كشف فريق دولي من الباحثين في دراسة علمية جديدة عن إستراتيجية رائدة يمكن أن تُخفّض درجات الحرارة الحارقة في المدن الكبرى الواقعة في مناخ صحراوي حار مع تقليل تكاليف الطاقة.

وأظهرت نتائج الدراسة التي أجريت في مدينة الرياض أنه يمكن خفض درجات الحرارة فيها بما يصل إلى 4.5 درجات عبر الجمع بين نوع جديد من الطلاءات العاكسة للضوء والمساحات الخضراء المرويّة.

وتُعد هذه الدراسة -التي نُشرت في دورية “نيتشر سيتيز”- الأولى من نوعها التي تبحث في فوائد تطبيق تقنيات مبتكرة لتخفيف الحرارة في المدن الحارة، وتقدم حلا واعدا للتحدي المستمر الذي تواجهه العديد من المناطق الحضرية في جميع أنحاء العالم في ظل استمرار ارتفاع درجات الحرارة بسبب الاحتباس الحراري، وشارك في إنجازها باحثون من جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية بالتعاون مع الهيئة الملكية بالرياض وجامعة أثينا.

ظاهرة الجزر الحرارية داخل المدن

مع زيادة سكان المناطق الحضرية في العالم زادت مساحات المدن، وتمددت المباني والطرق الإسفلتية والأسطح على حساب التربة والفضاءات الطبيعية الخضراء. وهذا التمدد أنتج مع ظروف الاحتباس الحراري الذي نعيشه اليوم ما يسمى بالجزر الحرارية داخل المدن التي تتميز بارتفاع نسبي في درجات الحرارة مقارنة بالمناطق المحيطة بها.

وأظهرت بعض الدراسات، وفق تقرير نشر على موقع “إيرث دوت أورغ”، أن تأثير الجزر الحرارية يمكن أن يؤدي إلى زيادة درجات حرارة المناطق الحضرية بما يصل إلى 7 درجات مئوية خلال النهار، و12 درجة مئوية في الليل مقارنة بالمناطق الريفية. ويمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تدهور في جودة الهواء، وزيادة تركيز الأوزون على مستوى سطح الأرض والملوثات الأخرى.

وتشير التقديرات إلى أن الحرارة الشديدة في المناطق الحضرية تؤثر على أكثر من 450 مدينة في جميع أنحاء العالم، مما يزيد من احتياجات استهلاك الطاقة ويؤثر سلبا في الصحة، ويرفع من معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات المرتبطة بالحرارة.

وفي العاصمة السعودية الرياض، تتجاوز درجات الحرارة القصوى 50 درجة مئوية خلال فصل الصيف، مما يجعلها واحدة من أكثر المدن حرارة على مستوى العالم. ويؤدي الجمع بين التحضّر السريع وتغير المناخ إلى رفع درجات الحرارة مع ما بنتج عنه من ارتفاع في استهلاك الطاقة وآثار صحية ضارة.

مواد فائقة التبريد وأشجار مرويّة لخفض الحرارة

وفي الدراسة الجديدة أجرى الباحثون عمليات محاكاة واسعة النطاق لتخفيف الحرارة في منطقة المصيف بالرياض، شملت تقييم أداء الطاقة في 3323 مبنى حضريا. وتضمنت المحاكاة تجربة 8 سيناريوهات مختلفة للتبريد بهدف تحديد الإستراتيجيات المثلى لخفض درجات الحرارة في المدينة وتقليل احتياجات الطاقة.

وبحسب بيان نشر على موقع جامعة نيو ساوث ويلز، وجدت النمذجة -التي أخذت في الاعتبار استخدام مواد ملطّفة للحرارة طورها الباحثون وأنواع من النباتات- أنه من الممكن خفض درجات الحرارة الخارجية في المدينة بنحو 4.5 درجات مئوية خلال فصل الصيف، كما يمكن أيضا زيادة نجاعة الطاقة المستخدمة للتبريد بنسبة تصل إلى 16%.

ويتضمن سيناريو التبريد الموصى به لخفض درحات الحرارة في مدينة الرياض؛ زيادة عدد الأشجار المرويّة إلى أكثر من ضعف عددها اليوم لتحسين التبريد الناتج عن تبخر المياه من هذه النباتات (النتح).

كما يتضمن أيضا استخدام مواد فائقة التبريد تُطبقها على أسطح المباني، وهذه المواد هي نوع من الطلاءات المشعة ظهرت في السنوات القليلة الماضية وتحتوي على مواد مثل الكروم والفليور وعاكسة للضوء.

وأظهرت دراسة سابقة أجريت في مدينة كلكتا الهندية أن هذه المواد يمكن أن تحتفظ بدرجة حرارة تبلغ 25 درجة فقط عندما تصل درجة حرارة المحيط 42 درجة مئوية، كما يمكنها أن توفر تبريدا مجانيا أو حتى تدفئة للمباني عند استخدامها كمكونات سلبية مدمجة في غلاف المبنى، أو أجهزة نشطة لتوفير التبريد المسبق والتهوية مجانا.

ونبه معدو الدراسة إلى أن التنفيذ غير المدروس لتقنيات التبريد الحضرية التي لا تعتمد على أساس علمي مثل استخدام المساحات الخضراء غير المروية، قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في درجات حرارة المدينة.

تحسين نوعية الحياة وخفض تركيز الملوثات

أكد أستاذ العلوم بجامعة نيو ساوث ويلز والمشرف على الدراسة البروفيسور سانتاموريس في تصريح أورده البيان، أن تنفيذ المزيج الصحيح من تقنيات التبريد المقترحة يمكّن من خفض درجة حرارة المحيط، مما يحسن نوعية الحياة للسكان، ويخفض المشكلات الصحية الناجمة عن الحرارة الشديدة. كما يسمح هذا المزيج بتقليل تركيز الملوثات وتحسين الإنتاجية البشرية. وكانت أبحاث سابقة قد توصلت إلى أن تنفيذ إستراتيجيات تبريد مماثلة في مدن أخرى يمكن أن يساعد في تقليل الوفيات المرتبطة بالحرارة.

وإضافة إلى ذلك، أظهرت عملية محاكاة تأثير سيناريو التبريد المقترح على استخدام الطاقة في جميع المباني التي شملتها الدراسة، أن تحسين عمليات العزل في النوافذ والأسقف يمكن أن يقلل الطلب على استهلاك الطاقة المخصصة للتبريد بنسبة تصل إلى 35%، وسيساهم هذا الانخفاض الكبير في احتياجات الطاقة في تقليل التكاليف المرتبطة بالتبريد بمدينة الرياض مع تحسين نوعية الحياة لسكانها، كما يقول سانتاموريس.

ويهدف فريق البحث في المستقبل القريب إلى التعاون مع الهيئة الملكية بالرياض لتنفيذ خطة تخفيف الحرارة المصممة، والتي تعتبر الأكبر من نوعها في العالم.

شاركها.
Exit mobile version