دقيقة وغير مدمرة، ويتم تنفيذها عن طريق تشعيع عينات الطعام بالنيوترونات، مما يتسبب في تكوين نظائر مشعة للعناصر داخل العينة، وتصدر هذه النظائر أشعة جاما، التي يمكن قياسها بعد ذلك لتحديد تركيز كل عنصر.

وكانت نتائج فريق البحث مطمئنة فيما يتعلق بوجود العناصر النزرة في الأطعمة الجزائرية المستهلكة بشكل شائع. ومع ذلك، أكدت الدراسة أهمية الاعتدال في تناول بعض الأطعمة بسبب تركيزاتها المتفاوتة من عناصر معينة.

وسلطت الدراسة الضوء على لحم البقر، الذي يحتوي على أعلى تركيز من الكروم (4.02 مليغرامات/كيلوغرام) والروبيديوم (9.41 مليغرامات/كيلوغرام)، ووجد أن البوري الأحمر غني بشكل خاص بالزنك (268 مليغراما/كيلوغرام)، في حين تميزت العدس بمحتواها العالي من الحديد (151 مليغراما/كيلوغرام)، كما أظهرت الكوسة مستويات مرتفعة من الكروم (2.17 مليغرام/كيلوغرام) والروبيديوم (6.38 مليغرامات/كيلوغرام).

ويقول عادل بن عرفة، الباحث الرئيسي بالدراسة للجزيرة نت: “رسالتنا الأساسية هي الاعتدال في تناول الأطعمة، فرغم أنها توفر في الغالب مستويات كافية من العناصر الغذائية الأساسية، ولكن قد تكون هناك مخاطر مرتبطة بالإفراط في استهلاك عناصر معينة، إذا لم تتم مراقبة مستويات المدخول”.

والحديد كأحد العناصر، ضروري لإنتاج خلايا الدم الحمراء، والزنك يدعم وظيفة المناعة، والكروم يساعد في تنظيم عملية التمثيل الغذائي، ويقدم الملف الغذائي المتنوع للمطبخ الجزائري، الغني بالبقوليات والخضروات والأسماك، مزيجا متوازنا من هذه العناصر، مما يدعم الصحة العامة والرفاهية، ولكن يجب التأكيد على الاستهلاك المعتدل، كما يؤكد بن عرفة.

ويضيف أنه “بالنظر إلى اعتماد الجزائريين على هذه المواد الغذائية، وخاصة خلال الأشهر الأكثر برودة من أكتوبر/تشرين الأول إلى مارس/آذار عندما يتم استهلاك الأطباق التقليدية المصنوعة من العدس والفاصوليا والمعكرونة بشكل متكرر، فإنه يجب التأكيد على التوصية بالاعتدال في الاستهلاك التي خرجت بها دراستهم، لتجنب أضرار الاستهلاك المفرط للعناصر النزرة”.

ويتسبب الزنك على سبيل المثال، عند زيادة معدلة عن الاحتياج الطبيعي للجسم في مشاكل مثل الغثيان وفقدان الشهية وحتى قمع المناعة، أما الكروم الزائد فيصيب الكلى والكبد بمشاكل صحية، بينما الروبيديوم، الذي ليس له دور بيولوجي راسخ في جسم الإنسان، فتكون نتيجة الإفراط في تناوله، أعراضا عصبية مثل النعاس أو الرعشة أو التخدير ومشاكل في القلب، لذلك فإن نتائج الدراسة غير المسبوقة، تسلط الضوء على أهمية مراقبة وفهم المحتوى الغذائي للأطعمة اليومية، لضمان حصول السكان على العناصر الغذائية اللازمة للصحة المثلى، كما يوضح بن عرفة.

chicken and confit citrus tajine

الدراسات البشرية

وتعد هذه الدراسة “غير المسبوقة” مقدمة لدراسات أخرى سيعمل عليها الفريق البحثي، ومنها دراسة يتم الإعداد لها حول عنصر “الزرنيخ” في الأطعمة الجزائرية.

والزرنيخ من العناصر النزرة، ولكن تصنيفه مثير للجدل إلى حد ما، وفي حين يتم تعريف تلك العناصر عادة على أنها معادن أو فلزات تحتاجها الكائنات الحية بكميات صغيرة جدا للوظائف الفسيولوجية الطبيعية، فإن الزرنيخ ليس له دور أساسي راسخ في علم الأحياء البشري، وهو معروف بخصائصه السامة وليس بأي آثار مفيدة.

ويقول بن عرفة: “عانت الصين قريبا من زيادة محتواه في بعض أطعمة المطعم الصيني ببعض المدن، ونريد أن نتأكد من أن مستوياته بالمطبخ الجزائري ضمن المعدلات الآمنة، التي توصي بها المنظمات الدولية”.

ووضعت بلدان ومنظمات مختلفة، مثل إدارة الغذاء والدواء الأميركية وهيئة سلامة الأغذية الأوروبية، إرشادات للمستويات المسموح بها من الزرنيخ في بعض المنتجات الغذائية، وخاصة الأرز وعصائر الفاكهة، التي قد تحتوي على تركيزات أعلى بسبب التلوث البيئي.

وحددت إدارة الغذاء والدواء، على سبيل المثال، حدا أقصى يبلغ 100 جزء في المليار للزرنيخ في عصير التفاح، و200 جزء في المليار لأنواع معينة من الأرز.

بالإضافة لذلك، يخطط بن عرفة وأعضاء الفريق البحثي، لدراسة أخرى تتضمن فحص مستويات جميع العناصر النزرة في عينات من الأظافر والشعر البشري، لاختبار مدى توفرها في الجسم ضمن المعدلات المقبولة.

شاركها.
Exit mobile version