علم فلك الموجات الثقالية لا يزال في مراحله الأولى، وهو يرتكز على دراسة أكثر مصادر الأمواج الثقالية نشاطا وتميزا، مثل اندماجات الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية.
تعتبر الشمس النجم المركزي للمجموعة الشمسية، وهي كروية وتحوي بلازما حارة متشابكة مع الحقل المغناطيسي، ويبلغ قطرها حوالي 1.393 مليون كيلومتر، وهو ما يعادل 109 أضعاف قطر الأرض، وكتلتها تعادل 330 ألف ضعف كتلة الأرض، وهو ما يشكل نسبة 99.86% من كتلة المجموعة الشمسية، ويشكل الهيدروجين ثلاثة أرباع مكونات الكتلة الشمسية، أما البقية فهي في معظمها هيليوم مع وجود نسبة 1.69% من العناصر الأثقل مثل الأكسجين والكربون والنيون والحديد وعناصر أخرى.
تركيب مختلف
تختلف الشمس من حيث التركيب عن الكواكب الصخرية، من حيث إنها لا تملك حدا واضحا، وتتناقص كثافة الغازات في الأجزاء الخارجية منها كلما ابتعدنا عن النواة، كما أن الشمس غير نفاذة للأشعة الكهرومغناطيسية أو الضوء، وبالتالي فإن العلماء يدرسون تركيبها الداخلي بشكل مشابه لدراسة تركيب الأرض الداخلي، إلا أنه في حالة الأرض يتم استخدام الموجات الزلزالية، بينما تُعبر الأمواج الانضغاطية عن التركيب الداخلي للشمس، وتُمكننا من وضع تصور للبنية الداخلية لها، كما تُستخدم المحاكاة بالحاسوب كأسلوب نظري في دراسة الشمس واستكشاف الطبقات الداخلية.
والآن في بحث جديد نشر يوم 17 أبريل/نيسان الماضي على موقع “أركايف” (arxive)، يقترح العلماء استخدام الموجات الثقالية (موجات الجاذبية) في استكشاف باطن الشمس. فعلى الرغم من أن الأمواج الثقالية لها العديد من أوجه التشابه مع موجات الضوء، فإن هناك اختلافا واضحا يتمثل في أن معظم الأجسام تكون شفافة بالنسبة الأمواج الثقالية.
وبالتالي فإن الأمواج الثقالية تمرّ في الغالب عبر المادة، ولكن يمكن أن تتأثر بكتلة الجسم، بالرغم من أنها لا يتم حظرها بالكامل، وهذا يعني أنه يمكن استخدام الموجات الثقالية كأداة للنظر داخل الأجسام الفلكية، على غرار الطريقة التي تسمح بها الأشعة السينية أو التصوير بالرنين المغناطيسي بالرؤية داخل جسم الإنسان.
النجوم النيوترونية
ويذكر التقرير الذي نشره موقع “يونيفرس توداي” (Universe Today) أن علم فلك الموجات الثقالية لا يزال في مراحله الأولى، وأنه يرتكز على دراسة أكثر مصادر الأمواج الثقالية نشاطا وتميزا، مثل الاندماجات الكارثية للثقوب السوداء، والنجوم النيوترونية، وهو نوع من البقايا ينتج عن الانهيار الجاذبي لنجم ضخم في مستعر أعظم، ويتكون هذا النجم بشكل خاص من مادة مكونة من النيترونات وذات كثافة كبيرة، لكن هذا سيتغير مع تحسن تلسكوبات الجاذبية لدينا، وسيسمح لعلماء الفلك باستكشاف الكون بطرق كانت مستحيلة في السابق.
وبسبب الحرارة الشديدة وكذلك الكثافة العالية للشمس، فإنه حتى الضوء الناتج في لب الشمس يستغرق أكثر من 100 ألف عام للوصول إلى سطح الشمس، ومعلوماتنا الوحيدة عن باطن الشمس تأتي من علم الرجفات الشمسية “هيليوسيزمولوجي”، حيث يدرس علماء الفلك اهتزازات سطح الشمس الناتجة عن الموجات الصوتية داخلها، ولكن في هذه الدراسة الجديدة يبحث الفريق في كيفية استخدام الأمواج الثقالية للنجوم النيوترونية السريعة الدوران لدراسة الشمس.
تلسكوبات جاذبية متطورة
وعلى الرغم من أن الجسم ذا سلاسة الدوران الشديدة لا ينتج الأمواج الثقالية، فإن الأجسام الدوارة غير المتماثلة تنتجها، ويمكن أن يكون للنجوم النيوترونية تشوهات أو ارتفاعات هائلة ناتجة عن الحرارة الداخلية أو الحقول المغناطيسية، وإذا ما دار مثل هذا النجم النيوتروني بسرعة فإنه ينتج تيارا مستمرا من الأمواج الثقالية الخافتة جدا، بحيث لا يمكن ملاحظتها بواسطة التلسكوبات الحالية، لكن يجب أن يكون الجيل التالي من مراصد الجاذبية قادرا على اكتشافها.
ونظرا لأن النجوم النيوترونية شائعة جدا في المجرة، فإن بعضها يتمركز بحيث تمرّ الشمس أمامها من منظورنا. ومن بين أكثر من 3 آلاف نجم نابض معروف، فإن حوالي 500 نجم منها يعتبر مرشحا جيدا كمصدر للموجات الثقالية، ومن هذه ثلاثة معروف أنها تمر خلف الشمس.
وقد استخدم الفريق محيط هذه النجوم النابضة الثلاثة كنقطة انطلاق، ونظرا لأن الشمس شفافة بالنسبة الأمواج الثقالية، فإن التأثير الوحيد للشمس عليها هو من خلال كتلة الجاذبية، فعندما تمرّ الموجات عبر الشمس فإن جاذبيتها تنعكس قليلا، ويعتمد مقدار عدسة الجاذبية على كتلة الشمس وتوزيع تلك الكتلة، وقد وجد الفريق أنه من خلال القياسات المناسبة يمكن لمشاهدات الأمواج الثقالية أن تقيس كثافة الشمس بدقة عالية.
ويذكر تقرير “يونيفيرس توداي” أيضا أنه من المحتمل أن تكون النجوم النابضة الثلاثة المعروفة مجرد جزء صغير من مصادر الأمواج الثقالية التي تمر خلف الشمس، فمعظم النجوم النيوترونية لها اتجاه دوران لا يوجه ومضات الراديو في اتجاهنا، لكن لا يزال من الممكن استخدامها كمسابير للجاذبية، ومن المحتمل أن يكون هناك المئات من النجوم النيوترونية السريعة الدوران التي تمرّ خلف الشمس على مدار عام، ومن ثم فإن استطعنا أن نراقب الموجات الثقالية الخاصة بها، فإن هذا كفيل بأن يعطينا رؤية ممتازة داخل أقرب النجوم إلينا.