رغم أن العلماء يرجحون أن سبب انقراض الديناصورات قبل نحو 66 مليون سنة كان بالأساس سقوط مذنب أو كويكب بقُطر حوالي 10 كيلومترات في شبه جزيرة يوكاتان بالمكسيك، وهو ما بات يعرف الآن باسم فوهة تشيكسولوب، فإن التفاصيل الدقيقة لهذه الحادثة ما زالت مبهمة، لأن سقوط الجرم نفسه لا يمكن أن يكون السبب الوحيد في حالة الانقراض الجماعي تلك.
تغير مناخي هائل
ولإماطة اللثام عن ذلك اللغز، تمكن فريق بحثي بقيادة علماء من الجامعة الحرة في بروكسل من الكشف عن أن الغبار الناعم الناتج عن سحق الصخور أثناء الاصطدام لعب دورا رئيسيا في تبريد المناخ لمدة وصلت إلى 15 سنة متتالية.
وبحسب الدراسة التي نشرها هذا الفريق في دورية “نيتشر جيوساينس”، فإن ذلك بالتبعية عطّل عمليات الحياة الأساسية مثل التمثيل الضوئي لمدة عامين متتاليين، مما أدى إلى فقدان كم كبير من النباتات التي تمثل الغذاء لقطاع واسع من الحيوانات، والتي تمثل بدورها غذاء للعديد من الحيوانات اللاحمة، ومن ثم انهارت السلسلة الغذائية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تغير المناخ الحاصل نفسه (حيث انخفضت متوسطات درجات الحرارة بمعدل وصل إلى 15 درجة مئوية) أثر دون شك في الكائنات الحية التي عاشت في تلك الفترة، فليس من السهولة بمكان على حيوان أو نبات ما أن يتكيف مع قفزة مناخية بهذا الحجم.
غبار السيليكات
وللتوصل إلى تلك النتائج، قام هذا الفريق بالبحث في حجم حبيبات الغبار -الناتج عن سقوط الجرم- من موقع جيولوجي في ولاية داكوتا الشمالية بالولايات المتحدة، ثم باستخدام تحليل حيود الليزر في جامعة فريجي بأمستردام حيث قام الباحثون بدراسة الخصائص الفيزيائية لتلك الحبيبات.
وأظهرت النتائج أن أحجام الحبيبات أدق بكثير مما سبق استخدامه في النماذج المناخية، وبالتبعية كان من المرجح بشكل أكبر أن تتطاير في الهواء بكثافة أكبر من تصورات العلماء في وقت سابق.
وبناء على تلك النتائج قام الباحثون بعمل محاكاة حاسوبية تتنبأ بشكل البيئة قبل نحو 66 مليون سنة، ليتبين لهم أن غبار السيليكات الضئيل (في نطاق الميكرومتر وهو جزء من مليون من المتر) ربما بقي في الغلاف الجوي لمدة تصل إلى 15 عاما بعد الاصطدام، مما ساهم في تبريد الكوكب بالمعدلات السالف ذكرها.
وبذلك تختلف الدراسة الجديدة مع الرأي العلمي السابق الذي يقول إن غاز الكبريت المنبعث أثناء الاصطدام والسخام الناتج عن حرائق الغابات اللاحقة كانت فقط المحفزات الرئيسية للشتاء النووي الذي قضى على نسبة كبيرة مما تبقى من أشكال الحياة.
محاولات للفهم
وتضيف الدراسة الجديدة سببا منطقيا لما حصل من انقراض، وفي هذا السياق فإن العديد من الفرق البحثية لا تزال تبحث عن أسباب أخرى لتفسير الحادثة. فمثلا كانت دراسة في دورية “ساينس” نُشرت في 2019 أشارت إلى أن تلك الفترة التي انقرضت فيها الديناصورات شهدت نشاط بركان ضخم في منطقة “مصاطب ديكان” الهندية تسبب بإطلاق كمّ مهول من الغازات السامة في الغلاف الجوي الأرضي، وهو ما يجعله أيضا احتمالا قائما بأنه تسبب في انقراض الديناصورات.
والحقيقة أن هذا الحدث سبق بحدث مشابه من قبل. فعلى سبيل المثال، في العصر البرمي الثالث قبل 250 مليون سنة، حدث أن انقرض ما مقداره 96% من أشكال الحياة على سطح الأرض بسبب نشاط بركان مهول في سهول سيبيريا تسبب بتغيرات مناخية كارثية.
لقد شهدت الأرض 5 انقراضات ضخمة يعرفها العلماء حتى الآن، وتسبب كل واحد منها في الحد من وجود أشكال الحياة على الأرض بشكل كارثي، وكثير منها كان بسبب انفجارات بركانية هائلة.