خلال مسيرته العلمية الطويلة، تنقّل العالم العراقي المتخصص في “الروبوتات والميكاترونكس” مكي حبيب، بين أكثر من جامعة في آسيا وأوروبا، قبل أن يحط رحاله في القاهرة منذ عام 2007، أستاذا متفرغا في الجامعة الأميركية.
يمكنك أن تلحظ حماسه الواضح، وهو يتحدث عن رحلته العلمية بين بغداد واليابان وماليزيا وأستراليا وكوريا الجنوبية وسويسرا والقاهرة، لكنْ ما إن تأخذه إلى منطقة السياسة وتأثيرها على مسيرته العلمية، سرعان ما تتبدل مشاعره ليتحدث بنبرة صوت شجية عما آلت إليه العراق التي تأسس علميا في جامعاتها في زمن ما قبل غزو الكويت، والذي كان بداية لدوامة من التدهور لا تزال بلاده تحاول الخروج منها إلى الآن.
وخلال حواره مع “الجزيرة نت” عبر تطبيق “زوم”، تحسّر رجل “الميكاترونكس” (وهو حقل هندسي متشعب يجمع بين الهندسة الميكانيكية والكهربائية والإلكترونيات) على نهضة علمية عاشتها العراق في زمن ما قبل الغزو جعلته لا يشعر بفارق كبير عندما سافر في الثمانينيات إلى اليابان للحصول على الدكتوراه من جامعة “تسوكوبا”، فكانت معامل جامعته في بغداد التي درس بها في مرحلة البكالوريوس ثم الماجستير تعج بأحدث الأجهزة التي تُمكن الباحثين من مسايرة ما يحدث في العالم من تطور.
وتحدث عن أنه -مثل أي مواطن يعيش مغتربا عن بلده- كان يتمنى العودة إلى العراق ليسدد دَينه للبلد التي تأسس فيها علميا بنقل علمه إلى الطلاب العراقيين، لكنّ الأوضاع السياسية حالت دون ذلك، ليعيش رحلة طويلة من الاغتراب لم يغب فيها عن باله هذا الدين الذي يطوق عنقه، وقال إن محطته الأخيرة في القاهرة كانت محاولة لسداد بعضه، لأن “ما لا يدرك كله في بغداد، يمكن تعويض بعضه في القاهرة بنقل علمه للطلاب العرب في الجامعة الأميركية”.
ولم يخل الحوار من استطلاع رأيه بشأن التطورات الأخيرة في “الذكاء الإصطناعي”، والمخاوف من تأثيره على مستقبل الوظائف والبحث العلمي، ورؤيته الخاصة للنهوض بالبحث العلمي في الجامعات العربية، وأبرز وأهم الأبحاث التي يعمل عليها حاليا.. وفيما يلي نص الحوار.
- توقفت رحلتك البحثية بين الجامعات ومراكز الأبحاث عند محطة القاهرة عام 2007 إلى الآن، فما هي المحطات الأخرى التي مررت عليها قبل هذا التوقف الطويل؟
بدأت مسيرتي البحثية بالحصول على الماجستير في هندسة الحاسبات الإلكترونية من الجامعة التكنولوجية في بغداد، وسافرت بعدها إلى اليابان في منتصف الثمانينيات لاستكمال الدراسات العليا، وحصلت في عام 1990 على درجة الدكتوراه في الروبوتات الذكية من جامعة “تسوكوبا” (اليابان)، وعملت بعد ذلك في اليابان عالم أبحاث في معهد الأبحاث الفيزيائية والكيميائية “ريكن”، ثم باحثا كبيرا في مختبرات “ريسو للبحوث”، وذلك قبل الانتقال لمحطة جديدة في سويسرا عملت خلالها باحثا في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في “لوزان”.
وانطلقت من تلك المحطة السويسرية إلى ثلاث محطات في ماليزيا، بدأتها بالعمل لمدة عام واحد فقط مستشارا صناعيا في البنك الآسيوي للتنمية، ثم عملت بعدها لعامين في الجامعة الماليزية التكنولوجية، واختتمتها بالعمل لمدة ثلاث سنوات مديرا أول للمشاريع الهندسية والاستشارات الصناعية بالمركز الماليزي للأتمتة الروبوتية والصناعية.
وعدت من هذه الرحلة في ماليزيا إلى اليابان مرة أخرى للعمل لمدة ثلاث سنوات في مركز أبحاث ياباني ألماني مشترك، وعاد قطاري البحثي مرة أخرى إلى ماليزيا للعمل في جامعة أسترالية لديها فرع هناك وهي جامعة “موناش”، حيث قمت بتطوير وقيادة برنامج هندسة “الميكاترونكس” بها لمدة أربع سنوات، ثم انتقلت للعمل بجامعة أسترالية أخرى توجد بماليزيا هي “جامعة “سوينبيرن” لقيادة هندسة “الميكاترونكس” والإشراف على تطوير منهجها الدراسي.
وانتقلت بعد ذلك إلى كوريا الجنوبية، حيث عملت لمدة عامين في المركز الكوري العلمي المتقدم للعلوم والتكنولوجيا (كايست) لإجراء أبحاثٍ والتدريس بمرحلة الدراسات العليا، ثم عدت مرة أخرى إلى اليابان أستاذا مقيما في جامعة “ساغا”، وانتقلت بعد ذلك إلى محطة القاهرة التي توقفت فيها منذ عام 2007 أستاذا متفرغا للروبوتات والميكاترونكس في الجامعة الأميركية.
- وما الذي جذبك في الجامعة الأميركية بالقاهرة لتمضي بها تلك الفترة الطويلة التي قطعتْ حيرة قطارك البحثي بين محطة اليابان وماليزيا؟
استقراري إلى الآن في تلك المحطة يحقق لي بعضا من الرضا النفسي، فإن لم أستطع أن أكون في العراق حيث أرغب وأتمنى، يمكنني أن أكون في القاهرة وأن أكون قريبا منها (بغداد)، وإن لم أستطع القيام بواجبي كاملا بنقل علمي للطلاب العراقيين، يمكنني أن أدرك بعضا منه بنقله إلى الطلاب العرب بالجامعة الأميركية بالقاهرة.
- ألم تفكر طيلة هذه الرحلة البحثية في العودة إلى محطتك الأولى في بغداد؟
العراق لم تغب عن تفكيري ودَيْنها يطوق عنقي، ولكن الظروف منذ غادرتها إلى اليابان للحصول على الدكتوراه لم تعد مواتية للعودة، فلا توجد فرص عمل مناسبة في الجامعات تناسب تخصصي، والصناعة أيضا شبه متوقفة، ناهيك عن أن الأوضاع الأمنية لم تكن في أفضل حال، وإن كنت أشعر بأن هناك تحسنا واضحا خلال العامين الماضيين.
- وإذا تبدلت الظروف، هل خيار العودة إلى العراق قائم؟
(بنبرة حزينة) بالطبع، فكما قلت لك، فإن هناك دَيْنا يطوق عنقي، وهو نقل علمي إلى الطلاب العراقيين.
- لماذا أصبحت نبرة صوتك أكثر شجنا؟
أمر طبيعي، فهناك حنين فطري للوطن حيث يوجد الأهل والأصدقاء والأقارب، وأتمنى أن تتحسن الأمور أفضل وأفضل وتصبح بلدي أكثر استقرارا.
- قبل وصول العراق لمرحلة عدم الاستقرار، كيف كان حال البحث العلمي في فترة الثمانينيات قبل أن تغادرها إلى اليابان؟
(بنبره صوت أكثر حزنا) كان جيدا للغاية ولا ينقصه شيء، حتى إنني عندما سافرت لليابان في عام 1986 للحصول على الدكتوراه، كان تحصيلي العلمي جيدا للغاية، ولا يختلف عن أقراني ممن درسوا في اليابان، والأجهزة التي كنت أعمل عليها في الجامعة ببغداد لم تكن تقل تطورا عن تلك التي وجدتها في اليابان، وعلى مستوى الصناعة أيضا، كان لدينا نمو واضح وصناعة نشطة.
- بلد بهذا التطور الذي يجعلك لا تشعر حينها بالفرق رغم وجودك في اليابان، ما الذي أوصلها لهذه الحالة من عدم الاستقرار؟
أي بلد لديها حضارة مثل العراق، يكون لديها تطلعات لمستقبل أفضل، ومن الطبيعي أن تكون هناك أطراف أخرى لا تريدك أن تحقق تلك التطلعات، ولو نظرنا إلى الواقع الآن، ستجد أن دولتين في إقليم الشرق الأوسط هما المستفيدتان مما آلت إليه الأوضاع في العراق.
- تقصد إسرائيل وإيران؟
(أومأ بالموافقة) نعم.
- وهل تظن أن الرئيس الراحل صدام حسين استُدرج لسيناريو عدم الاستقرار؟
العراق كان مستهدفا منذ زمن بعيد، وكان وصوله لحالة عدم الاستقرار مسألة وقت، وبالفعل فقد استُدرج الرئيس الراحل لفخ غزو الكويت لتدخل العراق في دوامة عدم الاستقرار، والأمور بالطبع كان يمكن معالجتها بشكل أفضل.
- لم أكن أنوي الخوض بمزيد من التفاصيل في أمور السياسة، ولكن يبدو لي الأمر غريبا أن رئيسا بعقلية استطاعت النهوض بالعراق للدرجة التي جعلتك لا تشعر بفارق عندما سافرت لليابان، هو ذاته نفس الرئيس الذي يُستدرج للوقوع فيما أسميته بـ”الفخ”.
الأمر يتوقف على طريقة الاستدراج، فكما أننا في الروبوتات نعمل على إكسابها القدرة على محاكاة مشاعر وأحاسيس البشر وردود فعله بناء على دراسات أجريت على البشر، فإنه يوجد علم يمكن من خلاله عمل نموذج لأحاسيس إنسان وردود فعله لمعرفة الأشياء التي تتسبب باستثارته وخروج ردود فعله القوية، وكان الحديث عن “إهانة النساء العراقيات” هو الطُّعم الذي استُدرج الرئيس الراحل به بناء على تلك الدراسات للقيام بغزو الكويت.
- عذرا على هذا الاقتحام العارض لساحة السياسة والذي لا يكون مفضلا لدى العلماء، وأعود مجددا لساحة العلم من خلال سؤالك عن تقييمك لمستوى الطلاب العرب عند وضعهم في المقارنة مع الطلاب الأجانب الذين تعاملت معهم خلال رحلتك البحثية الطويلة؟
بكل موضوعية؛ الطلاب العرب لا يقلون، بل يزيدون في بعض الأحيان عن أقرانهم في الغرب من ناحية القدرة على التحصيل، لكن شريطة “بذل الجهد”، فالإمكانيات الفكرية لدى الطالب العربي ممتازة، وعندما يدعم ذلك ببذل الجهد فإنه يكون على نفس مستوى الطالب الغربي إن لم يتفوق عليه في بعض الأحيان، فطيلة مسيرتي العلمية لم أجد طالبا عربيا يدرس في الغرب ولم يحقق نجاحا، والسبب أنه في مهمة تفرض عليه بذل الجهد حتى لا يعود إلى بلاده خالي الوفاض، ولذلك يحقق النجاح المطلوب، ومؤخرا ترسخت لدي تلك القناعة، فمن بين الطلاب الذين أقوم بالتدريس لهم الآن في الجامعة الأميركية بالقاهرة، ستة طلاب أمريكيين، ومستوى الطلاب العرب لا يقل عنهم، بل إن بعضهم يزيد.
- أسعدني كثيرا هذا الانطباع، لأنه يعني امتلاكنا لأهم مادة خام لتطوير الصناعة وهي العقول البشرية، لكنْ لماذا لا نحسن في عالمنا العربي استغلال تلك المادة الخام لخلق الرابط بين الصناعة والبحث العلمي؟
خلق هذا الرابط يأتي في الأساس من الصناعة التي يجب أن تسعى لامتلاك مراكز أبحاث خاصة بها، أو تتعاون مع شركات البحوث التي تنتج الأبحاث لصالح قطاعات صناعية معينة، فبدون هذه المهمة لن تستطيع الصناعة تطوير نفسها، وستخرج من السوق، وأذكر أنني عملت في اليابان بإحدى هذه المراكز البحثية على الأبحاث الخاصة بالروبوتات التي يمكنها الدخول لمناطق لا يستطيع الإنسان دخولها، مثل المناطق عالية الإشعاع والحرارة، وأصبحت هذه الروبوتات الآن واقعا.
- وهل كل الأبحاث تتحول لمنتجات؟
من كل 50 بحثا، لا يتحول لمنتج سوى 5 أو 8 فقط، وهذا يأخذنا إلى قضية الدعم المادي، فالشركات لا تبخل في الإنفاق على البحوث ولا على الباحثين، حتى لو كانت المحصلة 5 أو 8 أبحاث فقط هي التي ستتحول لمنتجات، لأنه بدون ذلك سيأتي وقت وتخرج من السوق، لأن منتجاتها لم تعد متطورة بما يكفي.
- وهل الصناعة العربية لا تعرف هذه الحقيقة؟
الصناعة في العالم العربي تريد إذا أنفقت مليون دولار أن تحقق مكسبا يفوق ما أنفقته الضعف خلال السنة الأولى، وهذا يجعل سعر المنتج مرتفعا فلا يحقق التنافسية المطلوبة، وبالتالي يُظلم البحث العلمي، فالمكسب السريع قاتل للصناعة، ويجب أن تكون هناك خطط متوسطة وطويلة الأمد تعتمد على البحث العلمي، وفي النهاية سيتحقق المكسب.
- وما دور الحكومات في خلق هذا الرابط بين الصناعة والبحث العلمي؟
من يخلق الرابط كما قلت هي الصناعة، لأنها هي التي تملك التمويل ولديها المشكلات التي تحتاج لتدخل الباحث، والقضية بحاجة إلى مشروع للتعاون بين الاثنين يخطط له جيدا، ولا نستعجل حصد ثماره، ويكون بمثابة نموذج يُبنى عليه، لكن الحكومات لها دور آخر هو تمويل الأبحاث في العلوم الأساسية، والتي لا يكون لها مردود تطبيقي واضح.
- ومن جدل الرابط بين الصناعة والبحث العلمي، إلى جدل آخر يتعلق بتطبيقات الذكاء الاصطناعي والمخاوف من تأثيرها على مستقبل البشرية، فهل تستند هذه المخاوف إلى أساس علمي؟
(ضاحكا) التاريخ على ما يبدو يعيد نفسه، ففي بدايات ظهور الآلة الحاسبة كانت هناك مخاوف من أنها ستدفع العقل البشري إلى الخمول والكسل، ولم يحدث ذلك، وأصبحت من الأساسيات، وكذلك عندما ظهر الكمبيوتر كانت هناك مخاوف من أن الاعتماد عليه سيؤثر في القدرات البشرية في التفكير والإبداع، ولكن على النقيض تماما كان عاملا مساعدا، وتضاعفت أعداد الأبحاث العلمية في عصر الكمبيوتر، والذكاء الاصطناعي في تقديري يمر بنفس المرحلة من الريبة والشك، والتي سيتجاوزها خلال فترة لن تتجاوز ست سنوات من الآن، ويصبح مثل الآلة الحاسبة والكمبيوتر من أساسيات الحياة، لذلك يجب على الجامعات أن تستعد من الآن بالتجاوب مع هذا الواقع الذي يفرض نفسه بإحداث تغييرات في تركيبتها الدراسية وتدريب الطلاب على الاستخدام السليم لهذه الأداة.
- على ذكر الاستخدام السليم، فإن من أبرز مشاكل الذكاء الاصطناعي إساءة استخدامه من قبل الطلاب في إعداد الأبحاث العلمية، فكيف تتعامل من منظور أستاذ جامعي مع هذا التحدي؟
لا أمنع طلابي من استخدام الذكاء الاصطناعي شريطة أمرين: أولهما الإشارة بشكل واضح في المصادر إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، والثاني تحمل مسؤولية أي أخطاء في المحتوى الذي يمكن أن يقحمه الذكاء الاصطناعي، وهذا سيقتضي أن يعود الطالب إلى المصادر التي اعتمد عليها الذكاء الاصطناعي في معلوماته للتأكد من مصداقيتها.
- وما الفائدة إذن من استخدام الذكاء الاصطناعي طالما أن الطالب سيعود إلى المصادر؟
الفائدة هي أن الذكاء الإصطناعي سهل كثيرا من مهمة البحث، وجمع لك كل ما تحتاجه في مكان واحد بدلا من الغوص في نتائج محركات البحث، ولكن الأمر يتوقف على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، فحتى تحصل على إجابة مفيدة لا بد أن يكون سؤالك صحيحا، لأنك إن لم تسأله السؤال الصحيح سيأتيك بإجابة مضللة، لذلك كما قلت لك فإن الجامعات عليها أن تُعنى بالتدريب على تطبيقاته، لأنه سيصبح من أساسيات الحياة.
- لأنه سيصبح من أساسيات الحياة -كما قلت- فإن هناك مخاوف من أنه سيؤدي إلى اختفاء بعض الوظائف؟
(مبتسما) وما المشكلة في ذلك؟ فكما أنه سيؤدي لاختفاء وظائف سيكون سببا لظهور أخرى جديدة، ولا بد لأصحاب الوظائف القديمة من تطوير قدراتهم للاستعداد لسوق العمل الجديد الذي سيفرضه الذكاء الاصطناعي.
- وهل ستتأثر وظيفة الأستاذ الجامعي بالذكاء الاصطناعي، فقد لا يحتاج الطالب لشرح أستاذه وهو يملك أداة يستطيع أن يسألها أي سؤال -حتى لو كان غبيا- فتجيبه؟
الذكاء الاصطناعي لن يلغي الأستاذ الجامعي لكن سيغير من طبيعة مهمته، فقاعة المحاضرات ستصبح مكانا ليس لشرح الدروس ولكن للمناقشة بين الطالب وأستاذه، فالأستاذ لن ينفق وقته في الشرح لأن الذكاء الاصطناعي سيفعل ذلك قبل موعد المحاضرة، وستكون وظيفة الأستاذ هي إجراء مناقشة مع طلابه حول ما فهموه، وبالتالي سيكمل الأستاذ الجامعي والذكاء الاصطناعي بعضهما البعض، وأتوقع حدوث ذلك سريعا خلال فترة لا تتعدى الست سنوات.
- وهل سيكون ذلك في صالح العملية التعليمية؟
بالطبع، فالأستاذ كما قلت لك لن ينفق وقته في الشرح، وسيتحول التدريس إلى مناقشة وتوجيه والدخول في العمق، وستصبح العملية الدراسية أكثر تشويقا، لأنها ستكون تفاعلا بين طرفين وليست في اتجاه واحد من الأستاذ إلى الطالب.
- ختاما، إذا أردنا أن نتوقف عند أهم مشروعاتك البحثية التي تعمل عليها حاليا، فماذا تقول؟
أعمل على مشروع علمي مع اليابان لتحديد عيوب المنتجات الصناعية باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهذا مشروع قد يلغي الحاجة إلى مراقبي الجودة البشريين، وفكرته تقوم على وجود آداة تُدخل لها صورا لأبرز العيوب، وكذلك صورا للمنتجات السليمة، فيتدرب النظام على اكتشاف العيوب التي قد تحدث في المنتجات بفعل الذكاء الصناعي، ويصبح قادرا على اكتشافها بشكل أسرع وأدق من البشر، وحتى لا يقال إن الذكاء الاصطناعي يلغي الوظائف، فإنه يتعين -كما قلت لك سابقا- تأهيل من تتأثر أعمالهم للقيام بأعمال أخرى تساير روح العصر، لأن الذكاء الاصطناعي أصبح واقعا، ويجب علينا التكيف معه.
وبنفس منطق اكتشاف عيوب المنتجات، أعمل على مشروع بحثي آخر يزيد من دقة تشخيص الأورام السرطانية عن طريق أداة تُزوَّد بصور أشعة لمرضى وصورا أخرى للجسم السليم، حتى تستطيع المساعدة في الاكتشاف السريع والدقيق لأي أورام في الجسم.
وهناك مشروع ثالث في مجال الصيانة التنبؤية، وهو قائم على استغلال الذكاء الاصطناعي بعد تدريبه أيضا على البيانات لاكتشاف الأعطال قبيل حدوثها، ومن ثم توجيه عملية الصيانة قبل أن يحدث العطل ويتسبب بحدوث خسائر كبيرة.
كما اختاروني عضوا في مشروع جديد ممول من الاتحاد الأوروبي وتشترك فيه سبع دول، وذلك عن استخدام الذكاء الاصطناعي في أغراض الزراعة المستدامة، وكُلفت مؤخرا من قبل الناشر الدولي (السفيا) بقيادة مشروع لبناء إنسكلوبيديا (موسوعة أو قاموس مرشد للعلوم والفنون والمهن) في الذكاء الاصطناعي.
- أشعر وكأن الذكاء الاصطناعي أصبح يوجهكم نحو نوعية معينة من الأبحاث؟
الذكاء الاصطناعي أداة عصرية مرنة للغاية يمكن استخدامها متى نجحتَ في تغذيتها بالمعلومات لإجراء أبحاث في أي اتجاه تريده، المهم أن تزودها بالمعلومات، وربما ستكون هذه هي مشكلتنا في العالم العربي حيث لا توجد ثقافة تجميع المعلومات، وإن كانت المعلومات متوفرة يتم إحاطتها بسياج من السرية، لذلك نحن نعتمد في أغلب أبحاثنا على المعلومات المتاحة في الغرب، فمثلا في موضوع الصيانة التنبؤية عملنا على التنبؤ بأعطال بطاريات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية، وكذلك على التنبؤ بأعطال محرك نفاث تستخدمه وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، والسبب في ذلك أن هناك بيانات متاحة عنهما.
- وما المطلوب حدوثه حتى يتغير هذا الوضع؟
نحتاج للاهتمام بثقافة جمع المعلومات، لأنها هي غذاء الذكاء الاصطناعي، ونحتاج إلى ضوابط قانونية تنظم استخدامها متى كانت متوفرة.