كشفت دراسة جديدة أن تغير المناخ يغير موسمية تدفق الأنهار، خاصة عند خطوط العرض الشمالية العليا. ووفقا للدراسة التي نشرت يوم 29 فبراير/شباط الماضي بمجلة “ساينس”، تختلف أنماط تدفق الأنهار باختلاف المواسم، وهي دورة تلعب دورا حاسما في الفيضانات والجفاف والأمن المائي وصحة التنوع البيولوجي والنظم البيئية في جميع أنحاء العالم.

وبعد تحليل البيانات التاريخية من محطات قياس الأنهار في جميع أنحاء العالم، وجد الباحثون أن 21٪ من أنهار أميركا الشمالية وأوروبا وروسيا أظهرت تغيرات كبيرة في الارتفاع والانخفاض الموسمي بمنسوب المياه.

التدخلات البشرية

ولإظهار مدى ارتباط تغير تدفق الأنهار مع المواسم في خطوط العرض أعلى من 50 درجة شمالا، أجرى الفريق البحثي عملية إعادة بناء ومحاكاة للتدفق النهري بناء على البيانات الشهرية من 10120 محطة قياس تمتد في الفترة بين عامي 1965 و2014.

ووفقا للنتائج التي أوردها البيان الصحفي للدراسة، استبعد المؤلفون أن تكون التدخلات البشرية المباشرة -مثل إدارة الخزانات أو عمليات استخراج المياه- مسؤولة عن الانخفاض الواسع النطاق في موسمية تدفق الأنهار، وأرجعوها إلى التغيرات المناخية الناجمة عن الانبعاثات التي أحدثها الإنسان في فترة ما بعد الصناعة.

وقال المعد المشارك في الدراسة “ليو قوه جون” أستاذ الهيدرولوجيا في جامعة شمال الصين لعلوم الموارد المائية والطاقة: إن التأثيرات البشرية على المناخ تسببت بانخفاض موسمية تدفق الأنهار، خاصة عند خطوط العرض الشمالية المرتفعة.

وأوضح جون في حديث مع “الجزيرة نت”، أن النتائج المستندة إلى ملاحظات متوسط تدفق النهر الشهري تشير إلى انخفاض مستمر وكبير في موسمية تدفق النهر إذا استمرت درجات حرارة الهواء في الارتفاع.

وأشار الباحث إلى أن عام 2023 كان هو الأكثر حرارة منذ بدء التسجيل، حيث اقترب الارتفاع في الحرارة من عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة التي حددها اتفاق باريس. لذلك، يلفت الباحث إلى أن تغير المناخ الناجم عن الإنسان أدى إلى هذه الظاهرة وما ترتب عليها من تغيرات في موسمية تدفق الأنهار في نصف الكرة الشمالي.

وتعمل الأنشطة البشرية على تغيير أنماط تدفق الأنهار في جميع أنحاء العالم، سواء بشكل مباشر من خلال تنظيم التدفق مثل الخزانات، أو بشكل غير مباشر من خلال تغير استخدام الأراضي وتأثيرات تغير المناخ على درجة حرارة الهواء وهطول الأمطار ورطوبة التربة وذوبان الثلوج.

قياس التدفق

وجد الباحثون أن 40% من المحطات الـ119 التي روقبت في شمال أميركا الشمالية، أظهرت انخفاضا كبيرا في موسمية تدفق الأنهار، ولوحظت نتائج مماثلة أيضا في جنوب سيبيريا حيث أظهرت 32% من المحطات انخفاضا كبيرا. والأمر نفسه أثبتته عمليات الرصد في أوروبا، حيث شهدت 19% من محطات قياس الأنهار انخفاضا كبيرا بشكل رئيسي في شمال أوروبا وغرب روسيا وجبال الألب الأوروبية.

وعلى النقيض من ذلك، وجد الباحثون زيادة كبيرة في موسمية تدفق الأنهار في 25% من محطات القياس في جنوب شرق البرازيل (نصف الكرة الجنوبي)، وهو ما دفعهم للاعتقاد بأن التغيرات في دورة المياه تتفاوت بين شمال وجنوب كوكب الأرض بسبب ارتفاع درجات حرارة الهواء الذي يغير بشكل أساسي الأنماط الطبيعية لتدفق الأنهار.

ويرى جون أن “الجانب المثير للقلق في هذا التغيير هو الضعف الملحوظ في موسمية تدفق الأنهار، وأن هذا هو نتيجة مباشرة للانبعاثات التاريخية التي يسببها الإنسان، وهذا يشير إلى انخفاض مستمر وكبير في موسمية تدفق الأنهار إذا استمرت درجات حرارة الهواء في الارتفاع”.

وفقا للباحثين، يمكن أن يكون لضعف موسمية تدفق الأنهار -على سبيل المثال بسبب انخفاض مستويات الأنهار في الربيع وأوائل الصيف في مناطق ذوبان الثلوج- تأثير أيضا على الغطاء النباتي على ضفة النهر والكائنات الحية التي تعيش في النهر نفسه.

شاركها.
Exit mobile version