ابتكر باحثون في جامعة “ماكماستر” الكندية وجامعة “ستانفورد” الأميركية، نموذجًا جديدا للذكاء الاصطناعي يمكنه تصميم مليارات من جزيئات المضادات الحيوية الجديدة غير المكلفة وسهلة التصميم، وأطلقوا عليه اسم “سينثيمول”.

ففي دراسة جديدة نُشرتها دورية “نيتشر مشين إنتيلجنس” ذكر الباحثون أن النموذج الذي ابتُكر في المختبر يمكنه تصميم مضادات حيوية لوقف انتشار نوع من البكتيريا تدعى “البومانية الراكدة”، والتي صنفتها منظمة الصحة العالمية على أنها واحدة من أكثر أنواع البكتيريا المسببة للأمراض والمقاومة للمضادات الحيوية وأخطرها في العالم ويصعب استئصالها، إذ يمكن للطفيليات البومانية أن تسبب الالتهاب الرئوي والتهاب السحايا وتصيب الجروح، وكلها يمكن أن تؤدي إلى الوفاة.

ولهذا يتوقع الباحثون أن يكون لهذا المضاد الحيوي المبتكر قدرة على معالجة التهديد المتصاعد لمقاومة المضادات الحيوية وحماية الصحة العالمية.

الحاجة الملحة للمضادات الحيوية

وفقا لما جاء في موقع منظمة الصحة العالمية، فإن مضادات الميكروبات -ومنها المضادات الحيوية ومضادات الفيروسات ومضادات الفطريات ومضادات الطفيليات- أدوية تُستخدَم للوقاية من حالات العدوى التي تصيب الإنسان والحيوان والنبات، وأيضا لعلاجها.

ولكن في بعض الحالات تنشأ مقاومة لمضادات الميكروبات عندما تطرأ تغييرات على البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات بمرور الوقت، وتصبح غير مستجيبة للأدوية، مما يجعل علاج حالات العدوى أكثر صعوبة، ويزيد من خطر انتشار الأمراض والاعتلالات الوخيمة والوفيات. كما تصبح المضادات الحيوية والأدوية الأخرى المضادة للميكروبات غير ناجعة بفعل مقاومة الأدوية.

ولهذا تُشكّل مقاومة مضادات الميكروبات تهديداً عالمياً للصحة والتنمية تستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة متعددة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى الإعلان أن مقاومة مضادات الميكروبات من التهديدات العالمية العشرة الرئيسية للصحة العامة التي تواجه البشرية.

وبحسب البيان الصحفي الصادر من جامعة “ماكماستر”، فقد أدى الانتشار العالمي للبكتيريا المقاومة للأدوية إلى خلق حاجة ملحة لمضادات حيوية جديدة.

يقول “جوناثان ستوكس”، الأستاذ المساعد في قسم الطب الحيوي والكيمياء الحيوية بجامعة “ماكماستر” والباحث الرئيسي في الورقة البحثية: “المضادات الحيوية دواء فريد من نوعه، وبمجرد أن نبدأ في استخدامها في العيادة فإنها تفقد فاعليتها بشكل سريع، وذلك لأن البكتيريا تتطور بسرعة لمقاومتها، وبالتالي نحن بحاجة إلى نوع قوي من المضادات الحيوية للقضاء على النمو والتطور السريع للبكتيريا، كما نحتاج أيضا إلى اكتشافها بسرعة وبتكلفة زهيدة، وهنا يلعب الذكاء الاصطناعي دورا حاسما”.

ويضيف: “يشكل ظهور البكتيريا المقاومة للأدوية تهديدا صحيا عالميا هائلا، وهو ما يستلزم إيجاد حلول عاجلة لمكافحة العدوى بشكل فعال، ومع عجز الطرق التقليدية في كثير من الأحيان عن تحديد مركبات المضادات الحيوية الواعدة بسرعة وبطريقة غير مكلفة، تكثّف البحث عن حلول جديدة”.

 نموذج تصميم المضاد الحيوي

نموذج الذكاء الاصطناعي هو في الأساس إطار رياضي، أو خوارزمية تُدرَّب على البيانات، وتتضمن عملية التدريب هذه تغذية النموذج بكميات كبيرة من البيانات حتى يتمكن من التعلم وعمل استنتاجات أو تنبؤات بناء على تدريبه. وتلعب جودة وكمية البيانات إلى جانب بنية النموذج، دورا حاسما في تحديد فعالية النموذج ودقته.

ولهذا ظهر ابتكار النموذج “سينثيمول” الذي يأتي تلبية للحاجة الملحة للمضادات الحيوية الفعالة التي تقضي على البكتيريا بشكل سريع، وذلك عبر الاستفادة من عينات جزيئية واسعة مكونة من 132 ألف جزيء.

وبحسب الدراسة، فمن أجل تصميم النموذج “سينثيمول” تدرب الباحثون في البداية على استخدام خوارزمية ذكاء اصطناعي شبيهة بتلك المستخدمة في أدوات إنتاج الصور “مدجيرني” و”دال إي”، فأتوا بآلاف الأدوية المعروفة بتركيبها الكيميائي الدقيق، ثم اختبروها يدويا على البكتيريا “الراكدة البومانية” لتحديد أي منها قادرة على قتل هذه البكتيريا أو إبطائها.

وبعد ذلك أدخل الباحثون هذه المعلومات في نظام الذكاء الاصطناعي حتى يعرف الخصائص الكيميائية للأدوية القادرة على مهاجمة البكتيريا، بعد ذلك أنتجت الأداة آلاف المضادات الحيوية الجديدة التي تحدد أهدافًا بكتيرية أو فيروسية أو سرطانية بعينها.

ويضيف بيان جامعة “ماكماستر”، أن اللافت للاهتمام في الدواء الجديد هو اقتصار تأثيره على بكتيريا الراكدة البومانية دون سواها من أنواع البكتيريا الأخرى. ويرى الباحثون أن هذه الفعالية الدقيقة ستصعب على البكتيريا تطوير مقاومة للدواء، وتقلل التأثيرات الجانبية المحتملة عند المرضى.

وقال الباحث المشارك في الدراسة “جيمس زو”، وهو أستاذ مشارك في علوم البيانات الطبية الحيوية في جامعة ستانفورد: “لا يُصمم سينثيمول جزيئات جديدة مرشحة للأدوية الواعدة فحسب، بل إنه يولد أيضا الوصفة لكيفية صنع كل جزيء جديد، وبالتالي فإن توليد مثل هذه الوصفات هو نهج جديد يغير قواعد اللعبة، لأن الكيميائيين لا يعرفون كيفية صنع جزيئات مصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي”.

من المتوقع أن يطول الأمد حتى عام 2030 لتصبح المضادات الحيوية التي ساهم الذكاء الاصطناعي بتطويرها متاحة للمرضى.

آفاق مستقبلية

يقول البيان الصادر من جامعة “ماكماستر”: إن هذا النهج الرائد يتيح التحديد السريع والفعال للمضادات الحيوية، مما يمثل تقدما محوريا في اكتشاف جزيئات جديدة ذات خصائص مضادة للبكتيريا وواعدة.

ويرى الباحث الرئيسي في الدراسة جوناثان ستوكس: إن هذه النتائج هي “نقطة البداية” لانطلاق عملهم، إذ أن الخطوة المقبلة هي تطوير الدواء بدقة ونجاحه في المختبر، ومن ثم إجراء التجارب السريرية. ومن المتوقع أن يطول الأمد حتى عام 2030 لتصبح المضادات الحيوية التي ساهم الذكاء الاصطناعي بتطويرها متاحة للمرضى.

ويضيف بيان جامعة ماكماستر، أن اللافت للاهتمام في الدواء الجديد هو اقتصار تأثيره على بكتريا “الراكدة البومانية” دون سواها من أنواع البكتريا الأخرى، ويرى الباحثون أن هذه الفعالية الدقيقة ستصعّب على البكتيريا تطوير مقاومة للدواء، وتقلل التأثيرات الجانبية المحتملة عند المرضى.

ويُظهر هذا الاكتشاف مدى الفعالية المحتملة للذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، خاصة أنه يستطيع فحص ملايين المركبات المحتملة بسرعة كبيرة، وهو أمر يتعذر القيام به يدوياً. وهنا يعلق ستوكس قائلاً: “يعزز الذكاء الاصطناعي معدلات النتائج، وربما يقلل حجم النفقات، مما يتيح لنا اكتشاف أنواع جديدة من المضادات الحيوية اللازمة في مجالنا”.

شاركها.
Exit mobile version