تمكّن فريق دولي من الباحثين بقيادة علماء من جامعة جنيف من تحديد ثلاث مجرات فائقة الكتلة، تكاد تكون بنفس حجم مجرة ​​درب التبانة، وجدت خلال المليار سنة الأولى بعد الانفجار العظيم.

وبحسب الدراسة، التي نشرها هذا الفريق في دورية “نيتشر” المرموقة، فقد تحقق هذا الاكتشاف المذهل بفضل مرصد جيمس ويب الفضائي، وقدرته على رصد مجريات الكون المبكر بدقة شديدة.

وبينت أرصاد جيمس ويب أن هذه المجرات تشكل النجوم الجديدة بكفاءة غير مسبوقة، ونظرًا لمحتواها العالي من الغبار، والذي يمنحها مظهرًا أحمر مميزًا في صور جيمس ويب، فقد تم تسميتها بـ”الوحوش الحمراء” الثلاثة.

ضد النموذج

وفي النموذج النظري الذي يتبعه العلماء في هذا النطاق، تتشكل المجرات تدريجيًا، فتبدأ بقطع صغيرة تتحد مع بعضها بعضا مع الزمن لتصل إلى تلك الهياكل الضخمة التي نراها في الكون اليوم، مثل مجرتنا أو مجرة المرأة المسلسلة.

ومع ذلك، تتحدى النتائج الجديدة هذه النماذج، لأنه بناء على تلك النماذج يتطلب تكوين المجرات مليارات السنوات، أما المجرات الثلاث التي وجدها العلماء فقد نشأت خلال المليار سنة الأولى من تاريخ الكون.

يقول الدكتور منغيوان شياو، المؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة والباحث ما بعد الدكتوراه في قسم علم الفلك بكلية العلوم بجامعة جنيف، في تصريح حصلت عليه الجزيرة نت “إن نتائجنا تعيد تشكيل فهمنا لتكوين المجرات في الكون المبكر”.

تتشكل المجرات تدريجيًا، فتبدأ بقطع صغيرة تتحد مع بعضها البعض مع الزمن (ناسا)

مجرات مستحيلة

ويأتي هذا الكشف لينضم إلى عدة نتائج تتحدى نظريات العلماء ظهرت خلال السنوات الثلاث السابقة، ففي أواخر 2022، اكتشف جيمس ويب مجموعة من 6 مجرات وجدت في وقت مبكر جدا من الكون، بعد 500 مليون سنة من الانفجار الكبير.

لكن هذه المجرات لم تكن بدائية كما هو معتاد، بل كانت شديدة السطوع لدرجة أنها -بحسب العلماء- “لا ينبغي أن تكون موجودة من الناحية النظرية”! ومن هنا جاءت التسمية “المجرات المستحيلة”. هذه المجرات كانت ساطعة بشكل يوحي بأنها مجرات ضخمة تحتوي على عدد كبير من النجوم.

الأمر لم يقف عند المجرات المستحيلة، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أعلن العلماء عن اكتشاف مجرة جديدة سميت “سييرز-2112″، التي عدّت أكثر دفعا للتعجب من سابقاتها.

رصدت المجرة قبل 11.7 مليار سنة، لكن الملمح المميز لها كان أنها مكتملة، بل شبيهة بمجرتنا درب التبانة، فقد تكونت من أذرع حلزونية تدور حول مركز عصوي الشكل زاخر بالنجوم.

ويمثل المركز العصوي في علم الفلك أكثر الهياكل انتظامًا وأناقة، ومن المفترض أن يأخذ أكثر من 7 مليارات سنة كي يصل لهذا الشكل، فكيف إذن ظهر بعد ملياري سنة فقط من نشأة الكون؟

حيرة العلماء

إلى الآن يظل العلماء حائرين في مواجهة هذه الأرصاد، يقترح البعض منهم أن النماذج النظرية التي تشرح آلية تكوّن النجوم في المجرات الأولى خاطئة، فالنجوم تتشكل بمعدلات أسرع من المتوقع.

ووصل الأمر بفريق من العلماء إلى اقتراح أن الانفجار العظيم نفسه حدث في وقت أبكر مما ظن العلماء، لكن هذا الرأي لا يجد دعما رصديا قويا.

ويختتم شياو تصريحه قائلًا “تشير هذه النتائج إلى أن المجرات في الكون المبكر قد تشكل نجومًا بكفاءة غير متوقعة”.

ويضيف “مع دراستنا لهذه المجرات بعمق أكبر، فإنها ستوفر رؤى جديدة حول الظروف التي شكلت أقدم عصور الكون. والوحوش الحمراء ليست سوى بداية لعصر جديد في استكشافنا للكون المبكر”.

شاركها.
Exit mobile version