في الطبيعة تستطيع بعض أنواع البكتيريا العيش في ظروف قاسية داخل بعض الينابيع المائية الشديدة الحرارة، وفي جليد القارة القطبية الجنوبية الذي تصل درجة حرارته إلى ما دون الصفر، وفي بعض المناطق التي تتعرض فيها لضغط هائل من القشرة الأرضية. ولكن هذا الأمر قد يحدث أيضا في بعض الأجهزة المنزلية مثل الميكروويف.

في دراسة نشرت في مجلة فرونتريس في الثامن من أغسطس/آب الجاري، استكشف فيها باحثون من جامعة فالنسيا الإسبانية أنواع المجتمعات البكتيرية في أفران الميكروويف، والتي اكتشف الباحثون أنها شبيهة بالبكتيريا الموجودة على الجلد البشري، ورصدت الدراسة أنها تشبه أيضا البكتيريا الموجودة على أسطح المطبخ. ورغم أن هذه البكتيريا من الأنواع التي لا تمثل خطرا كبيرا على الإنسان، فإن بعضها قد يسبب ضررا عند انتقالها للطعام.

مجموعات بكتيرية

كثير من الأجهزة الاصطناعية المستخدمة يوميا في حياتنا لها بيئة ميكروبية خاصة بها. أزرار المصاعد والأجهزة الإلكترونية الصغيرة، وآلات القهوة وغسالات الصحون، كلها أجهزة تحتوي بيئة ميكروبية خاصة بها، ولكن ما يميز البيئة الميكروبية للميكروييف تكيّفها مع درجات الحرارة والإشعاع والجفاف داخل الميكروويف.

يعمل الميكروويف عن طريق تسليط موجات كهرومغناطيسية على الطعام، حيث يؤدي ذلك إلى توليد حرارة عالية مميتة لمعظم الكائنات الحية الدقيقة، مثل الإشريكية القولونية والمكورات العنقودية الذهبية والسالمونيلا وغيرها، ولكنْ هناك أنواع أخرى من البكتيريا يمكنها العيش بهذه الظروف.

وتوضح الدراسة أهمية التنظيف المنتظم للميكروويف باستخدام المطهرات المناسبة للتخفيف من المخاطر الصحية المحتملة.

وبحسب الدراسة، كانت المجموعات المهيمنة على فئات البكتيريا المرصودة في أفران الميكروويف هي البروتيوباكتيريا والفيرميكيوتس والأكتينوبكتيريا والباكتيرويدات.

لا يوجد خطر لكن يجب الحذر

في تصريح للجزيرة نت، ذكر أستاذ الميكروبيولوجي بكلية الصيدلة بجامعة بني سويف الدكتور وليد بكير أن “هذه البكتيريا الواردة بالدراسة والتي تتعايش داخل الميكروويف لا تمثل خطرا كبيرا على الإنسان، وليست من الميكروبات الشائعة اللي تتسبب أمراضا للبشر بعكس الوبائيات الخطيرة التي تمثل خطرا داهما مثل الكوليرا والدفتيريا والطاعون”.

ويضيف بكير أن هذه البكتيريا المتعايشة داخل الميكروويف “من الميكروبات الانتهازية التي تمثل خطرا فقط على الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة ولكن ليس كل البشر، خاصة أن تكيف هذه البكتيريا مع الحرارة المرتفعة والجفاف قد يجعلها أكثر عدائية ضد الإنسان، ولكنها غالبا ليست من الممرضات الشائعة التي تسبب الوفاة”.

وتقول أستاذة الميكروبيولوجي المساعدة بكلية العلوم بجامعة حلوان الدكتورة جيهان زغلول، في تصريح للجزيرة نت، إن أنواع البكتيريا الواردة بالدراسة مشابهة للأنواع الموجودة علي جلد الإنسان، وهي أنواع غير ضارة على الإطلاق وليس لها أي أثر سلبي على صحة الإنسان وطعامه.

ونظرا لوجودها في بيئة أفران الميكروويف، فإنها تتعرض لعدد من العوامل مثل درجات الحرارة والإشعاع في عدد من المرات للتشغيل، مما يؤدي إلى طفرات جينية تؤهلها لمقاومة هذه العوامل.

وأضافت جيهان زغلول “يمكن الاستفادة من هذه الأنواع المتكيفة في تطبيقات تكنولوجية أخرى وذلك لقدرتها على مقاومة الإشعاع والحرارة”، وتوصي زغلول في هذا السياق بتنظيف أجهزة الميكروويف وتعقيمها باستمرار ويوميا من أجل صحة وسلامة الإنسان والغذاء.

يمكن الاستفادة من هذه الأنواع المتكيفة في تطبيقات تكنولوجية اخري وذلك لقدرتها على مقاومة الإشعاع والحرارة (بيكسابي)

لِم هذا التنوع الميكروبي داخل الميكروويف؟

في الدراسة الجديدة، تعرّف الباحثون على التركيب البكتيري لـ30 ميكروويفا، منها ما هو منزلي ومنها التي يشترك في استخدامها العديد من الأفراد سواء في المنزل أو المكتب، ومنها ما هو للاستخدام المعملي. وساعدهم ذلك على استكشاف التركيب البكتيري لكل نوع ميكروويف بناءً على أنماط الاستخدام المختلف.

واستخدمت في هذه الدراسة تقنية تسلسل الحمض النووي للجيل التالي للتعرف على أنواع البكتيريا المتعايشة داخل الميكروويف، وهي طريقة علمية دقيقة تستخدم لتحديد أنواع البكتيريا.

وكشفت النتائج أن الاختلاف في التركيب الميكروبي بين أنواع الميكروويف المنزلية والمختبرية يرجع للتفاعل المعقد الذي يحدث نتيجة ثلاثة مؤثرات تعمل على تشكيل تركيبة البكتيريا داخل الميكروويف، وهي: التعرض لإشعاع الموجات الدقيقة، والتفاعلات الغذائية مع الطعام داخل الميكروويف، وعادات المستخدم.

وبسبب تكيف هذه البكتيريا مع الطبيعة القاسية داخل الميكروويف، يمكن أن يكون لها تطبيقات تكنولوجية حيوية، فهي تعتبر مصدرًا للمركبات الأيضية الثانوية الجديدة، ويمكن استخدامها في المعالجة البيولوجية للنفايات السامة.

شاركها.
Exit mobile version