اكتشف فريق من علماء الآثار قرية أثرية في شمال غرب شبه الجزيرة العربية، وتحديدا في واحة خيبر التي تحيط بها صحراء شاسعة، وسميت “النطاة”، وتم تقدير عمرها بنحو 4 آلاف عام.

وفي دراسة منشورة في دورية “بلوس وان” -التي أشرف عليها باحثون سعوديون وفرنسيون- تكشف الدراسة عن مفاجآت حول حياة العرب في العصور القديمة، وتسلط الضوء على التحولات الحضرية التي كانت تمر بها المنطقة خلال العصر البرونزي المبكر.

كيف يساعد العلم في التنقيب عن الآثار؟

تعد التحديات التي واجهها علماء الآثار في دراسة موقع القرية كبيرة، وتضاهي في صعوبتها التحصينات البازلتية المحيطة بالموقع، فقد كانت البلدة مغطاة بصخور بركانية سوداء منحتها حماية طبيعية من عوامل الزمن وصدّت عنها لصوص الآثار، كما لم يتمكن الفريق البحثي من اكتشاف مسارات وأساسات القرية إلا باستخدام تقنية المسح عن بعد.

وتعد هذه التقنية حاسمة في كشف العديد من المواقع الأثرية، إذ اعتمد الباحثون على التصوير الجوي عالي الدقة لرصد المعالم المخفية تحت أكوام الصخور البازلتية السوداء والتي يصعب اكتشافها من الأرض.

وباستخدام الطائرات المسيّرة والتصوير الفوتوغرافي بدقة تصل إلى 1.5 سنتيمتر لكل بكسل تمكن الفريق من وضع خريطة مفصلة للموقع ساعدته في تحديد مواقع الحفر بدقة كبيرة.

ومكّن هذا المنظور الجوي -إلى جانب العمل الميداني الدقيق- أعضاء الفريق البحثي من تحديد مواقع الحفر بشكل جيد، ومع بدء عمليات التنقيب اكتشفوا أن الأساسات الحجرية كانت قوية بما يكفي لدعم مبانٍ متعددة الطوابق، مما يشير إلى مجتمع أتقن تقنيات معمارية متقدمة تلائم الحياة المستقرة والدائمة.

وقد كشفت الحفريات الأولية عن أسلحة معدنية، مثل الفؤوس والخناجر، وأحجار زينة من العقيق وفخار بسيط وأنيق، مما يعكس صورة مجتمع كان يتمتع بوسائل دفاع متطورة ويميل إلى الفن والزينة.

وإلى جانب هذا المسح قدمت 8 عمليات دراسة ميدانية معلومات قيمة عن نوع وتسلسل تطور الموقع (المساكن والشوارع والأسوار).

ويعد العمل الجاري في القرية الأثرية جزءا من مشروع خيبر الأثري طويل الأمد الذي انطلق في عام 2020، وقد وثق الباحثون نحو 20 ألف معلم أثري في منطقة الواحة، مستخدمين أحدث تقنيات الاستشعار عن بعد ومنهجيات العمل الميداني المنظمة رغم صعوبة البيئة بسبب طبيعة الحجارة البازلتية القاسية التي تعيق رسم المخططات المعمارية بسهولة.

استقرار بين سفوح الجبال البركانية

يُنظر إلى قرية النطاة على أنها كانت موطنا لنحو 500 نسمة قبل نحو 2400 سنة قبل الميلاد، وتتميز بموقعها الإستراتيجي ضمن واحة خيبر الخصبة.

وعلى خلاف الاعتقاد السائد الذي يتناول حال العرب قديما في شبه الجزيرة العربية فإن هذا الاكتشاف والاكتشافات الأخرى خلال الـ15 سنة الأخيرة تقدم تصورا مغايرا للحياة النمطية للعرب البادية التي يتخللها الكثير من الترحال والتنقل.

ويؤكد الباحثون أن الفترة التي أُسست فيها القرية قد تزامنت مع فترة ازدهار العمران والحياة الحضرية في مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط في بداية العصر البرونزي.

وتبلغ مساحة قرية النطاة الأثرية نحو 26 ألف متر مربع، وتضم قرابة 50 منزلا مشيدا على تلة مرتفعة بين الأراضي الخصبة لواحة خيبر التي تحيط بها الجبال البركانية، كما أن القرية يمر بجانبها جدار ضخم يبلغ طوله 14.5 كيلومترا، ويعتقد الباحثون أن المدينة قد هُجرت بعد نحو ألف عام، لكن السبب وراء هذا الترحيل لا يزال مجهولا.

وتعزى هذه الجهود البحثية الكبيرة إلى الاكتشاف الأثري السابق في واحة تيماء المجاورة، مما شجع علماء الآثار على تكثيف عمليات البحث لاستكشاف واحات ومواقع أثرية مشابهة.

ويرى الباحثون أن القرية مثل الواحات المجاورة لها كانت تمثل نقطة حيوية على طرق التجارة القديمة التي تربط بين بلاد الشام واليمن.

شاركها.
Exit mobile version