توصل فريق بحثي من جامعة “ناغويا” في اليابان إلى اكتشاف رائد إثر تمكنهم لأول مرة من مراقبة توزيع الإلكترونات الموجودة في الغلاف الخارجي للذرة، والمعروفة باسم إلكترونات التكافؤ، وهي الإلكترونات التي تمثل دورا جوهريا في تحديد نمط تفاعل الذرات بعضها مع بعض.
وأوضحت نتائج الدراسة التي نُشرت في مجلة “أميركان كيميكال سوسايتي” أن سلوك الإلكترونات داخل الذرات يعد معقدا للغاية، إذ إنها تشكل مدارات إلكترونية ذات وظائف مختلفة اعتمادا على قربها من النواة، وتعمل الإلكترونات الأساسية -الموجودة في الأغلفة الداخلية- على تثبيت هيكل الذرة نفسها ولا تنخرط في أي من التفاعلات مع الذرات الأخرى. وذلك على نقيض دور إلكترونات التكافؤ التي تقع أبعد ما يكون عن نواة الذرة، والتي تحدد خصائص المادة وتشارك في تكوين الروابط الكيميائية.
وخلال العقود الماضية ومنذ بدء الكشف عن تركيبة الذرة والنواة، اعتمد الباحثون عن نماذج نظرية وبعض من اختبارات التحليل الطيفي لتقدير سلوك المادة بدلا من الحصول على ملاحظات مباشرة للإلكترونات بعينها، ذلك لأن عزل إلكترونات التكافؤ سلوكيا كان وما زال أمرا صعبا.
وما حققه الباحثون من خلال تقنية قراءة “حيود الأشعة السينية باستخدام السنكروترون” في منشأة “إس برينغ-8” الواقعة في محافظة هيوغو في اليابان، ساهم في استخراج كثافة إلكترونات التكافؤ بشكل منفصل عن بقية إلكترونات الذرة، مما سمح لهم بالتعامل مع هذه الإلكترونات دون الاضطرار إلى الوصول إلى الإلكترونات الأخرى داخل الغلاف.
والسنكروترون هو جهاز يستخدم لتسريع الجسيمات المشحونة، مثل الإلكترونات، إلى سرعات عالية جدا تقارب سرعة الضوء، وذلك من خلال استخدام مجالات كهربائية ومغناطيسية، وفي أثناء تسارع هذه الجسيمات داخل مسار دائري، تنبعث منها أشعة كهرومغناطيسية تعرف باسم إشعاع السنكروترون.
نتائج تعارض مفاهيم السحابة الإلكترونية
وأعرب المؤلف الأساسي للدراسة “هيروشي ساوا” في البيان الصحفي الصادر عن الجامعة أن الطريقة كانت سهلة التنفيذ، وكانت النتائج مذهلة، هذا بالإضافة إلى نتائج الدراسة التي خالفت المفاهيم القديمة الشائعة حول طبيعة توزيع هذه الإلكترونات حول نواة الذرة، والتي تقول إن ثمة سحابة إلكترونية متصلة تحيط بالنواة، وهذا يخالف الواقع الذي يقول إن هذه السحابة كانت مجزأة ومنفصلة، وهو ما يعد اكتشافًا ثوريًا.
ولتوضيح هذه النتائج، أنشأ الباحثون خريطة ملونة تمثل ملاحظاتهم بصريا، وأظهرت بوضوح توزيع تلك الإلكترونات في حالة ذرات من الكربون.
وأوضح “ساوا” أنه عندما يكوّن الكربون روابط مع الذرات المحيطة به، فإنه يعيد بناء سحابة الإلكترونات الخاصة به لإنشاء مدارات هجينة، ولوحظ بأن ثمّة مناطق داخل هذه المدارات حيث تكون الإلكترونات غائبة، وهو ما يعارض بشكل صارخ الصورة الشائعة عن السحابة الإلكترونية المحيطة بالنواة من كلّ حدب وصوب.
يمثل توزيع السحابة الإلكترونية المجزأة التي شوهدت في التجربة دليلا مباشرا على الطبيعة الموجية للإلكترونات، ولضمان دقة هذه النتائج، تعاون الفريق مع جامعة “هوكايدو” لإجراء حسابات كيميائية كمية متقدمة، وقد أكدت هي الأخرى لاحقا سلامة النتائج وتوافقها مع التوقعات النظرية.
ولا ترجع فائدة فهم العلماء لتوزيع إلكترونات التكافؤ والتعامل معها على الجانب النظري فحسب، بل يؤثر ذلك بشكل مباشر على العديد من المجالات الصناعية مثل صناعة أشباه الموصلات العضوية وإجراء الأبحاث على الأحماض النووية وغير ذلك.