دخل الجفاف في 2024 عامه السادس بالمغرب، ولا تبدو هناك بارقة أمل، بل إن الأمور مرشحة للاتجاه نحو الأسوأ، وهنا يأتي دور العلم في توفير الحلول.
وسيواجه المغرب بحلول عام 2040 ضغوطا مائية “مرتفعة للغاية”، وهو تنبؤ صدر من معهد الموارد العالمية، وهو منظمة بحثية غير ربحية.
وبينما ترسم الأرقام الصادرة عن البنك المركزي للدولة الواقعة في شمال أفريقيا صورة قاتمة من الآن فإن العلم من ناحية أخرى يسابق الزمن لتوفير الحلول التي يمكن أن تخفف وطأة المشكلة إن لم تقض عليها نهائيا.
وتشير الأرقام إلى انخفاض متوقع في إنتاج الحبوب لأكثر من النصف خلال عام 2024 ليصل إلى 25 مليون قنطار (2.5 مليون طن)، وهو معدل يرجع إلى تأثير الجفاف ودوره في تقليص المساحات المزروعة في مختلف أنحاء المملكة إلى 2.5 مليون هكتار (الهكتار يساوي 2.3805 فدان) مقارنة بـ3.7 ملايين هكتار في 2023.
ويقول رئيس المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) علي أبو سبع للجزيرة نت إن “التوقعات تشير إلى وضع أسوأ مع زيادة الضغوط المائية، لذلك نعمل على خطة متكاملة بتوفير أصناف البذور التي تتحمل الجفاف وتعطي في الوقت نفسه إنتاجية عالية”.
ويعتمد إنتاج تلك الأصناف على مدخلات بنك الجينات التابع لإيكاردا، والذي تم افتتاحه قبل عامين في المغرب، إذ يضم نحو 108 آلاف من السلالات البرية للحبوب التي قاومت ظروف الجفاف بالماضي، وتم جمعها من منطقة الهلال الخصيب ومناطق أخرى كالمرتفعات الحبشية في إثيوبيا ووادي النيل ومنطقة آسيا الوسطى والقوقاز.
وتقوم مهمة الباحثين على توظيف الجينات التي منحت هذه السلالات القدرة على النمو في ظروف الجفاف، لاستخدامها في إنتاج أصناف جديدة مقاومة للتغيرات المناخية.
ويقول أبو سبع “نجحنا بالتعاون مع المعهد الوطني للبحوث الزراعية في إنتاج 6 أصناف جديدة واعدة من القمح والشعير تتحمل الجفاف للمساعدة في زيادة الإنتاج”.
وبفضل خصائصها الذكية مناخيا مثل مقاومة الحرارة والجفاف والآفات يأمل أبو سبع أن تساعد هذه الأصناف الجديدة على تعزيز الأمن الغذائي والتغذوي وتحسين سبل عيش المزارعين المغاربة وتعزيز قدرتهم على الصمود.
أصناف ذكية مناخيا
ومن بين الأصناف الذكية مناخيا التي سيتم توزيعها تجاريا اعتبارا من العام المقبل صنف القمح “ناشيت”، وكما ذكر الموقع الإلكتروني للإيكاردا فإن “أصله البري يحوي حبيبات كبيرة وجذورا عميقة مناسبة لجمع المياه من أعمق جزء في التربة، وبالتالي، فهو يتكيف جيدا مع الهضاب الشمالية والمناطق المروية في مدينة بني ملال، وبفضل حبيباته الكبيرة وإمكانيات الغلة العالية يمكن لبعض المزارعين تحقيق أكثر من 10 أطنان للهكتار”.
كما سيتم توزيع “صنف جبل”، وهو صنف ريفي للغاية مشتق من عشبة الماعز البرية، ويتميز بسنبلة سوداء طويلة جذابة ونظام جذر سطحي مناسب للتربة الضحلة في جبال الأطلس والمناطق الجنوبية.
ومن أصناف الشعير الواعدة تم إنتاج صنفي “شيفا” و”آسيا” اللذين يتميزان بسهولة الدرس، وهي سمة تعود إلى الأصناف القديمة المزروعة في المرتفعات النيبالية، وهما يتحملان الجفاف ويحتويان على نسبة عالية من “بيتا جلوكان”، وهي ألياف غذائية ذات فوائد صحية عديدة ضد مرض السكري وأمراض نقص التروية، كما أنهما يوفران مقاومة ممتازة لمرض البقع الشبكية.
حلول متكاملة
ويتكامل مع إنتاج الأصناف المقاومة للجفاف توفير أساليب مختلفة للزراعة وللري المتحكم فيه.
ويقول أبو سبع “نجحنا في تعزيز الري بالتنقيط عبر تخليص هذا الأسلوب في الري من واحدة من أكبر مشكلاته، وهي استهلاك الطاقة”.
وأنظمة الري بالتنقيط التقليدية باهظة الثمن، خاصة عندما تعمل بمولدات الديزل أو الطاقة الشمسية، والتي يمكن أن تشكل ما يصل إلى 80% من التكلفة الإجمالية للنظام.
واستخدم “إيكاردا” أنظمة جديدة للري بالتنقيط طورها معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وهي تتطلب طاقة أقل بكثير من الأنظمة التقليدية.
وتعمل الأنظمة الجديدة على تقليل استخدام الطاقة الهيدروليكية بنسبة 46-69% لكل وحدة من المياه التي يتم توصيلها، مع الحفاظ على توزيع المياه بكفاءة، وهذا يقلل بشكل كبير تكلفة الري بالتنقيط، مما يجعله أكثر سهولة للمزارعين الصغار.
ويقول أبو سبع “اختبرنا بالشراكة مع معهد ماساشوستس للتكنولوجيا والمعهد الوطني المغربي للبحوث الزراعية هذه الأنظمة على محاصيل مختلفة في جميع أنحاء المغرب، وأظهرت التجارب نتائج واعدة في خفض الطاقة وتوحيد توزيع المياه، ووجدنا أنه حتى 10 مليمترات فقط من الماء إذا ما تم تطبيقها بعناية يمكن أن تحول التربة القاحلة إلى حقول مزدهرة”.
وإلى جانب أنظمة الري المتطورة تم الترويج لطريقة الزراعة بدون حرث، إذ أثبتت دراستنا أن هذا الممارسة الزراعية فعالة في المناطق شبه القاحلة بالمغرب، خاصة في التعامل مع هطول الأمطار غير المنتظمة، حسب أبو سبع.
ويقول أبو سبع “في هذه الممارسة الزراعية لا يتم حرث التربة أو وتقليبها قبل زراعة المحاصيل، ويتناقض هذا النهج مع الحرث التقليدي، إذ يتم حرث التربة وتقليبها قبل الزراعة، ومن خلال عدم تقليب التربة يساعد نظام عدم الحرث على الاحتفاظ بالرطوبة والمواد العضوية، مما يجعل المحاصيل أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تقلبات المناخ”.
ويضيف أن “غلة المحاصيل في ظل نظام عدم الحرث كانت أعلى عموما أو على الأقل مساوية لتلك الموجودة في ظل الحرث التقليدي، وأقل اعتمادا على كمية الأمطار، مما يشير إلى قدرتها على التكيف مع الظروف الجوية غير المتوقعة”.
وحتى تؤتي الأصناف الجديدة والحلول الأخرى المتكاملة معها ثمارها يجب الاهتمام بتوعية المزارعين بضرورة استخدامها.
ويقول أبو سبع “في بلد يستهلك المواطن العادي نحو 200 كيلوغرام من القمح سنويا -وهو أعلى بكثير من المتوسط العالمي- يجب الإسراع بتنفيذ الحلول، ولا سيما أن الضغوط المائية التي يفرضها الجفاف تتزايد”.