تشير دراسة حديثة إلى أن المكونات الأساسية للحياة على الأرض ربما نشأت من الانفجارات الشمسية. وقد أظهرت الدراسة، التي أجراها علماء من مركز “جودارد” لرحلات الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، أن اصطدام جزيئات الجسيمات النشطة من الشمس بالغازات في الغلاف الجوي البدائي للأرض يمكن أن يكون قد أنتج أحماضا أمينية وأحماضا كربوكسيلية، وهي العناصر الأساسية للبروتينات والحياة العضوية.

بحثا عن مكونات الغلاف الجوي للأرض

يقول البيان الصحفي الصادر من مركز “جودارد” في 2 مايو/أيار الجاري إنه لفهم أصول الحياة، يحاول العديد من العلماء شرح كيفية تكوّن الأحماض الأمينية والمواد الخام التي تتكون منها البروتينات وجميع أشكال الحياة الخلوية.

وبحسب البيان، فقد نشأ هذا التفكير في أواخر القرن التاسع عشر، حيث توقع العلماء حينها أن الحياة ربما تكون قد بدأت في “بركة صغيرة دافئة”، أشبه بحساء من المواد الكيميائية، ينشطها البرق والحرارة ومصادر الطاقة الأخرى التي يمكن أن تمتزج معا بكميات مركزة تشكل جزيئات عضوية.

لكن البحث عن مكونات الغلاف الجوي للأرض في الفترة المبكرة، تعود إلى عام 1953، عندما حاول ستانلي ميلر من جامعة شيكاغو إعادة خلق هذه الظروف البدائية في المختبر، حيث ملأ ميلر غرفة مغلقة بالميثان والأمونيا والماء والهيدروجين الجزيئي -وهي غازات يعتقد أنها سائدة في الغلاف الجوي المبكر للأرض- وأشعل شرارة كهربائية بشكل متكرر لمحاكاة البرق، وبعد أسبوع قام ميلر وفريقه بتحليل محتويات الغرفة ووجدوا أن 20 من الأحماض الأمينية المختلفة قد تشكلت.

يقول فلاديمير إيرابيتيان عالم الفيزياء الفلكية في مركز “جودارد”، والذي شارك في الدراسة الجديدة، “كان هذا اكتشافا كبيرا لمعرفة المكونات الأساسية للغلاف الجوي للأرض المبكرة، وذلك عن طريق تخليق هذه الجزيئات العضوية المعقدة”.

فكرة جزيئات الشمس النشطة

وبحسب الدراسة الجديدة، استخدم إيرابيتيان بيانات من مهمة كبلر التابعة لوكالة “ناسا” للتحقق من فكرة جديدة، وهي فكرة الجزيئات النشطة الصادرة من شمسنا، في مرحلة التوهج الفائق المبكرة، بالاعتماد على ملاحظة النجوم البعيدة في مراحل مختلفة من دورة حياتها.

وفي عام 2016 نشر إيرابيتيان، دراسة تشير إلى أنه خلال أول 100 مليون سنة على الأرض كانت الشمس أكثر قتامة بنسبة 30%، لكن “التوهجات الشمسية الفائقة وهي الانفجارات القوية التي نشاهدها مرة واحدة فقط كل 100 عام أو نحو ذلك اليوم كانت تندلع مرة كل 3-10 أيام. وتطلق تلك التوهجات الفائقة جسيمات قريبة من سرعة الضوء من شأنها أن تتصادم بانتظام مع غلافنا الجوي، مما يؤدي إلى بدء التفاعلات الكيميائية”.

يقول إيرابيتيان “بمجرد أن نشرت تلك الورقة، اتصل بي فريق من جامعة يوكوهاما الوطنية من اليابان، حيث كان الدكتور كوباياشي، أستاذ الكيمياء هناك، قد أمضى 30 عاما قبل ذلك التاريخ في دراسة كيمياء البريبايوتك، والتي تحاول فهم كيف يمكن للأشعة الكونية المجرّية أن تؤثر على الغلاف الجوي للأرض في وقت مبكر”.

البحث في البركة الصغيرة الدافئة

وبحسب بيان وكالة ناسا، فإنه للبحث عن تأثرات الأشعة الكونية على الغلاف الجوي للأرض ابتكر إيرابيتيان وكوباياشي ومعاونوهما مزيجا من الغازات التي تتوافق مع الغلاف الجوي للأرض في وقت مبكر كما نفهمه اليوم.

حيث جمعوا ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين الجزيئي والماء وكمية متغيرة من الميثان، يعتقد أن نسبة الميثان في الغلاف الجوي المبكر للأرض غير مؤكدة، ولكن يُعتقد أنها كانت منخفضة، ولهذا أطلقوا النار على خليط الغاز بالبروتونات (محاكاة لجزيئات الطاقة الشمسية) أو أشعلوها مع تفريغ شرارة (لمحاكاة البرق).

ولاحظ الفريق زيادة نسبة الميثان، بنسبة تربو على 0.5%، وهو يعني أن أنواع المزيج التي تم إطلاقها بواسطة البروتونات (جزيئات الطاقة الشمسية) أنتجت كميات قابلة للاكتشاف من الأحماض الأمينية والأحماض الكربوكسيلية، لكن تصريفات الشرارة (البرق) تتطلب تركيزا من الميثان بنسبة 15% تقريبا قبل أن تتكون أي أحماض أمينية على الإطلاق.

يقول إيرابيتيان “وحتى عند وجود 15% من الميثان، فإن معدل إنتاج الأحماض الأمينية عن طريق البرق أقل بمليون مرة من إنتاج البروتونات، حيث تميل البروتونات أيضا إلى إنتاج المزيد من الأحماض الكربوكسيلية (طليعة الأحماض الأمينية) أكثر من تلك التي تشتعل عن طريق التفريغ الشراري، ومع تساوي كل شيء آخر، يبدو أن جزيئات الطاقة الشمسية مصدر طاقة أكثر كفاءة من البرق”.

شاركها.
Exit mobile version