تمكن فريق بحثي من جامعة برانديز الأميركية من ابتكار أجهزة تساعد رواد الفضاء عند وقوعهم في حالة الارتباك المكاني، التي يمكن أن تُفقدهم حياتهم إذا ما كانوا يقومون بمناورات خارج المركبات الفضائية، أو حتى داخل المركبات الفضائية.
وبحسب الدراسة التي نشرها هذا الفريق في دورية “فرونتيرز إن فيسيولوجي” فإن الرحلات الفضائية الطويلة الأمد بشكل خاص تتسبب بالعديد من الضغوط الفسيولوجية والنفسية التي تجعل رواد الفضاء عرضة للارتباك المكاني بشكل كبير.
وقد سميت الأجهزة المبتكرة حديثا بأجهزة الاهتزاز، ويتم تدريب رواد الفضاء على الثقة بها في مقابل أجهزة الحس في أجسامهم، لتساعدهم على توجيه أنفسهم في الفضاء بشكل صحيح.
ما الارتباك المكاني؟
والارتباك المكاني هو عدم قدرة الشخص على تحديد وضع جسمه الحقيقي وحركته وارتفاعه بالنسبة إلى الأرض، ويواجه كل الطيارين والغواصين هذه الظاهرة، بل حتى الناس العاديين في الشوارع والأسواق في بعض الأحيان.
فرغم أن معظم الدلائل التي نستخدمها لتحديد موضعنا واتجاهنا مستمدة من الأحاسيس الواردة من العينين والأذنين والعضلات والجلد، فإن الجهاز الحسي البشري لا يكون دقيقا بدرجة كافية في بعض الأحيان لإدراك التغيرات البطيئة والتدريجية في الحركة، أو عندما تكون تغيرات الحركة مفاجئة، حيث تميل أعضاء الحس إلى المبالغة في تقدير درجة التغير.
وأحد النماذج الحياتية للتقريب هي تجربة الضياع في مركز تسوق كبير به ممرات كثيرة ومتاجر متشابهة، حيث يمكن أن يصبح الناس مشوشين بسهولة ويفقدون إحساسهم بالاتجاه، ويكافحون للعثور على طريق الخروج أو العودة إلى متجر معين.
وفي حالة الطيران فإنه عندما يتابع الطيار طائرة أخرى ليلا قد يواجه صعوبة في التمييز بين الحركات الحقيقية والظاهرية للطائرة التي يقودها، وإذا حلقت طائرتان بشكل متواز ولكن بسرعات مختلفة، فإن ذلك يصيب الطيارين بوهم الدوران.
أما في حالة الفضاء فيمكن الخلط بين الأضواء الأرضية أو الأفق أو النجوم التي تبدو متشابهة في كل اتجاه، ومن ثم يؤثر ذلك على رواد الفضاء.
حل ذكي
وبحسب الدراسة الجديدة، فإنه لاختبار أجهزة الاهتزاز الجديدة طبق الباحثون حالة الحرمان الحسي مع نحو 30 مشاركا في التجارب. وتتضمن حالة الحرمان الحسي إزالة المنبهات الحسية من واحدة أو أكثر من الحواس، ويحدث ذلك عبر عصب العينين أو تغطية الرأس أو تغطية الأذن، بينما يمكن استخدام جهاز دوران متعدد المحاور لإفقاد المشاركين حسهم بالاتجاه والموضع.
وقد قُسم المشاركون بعد ذلك إلى 3 مجموعات، تلقت الأولى تدريبا على التوازن في جهاز الدوران متعدد المحاور، وتلقت الثانية أجهزة الاهتزاز، وتلقت الثالثة كلا الأمرين، وعُصبت أعين جميع المشاركين وأعطوا سدادات أذن أو سماعات على الرأس لا تصدر إلا ضوضاء بيضاء.
وبعد كل عدد من التجارب، اختبر العلماء حركة المجموعات الثلاث، وقد كانت المجموعات التي ترتدي أجهزة الاهتزاز أدق بفارق واضح، كما طُلب من المشاركين تقييم مدى شعورهم بالارتباك ومدى ثقتهم في أجهزة الاهتزاز، وتبين للباحثين أن جميع المشاركين تقريبا يثقون في أجهزة الاهتزاز.
وبحسب بيان صحفي رسمي من مؤسسة “فرونتيرز” البحثية الناشرة للدراسة، فإن هذا الفريق يأمل إذا نجحت أجهزة الاستشعار في تجارب أكثر شمولا، أن تساعد رواد الفضاء على الهبوط بأمان على سطح الكواكب ودعمهم أثناء تحركهم خارج المركبات في الفضاء.
ويأتي ذلك في سياق تزايد معدل رحلات الفضاء حول العالم، وبدء بعض الدول مثل الصين والولايات المتحدة في إرسال رحلات فضائية مأهولة للقمر، مع خطط مستقبلية للسفر إلى المريخ، وربما إلى ما هو أبعد من ذلك.
وإلى جانب ذلك ظهرت كذلك نية لدى بعض الشركات لزيادة معدل الرحلات الفضائية السياحية، التي يمكن أن يشارك فيها مواطنون عاديون لا رواد فضاء متخصصون.