وأنت تضع رقائق الذرة “كورن فليكس” في وعاء الحليب، تلاحظ أنها تتجمع معا لتشكل مجموعات صغيرة على السطح، في ظاهرة تُعرف باسم “تأثير تشيريوس”، نسبة إلى العلامة التجارية الأشهر في تصنيع هذه المنتجات، وتسمى هذه الظاهرة “التوتر السطحي”، أي “ميل الجزيئات الموجودة على سطح سائل إلى الالتصاق ببعضها البعض ومقاومة الانفصال”.

وفي مشهد شبيه، وجد باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالسعودية “كاوست”، أنه عندما يلامس بخار الماء الموجود في الهواء سطحا باردا، فإنه يتكثف إلى قطرات صغيرة تشبه قطرات الندى التي تتشكل على زجاج السيارة، ووجدوا أن “تأثير تشيريوس” الذي يحدث في وعائك يتكرر بنفس الكيفية، حيث تبدأ قطرات الماء في التجمع معا على السطح بفضل نفس قوة التوتر السطحي، وهي الملاحظة التي نجح الباحثون في تطويرها بما يمكن أن يساعد مستقبلا في تسريع حصاد المياه من الغلاف الجوي في المناطق القاحلة مثل السعودية، وقد أعلنت دورية “فيزيكال ريفيو ليترز” عن هذا الكشف الذي توصلوا له.

تطوير الملاحظة.. طبقة زيت؟

كانت فكرة الباحثين لتطوير الملاحظة أنّ تغطية السطح البارد بطبقة رقيقة من الزيت يساعد على تشحيم السطح، مما يسمح لقطرات الماء بالتحرك بحرية أكبر، وهو ما يعظّم من التأثير التجميعي لالتقاط المزيد من الماء من الهواء بكفاءة.

كما وجدوا أن تشحيم السطح يجعل القطرات تتحرك في نمط أفعواني راقص يشبه الثعبان، قبل أن تنتقل إلى حركات دائرية. وتستمر هذه الرقصة، حيث تتحرك القطرات، مما يخلق حركة ديناميكية على السطح.

ومثلما تتجمع رقائق الذرة معا في “تأثير تشيريوس”، تساعد هذه الحركة الديناميكية على انجذاب القطرات إلى بعضها البعض، وعندما تندمج تطلق الطاقة، مما يدفعها إلى الحركة التي تساعد بدورها على إعادة توزيع طبقة الزيت على السطح، مما يتيح مساحة لمزيد من القطرات لتتكثف وتنضم إلى الرقصة.

ويأمل الباحثون أن يساعد فهمهم لرقصة قطرات الماء على تصميم أجهزة تعمل بكفاءة أفضل من المتاح حاليا لالتقاط المياه من الهواء، خاصة في المناطق الجافة حيث تندر المياه.

الباحثون التقطوا حركة جماعية معقدة لقطرات ماء، تتأرجح بين حركات أفعوانية ودائرية، أثناء تكثفيها على طبقة زيتية رقيقة ( كاوست)

مياه بدون مدخلات للطاقة

والحلول المتاحة حاليا لحصاد المياه من الهواء ما يلي:

  • مزيلات الرطوبة: وهي أجهزة للاستخدام المنزلي مصممة لامتصاص الهواء الرطب وتبريده لتكوين قطرات الماء، ثم يُجمع الماء في دلو أو ما شابه، ثم يرسل الجهاز هواء أكثر جفافا للمساعدة في تقليل الرطوبة في الغرفة.
  • مولدات المياه الجوية: وهي أجهزة مصممة خصيصا لالتقاط المياه من الغلاف الجوي، وغالبا ما تستخدم مزيجا من تقنيات التبريد والتكثيف لاستخراج بخار الماء من الهواء والذي يرشح ويجمع في صورة مياه صالحة للشرب.
  • شبكات الضباب: عبارة عن هياكل شبكية توضع في المناطق الضبابية لالتقاط قطرات الماء من الضباب، ومع مرور الضباب عبر الشباك، تتكثف قطرات الماء على الشبكة وتتدفق إلى أنظمة التجميع.

ويُستخدم الجهاز الأول عادة على نطاق صغير للغاية داخل غرفة في مسكن، ويتطلب تشغيله طاقة، أما الثاني فيُستخدم غالبا في المناطق ذات الرطوبة العالية، ويحتاج أيضا إلى طاقة، والثالث فعال فقط في المناطق المعرضة للضباب.

يقول أستاذ مساعد الهندسة الميكانيكية بجامعة كاوست “دان دانيال”، وهو الباحث الرئيسي بالدراسة: إن الأجهزة التي يعملون عليها تتجاوز عيوب كل الحلول المتاحة من حيث العمل على نطاق واسع، والتقاط الماء بكفاءة من الهواء عن طريق التكثيف البسيط، دون أي مدخلات للطاقة.

وفي بيان صحفي أصدرته جامعة كاوست، يتوقع دانيال أن يحظى هذا التوجه بمزيد من الدعم، بسبب الحاجة إلى زيادة موارد المياه العذبة على نطاق واسع مع تزايد الضغط على المصادر المتاحة حاليا.

ووفق تقديرات الأمم المتحدة، يفتقر ما يقرب من 50 مليون شخص في المنطقة العربية إلى مياه الشرب الأساسية، ويعيش 390 مليونا في المنطقة -أي ما يقرب من 90% من إجمالي عدد السكان- في بلدان تعاني من ندرة المياه.

أسئلة إضافية.. ووعد بالإجابة

ومن جانبه أعرب رئيس وحدة الري بمركز بحوث الصحراء بمصر محمد الحجري، عن إعجابه بما توصل له الباحثون، معتبرا أنه مقترح يبدو براقا لتعظيم مصادر المياه العذبة. لكنه شدد في الوقت نفسه أن الإعجاب بالفكرة لا يمنع من طرح بعض التساؤلات الهامة التي يتعين على الباحثين الإجابة عليها في دراسات لاحقة.

ويوضح الحجري في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت” أن “ما توصل له الباحثون في الدراسة هو عمل نظري أثبتوا من خلاله مفهوما جديدا، وهو أن إضافة طبقة زيتية يزيد من تجمع قطرات المياه، ولكن حتى ينتقل هذا المفهوم إلى البعد التطبيقي المتمثل في استخدامه لإنتاج جهاز جديد، ينبغي الإجابة على ثلاثة أسئلة”:

  • أولا: كيف يمكن تحسين خصائص الطلاءات السطحية مثل السُمك والتركيب والمتانة، لتعزيز كفاءة تكثيف الماء وحركة القطرات؟
  • ثانيا: ما هو الأداء والثبات على المدى الطويل للطبقات السطحية التي عوملت بالزيت في ظل الظروف البيئية المختلفة، مثل التغيرات في درجات الحرارة والتعرض لأشعة الشمس وملوثات الهواء؟
  • ثالثا: ما هي نوعية المياه المحصودة، وكيف يمكن مقارنتها بمصادر المياه العذبة الأخرى، وهل هناك أي ملوثات محتملة ناتجة عن الطلاء السطحي أو مواد التشحيم الزيتية؟

ويَعد أستاذ مساعد الهندسة الميكانيكية بجامعة كاوست “دان دانيال” في البيان الصحفي الذي أصدرته كاوست، باستكمال الدراسات للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، ويقول: “سنعمل على دراسة كيفية تحسين الحركة الجماعية لقطرات التكثيف، حتى نزيد معدلات التكثيف بشكل كبير، وبالتالي تصميم أجهزة أكثر كفاءة لجمع المياه”.

ويضيف: “لتحقيق ذلك نخطط لاستكشاف المزيد من الآليات التي تحرك حركة القطرات، ولا سيما التحقيق في الانتقال من الحركة الأفعوانية إلى الدائرية”.

شاركها.
Exit mobile version