استخدم الباحثون تكنولوجيا النانو ومحفزا ضوئيا مطورا لتكسير صبغة الكونغو الحمراء الملوثة للمياه، وتحويلها لمركبات ثانوية يسهل التخلص منها.

طور فريق بحثي مصري محفزا ضوئيا فعالا أظهر قدرات واعدة في إزالة أحد الملوثات العضوية الخطيرة من مياه الصرف الصحي، وهو صبغة الكونغو الحمراء التي تستخدم في تطبيقات صناعية عديدة، وذلك بحسب ما جاء في دراسة نشرتها دورية “ساينتيفيك ريبورتس” (Scientific Reports) يوم 18 أبريل/نيسان الماضي.

وتعدّ الدراسة من مخرجات مشروع بحثي انطلق منذ 5 سنوات، بهدف تطوير مواد نانومترية لمعالجة المياه باستخدام عملية التحفيز الضوئي، وأجراها عدد من الباحثين المصريين من عدة جامعات وجهات بحثية.

التحفيز الضوئي

في عام 1972، اكتشف العالِمان اليابانيان فوجيشيما وهوندا التحفيز الضوئي من خلال رصد الانقسام التحفيزي لجزيئات المياه على أقطاب إحدى المواد شبه الموصلة، وهي ثاني أكسيد التيتانيوم، فكان بذلك أول المحفزات الضوئية التي يتم اكتشافها، ومنذ ذلك الحين بدأ العلماء في إجراء العديد من الأبحاث لتطوير مواد محفزة ضوئية مختلفة.

وقد حظي التحفيز الضوئي باهتمامٍ كبيرٍ من قِبل الباحثين، نظرا لخصائصه المتميزة التي تشمل التحويل المباشر للطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية عبر سلسلة من تفاعلات الأكسدة والاختزال التي تحدث على سطح المحفز الضوئي.

فعندما يسقط الضوء على المحفز الضوئي، فإنه يمتص الطاقة الضوئية ويكون “إلكترونات” ذات شحنات سالبة و”فراغات” ذات شحنات موجبة، تقوم بعمل تفاعل التحلل الضوئي المُحفَز الذي يؤدي إلى تكسير الملوثات.

يقول الباحث المصري محمد عبد القدوس، الباحث الرئيسي في الدراسة وطالب الدكتوراه بجامعة تويوهاشي للتكنولوجيا في اليابان -في حديث أجراه مع الجزيرة نت عبر تطبيق زووم- إنه “منذ اكتشاف ظاهرة التحفيز الضوئي والعلماء يركزون في تصميم المحفزات الضوئية على أن تكون جزيئاتها صغيرة الحجم”.

وأضاف أن “أكسيد التيتانيوم (P25) أكثر المحفزات الضوئية استخداما في معالجة المياه وتكسير الملوثات الموجودة فيها، وهو معروف بصغر حجم جزيئاته التي لا تتجاوز 21 نانومترا تقريبا، وهو ما يجعله أفضل المحفزات الضوئية وأكثرها كفاءة”.

فصل الشحنات

بعد فترة من حدوث تفاعل التحفيز الضوئي، تبدأ الجسيمات الحاملة للشحنات (الإلكترونات والفراغات) في الاتحاد مع بعضها بعضا، وهو ما يؤدي إلى إنهاء التفاعل.

يقول عبد القدوس “كي نطور محفزا ضوئيا ذا كفاءة عالية نحتاج لإطالة مدة إنتاج الجسيمات الحاملة للشحنات، مما يضمن استمرار تفاعل الأكسدة والاختزال لمدة أطول. وفي هذا البحث ركزنا على فصل الشحنات باستخدام محفز مساعد (co-catalyst)، مما يتيح وقتا أطول لعمر الجسيمات الحاملة للشحنات، كي يظل المحفز الضوئي في صورة نشطة ويستمر التفاعل لمدة أطول”.

وبحسب عبد القدوس، فإن هناك عدة طرق لفصل الشحنات وزيادة مدة نشاط المحفز الضوئي، مثل تصميمه بحيث يشتمل على مواد نانوية من الكربون، إذ يعمل الكربون بدور مصيدة للإلكترونات ويفصلها عن الفراغات، لكن كفاءة هذه الوسيلة غير عالية. كذلك يمكن استخدام محفز ضوئي يحتوي على معادن نفيسة مثل الذهب، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام المحفزات المساعدة كوسيلة لفصل الشحنات.

ويضيف عبد القدوس “استخدمنا اثنين من المحفزات المساعدة الشهيرة التي تستخدم في عملية انشطار المياه من أجل فصل الشحنات، وكانت النتائج غير متوقعة، وعلى الرغم من أن مادة المحفز الضوئي التي استخدمناها تمتلك جزيئات كبيرة الحجم تصل إلى 145 نانومترا، فإن استخدام المحفزات المساعدة رفع كفاءة المحفز الضوئي بشكل كبير”.

من إزالة الملوثات إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر

واستنتجت الدراسة أن صغر حجم الجزيئات ليس أهم العوامل المؤثرة على كفاءة المحفز الضوئي، كما أن فصل الشحنات وزيادة مدة التفاعل يؤثران بشدة على كفاءة المحفز.

وقد جاءت فكرة استخدام المحفز المساعد من خلال بحث آخر أجراه عبد القدوس مع فريق بحثي ياباني منذ عدة أشهر، استخدموا فيه المحفزات المساعدة في عملية انشطار الماء لإنتاج الهيدروجين. يقول عبد القدوس “طبقنا نفس المبدأ على تكسير صبغة الكونغو الحمراء، وكانت النتائج أفضل بكثير”.

وتعدّ صبغة الكونغو الحمراء واحدة من الصبغات التي لها تطبيقات صناعية عديدة، حيث تدخل في صناعات دبغ الجلود والأدوية والدهانات، ويوضح عبد القدوس سبب اختيار هذه المادة لإجراء البحث قائلا “استخدمنا هذه الصبغة لأنها مادة مسرطنة وتسبب أمراضا خطيرة للإنسان، وهي مادة عضوية لا تتحلل بسهولة، كما أنها شائعة الاستخدام، ويعتبر توفير وسيلة لاستخدام تكنولوجيا النانو لتكسير مادة شائعة وخطيرة وتحويلها إلى مواد أقل في الخطورة أمرا يجعل البحث ذا أهمية كبيرة”.

وفي دراساته المستقبلية، سيركز عبد القدوس على تطوير محفز ضوئي لانشطار الماء وإنتاج الهيدروجين، ويستخدم كقطب كهربي في خلايا الوقود. ويقول “حاليا يتم إنتاج الهيدروجين من خلال احتراق الغاز الطبيعي، ولكننا نسعى لاستخدام التحفيز الضوئي في انشطار الماء لفصل الهيدروجين عن الأكسجين كمصدر لما يعرف بالهيدروجين الأخضر”.

شاركها.
Exit mobile version