في وقت أصبحت الآثار الضارة للمواد البلاستيكية غير القابلة للتحلل واضحة على البيئة والصحة، تتزايد الرغبة في البحث عن بدائل قابلة للتحلل، وفي مقدمتها البوليمرات الصديقة للبيئة التي تلعب “كربونات الجلسرين” دورا محوريا في تطويرها.

وإلى جانب هذه الوظيفة، فإن هذه المادة تُستخدم بشكل شائع كمحفز ومذيب ووسيط في العديد من الصناعات، مثل صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل ومنتجات العناية الشخصية، كما تستخدم في تصنيع مجموعة واسعة من المنتجات الصديقة للبيئة، بما في ذلك المذيبات الحيوية والراتنجات الحيوية ومواد التشحيم الحيوية.

وتتوقع تقديرات تزايد الطلب على تلك المادة من 246.27 مليون دولار أميركي في عام 2022، إلى 402.15 مليون دولار أميركي عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5.6%.

ولأن عملية التصنيع التقليدي لتلك المادة معقدة وتحتاج إلى خطوات كثيرة مستهلِكة للطاقة، سعى فريق بحثي من مركز التكنولوجيا المتكاملة والتوليف العضوي بجامعة لييج ببلجيكا، إلى توفير طريق سهلة لإنتاجها، وأعلنوا في دراسة نشرت بدورية “أنجيواندتي كيمي” عن نجاح إنتاجها باستخدام ثاني أكسيد الكربون، ومنتج ثانوي لإعادة تدوير زيت الطهي هو”الجلسرين”، وذلك خلال 28 ثانية فقط، وفي ظروف تفاعل أقل استهلاكا للطاقة (ضغط 10 بارات، ودرجة حرارة 140 درجة مئوية).

ظروف تفاعل قاسية.. مخاطر السلامة

وتقليديا، يُصنع “كربونات الجلسرين” من خلال عمليات التخليق الكيميائي التي تنطوي على تفاعل الجلسرين مع غاز الفوسجين أو مشتقات اليوريا، وتتطلب هذه الطريقة عادة ظروف تفاعل قاسية تستغرق وقتا طويلا، ويمكن أن تولّد منتجات ثانوية خطرة. وتمر بعدة خطوات هي:

  • أولا- تحضير المواد المتفاعلة: فالجلسرين هو المادة الأولية لإنتاج كربونات الجلسرين، وتعمل مشتقات الفوسجين أو اليوريا مثل كربونات ثنائي الميثيل أو كربونات الإيثيلين، كمصدر لـ”الكربونيل” في التفاعل.
  • ثانيا- التفاعل: يتفاعل الجلسرين مع مشتقات الفوسجين أو اليوريا تحت ظروف تخضع للرقابة وعادة في وجود محفز، لإنتاج كربونات الجلسرين.
  • ثالثا- الفصل والتنقية: بعد التفاعل يُخضع خليط كربونات الجلسرين الخام إلى عمليات فصل وتنقية لإزالة الشوائب والمنتجات الثانوية، ويتضمن هذا غالبا تقنيات التقطير أو البلورة أو الكروماتوغرافيا.
  • رابعا- استرداد المنتج: يجري استرداد كربونات الجلسرين المنقاة من خليط التفاعل وتعالج أو تصاغ وفقا للتطبيق المقصود.

وتعاني هذه الطريقة التقليدية للإنتاج من قيود، تتمثل في الاستهلاك العالي للطاقة، والمخاوف البيئية بسبب استخدام الكواشف السامة، ومخاطر السلامة المرتبطة بالتعامل مع غاز الفوسجين.

طريقة جديدة.. نهج أكثر استدامة

وفي المقابل، تَستخدم الطريقة المبتكرة الموضحة في الدراسة التي أعدها الباحثون بجامعة لييج ببلجيكا، ثاني أكسيد الكربون والجلسرين كمواد أولية، مما يسلط الضوء على نهج أكثر استدامة وكفاءة لتخليق كربونات الجلسرين، وبذلك فإن هذه العملية تمثل تقدما في الكيمياء الخضراء وتوفر مزايا محتملة، مثل تقليل التأثير البيئي وتحسين السلامة.

ويشتق الجلسرين بشكل أساسي من صناعة وقود الديزل الحيوي، وإعادة تدوير زيت الطهي، ويكتسب قيمة اقتصادية عندما يدخل في صناعة “كربونات الجلسرين”، ولكنه في التفاعل الجديد سيدخل مع العدو الأول للبيئة، وهو ثاني أكسيد الكربون، لإنتاج هذه المادة خلال 28 ثانية.

وتمر عملية الإنتاج بعده خطوات:

  • أولا- تحضير المواد المتفاعلة: فيُستخدم الجلسرين -وهو منتج ثانوي لصناعة وقود الديزل الحيوي وإعادة تدوير زيت الطهي- كأحد المواد المتفاعلة الأساسية، وإضافة إلى ذلك يُستخدم ثاني أكسيد الكربون وهو ملوث صناعي.
  • ثانيا- الاندماج في وجود المحفز: يُدمج الجلسرين -وتحديدا مشتقاته “الغليسيدول”- مع ثاني أكسيد الكربون في وجود محفز عضوي.
  • ثالثا- التفاعل الكيميائي: يحدث تفاعل التكثيف بين الغليسيدول وثاني أكسيد الكربون تحت ظروف الموائع المتوسطة (الموائع هي اﻟﻤﻮاد اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﯿﺰ ﺑﻘﺪرﺗﮭﺎ ﻋﻠﻲ اﻻﻧﺴﯿﺎب)، ويتم تسهيله بواسطة المحفز العضوي.
  • رابعا- تكوين كربونات الجلسرين: يؤدي التفاعل إلى تكوين كربونات الجلسرين، وتستغرق العملية بدءا من دمج المواد المتفاعلة وحتى تكوين المادة نحو 28 ثانية، مما يشير إلى طريقة إنتاج سريعة وفعالة.

فرص اقتصادية واعدة

ومن جانبه، عبر الفريق البحثي بمركز التكنولوجيا المتكاملة والتوليف العضوي بجامعة لييج ببلجيكا، عن سعادته بالتوصل إلى هذه الطريقة السريعة في الإنتاج، والتي تستخدم منتجا ثانويا لإعادة تدوير زيت الطعام وهو “الجلسرين”، وملوثا رئيسيا للبيئة يتم تحميله جانبا من المسؤولية عن أزمة تغير المناخ وهو ثاني أكسيد الكربون.

وفي بيان أصدرته الجامعة يقول الأستاذ بمركز التكنولوجيا المتكاملة والتوليف العضوي والباحث الرئيسي بالدراسة جان كريستوف مونبالي: “أتصور أن طريقة الإنتاج السريعة والصديقة للبيئة، ووفرة الخامات المستخدمة في الصناعة، سيفتح آفاقاً غير مسبوقة للتصنيع الكثيف لتلك المادة التي تتزايد استخداماتها يوما بعد آخر”.

وتُستخدم الكربونات البترولية مثل كربونات الإيثيلين والبروبيلين، كناقلات إلكتروليت رئيسية في بطاريات الليثيوم، وحدّت عمليات الإنتاج الحالية البطيئة والمكلفة لإنتاج كربونات الجلسرين من استخدامها على نطاق واسع لهذه الوظيفة. لكن مونبالي يعتقد أنهم نجحوا في حل تلك المشكلة.

وتُستخدم بطاريات الليثيوم في العديد من الأجهزة والتطبيقات الإلكترونية، بما في ذلك الإلكترونيات الاستهلاكية مثل الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة والأجهزة اللوحية، كما تُستخدم في المركبات الكهربائية والمركبات الكهربائية الهجينة، وأنظمة تخزين الطاقة مثل أنظمة تخزين الطاقة الشمسية، وفي تطبيقات الفضاء الجوي مثل الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، وكذلك في المعدات العسكرية، وتستخدم أيضا  في الأجهزة الطبية المحمولة مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب ومضخات الأنسولين ومكثفات الأكسجين المحمولة.

وبسبب هذا التنوع الكبير لاستخدامات بطاريات الليثيوم، فإن “كربونات الجلسرين” أمامها فرص واعدة، وبات اقتناصها أكثر سهولة بعد طريقة إنتاجها الأوفر والأسرع التي توصّل لها الفريق البحثي، كما يقول أستاذ الكيمياء بجامعة الزقازيق المصرية خالد علام.

لكن علام يشدد في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”، على أن هناك نقطتين ينبغي الإجابة عليهما في دراسات لاحقة للتأكد من أن المنتج قابل للتطبيق، وهما:

  •  أولا: قابلية التوسع والتصنيع، فبينما توضح الدراسة كفاءة إنتاج كربونات الجلسرين على نطاق تجريبي، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتقييم قابلية التوسع في العملية للإنتاج الصناعي على نطاق كبير، ويشمل ذلك اعتبارات مثل تصميم المفاعل، ومعدل الإنتاج، واستهلاك الطاقة، وفعالية التكلفة.
  • ثانيا: توصيف الجودة، وتعني تقييم نقاء المنتج واستقراره وأدائه، بالإضافة إلى تحديد وقياس أي شوائب أو منتجات ثانوية.
شاركها.
Exit mobile version