نشرت مؤخرا وكالة الفضاء الأميركية صورة خلابة التقطت بواسطة تلسكوب “هابل” الفضائي للمجرّة الحلزونية “إن جي سي 3430” الواقعة في كوكبة الأسد الأصغر، وتبعد مسافة 100 سنة ضوئية عن الأرض، ويظهر في الصورة الملتقطة تفاصيل تصف البنية المعقدة للمجرّة والنشاط الديناميكي المثير لنجومها وسحب الغاز والغبار.

وتعد مجرة “إن جي سي 3430” إحدى المجرات المكتشفة على يد الفلكي البريطاني الشهير “ويليام هيرشل”، وهي مثال صريح على المجرات الحلزونية التي تتميز بمركز لامع وأذرع ممتدة وملتوية يملؤها الغبار الداكن حيث توجد مناطق تشكّل النجوم النابضة، وتكشف أيضا الصورة بقعا زرقاء ساطعة تمثّل بؤر ولادة النجوم الحديثة، ويقع جلّها خارج امتداد الأذرع.

وتنتمي المجرة “إن جي سي 3430” إلى فئة المجرات “الحلزونية” ذات التصميم العظيم، وهي المجرات الحلزونية التي تكون أذرعها بارزة وواضحة المعالم، وتتميز هذه الفئة من المجرات بعناقيد نجوم زرقاء لامعة وممرات غبار ملتوية واضحة.

مجرة السيد هابل

ويرجع تاريخ هذه المجرّة إلى الفترات الأولى التي عمل فيها الفلكي الأميركي “إدوين هابل”، والذي تُعزى تسمية التلسكوب الفضائي إليه، إذ استعان “هابل” بمجرّة “إن جي سي 3430” في عملية تصنيف المجرات.

ففي الورقة البحثية الرائدة التي نشرها عام 1926، حدد “هابل” مخططا لتصنيف المجرات بناء على المظهر والشكل الخارجي، وهو التصنيف المعتمد حتى اليوم تقريبا. وتندرج هذه المجرة ضمن فئة المجرّات الحلزونية “غير الضلعية” على وجه التحديد، وذلك قياسا على أذرعها المفتوحة والمحددة بوضوح، مفتقرة إلى ضلع مركزي يتوسطها.

كما تعكس البقع الزرقاء الساطعة المنتشرة في المجرة أماكن تكوّن النجوم الناشئة، وهي كثيرة نسبيا نظرا إلى تأثير جاذبية مجرة أخرى قريبة، حيث تحرك المجرات القريبة سحب الغاز والغبار، مما يدفعها لتكوين النجوم الجديدة بمعدلات أعلى من المعتاد.

تلسكوب “هابل” الأسطورة الحيّة

ساهم التلسكوب الفضائي “هابل” في تغيير فهم البشرية حول الفضاء بشكل جذري، فمنذ انطلاقته عام 1990 ووصوله إلى الفضاء الخارجي عند مدار منخفض حول الأرض، قدّم هابل مشاهد تفوق الوصف وغير مسبوقة حول طبيعة المجرات والنجوم والسدم، وتسبب في صياغة علم الفلك الحديث بنسبة كبيرة.

وتغطي عدسات “هابل” نطاقا واسعا من الأطوال الموجية من الأشعة فوق البنفسجية إلى الأشعة تحت الحمراء القريبة، لكنها تركز على نطاق الضوء المرئي، مما يتيح للعلماء دراسة الكون بشكلٍ مفصل.

وتعد إحدى مساهمات تلسكوب “هابل” المهمة هي تحديد “ثابت هابل”، وهو الثابت المعني بقياس معدل تمدد الكون، ومن خلال مراقبة المجرات البعيدة وقياس انزياحاتها الحمراء. وأدى هذا الاكتشاف إلى الاستدلال على وجود الطاقة المظلمة العجيبة التي تمثل نحو 95% من بنية الكون رفقة المادة المظلمة. كما ساهم تلسكوب “هابل” في تقدير عمر الكون البالغ حوالي 13.8 مليار سنة، وفقا لاتفاق الدراسات في هذا النطاق.

وثمّة صور عديدة شهيرة التقطها “هابل” خلال فترة عمله البالغة قرابة 25 عاما، ومنها “أعمدة الخلق” الخلّابة في سديم النسر، والتي كشفت “ناسا” مؤخرا مقطعا ثلاثي الأبعاد يصوّر الهياكل السماوية الشاهقة بدقّة متناهية باستخدام بيانات جمعها المصممون من تلسكوبي “هابل” و”جيمس ويب” الفضائيين، ويعد هذا المقطع هو الأكثر شمولا وتفصيلا لأعمدة الخلق الأيقونية.

وساهم كذلك “هابل” في البحث عن العوالم الأخرى البعيدة الصالحة للحياة، عن طريق تحليل الضوء المرئي القادم من النجوم والتي تمرّ عبر الغلاف الجوّي للكواكب الخارجية، وبهذه التقنية تمكّن العلماء من العثور على بخار الماء والميثان وجزيئات كيميائية أخرى رئيسة، وهي فلكيا، تُعد محددات لوجود نمط من أنماط الحياة.

شاركها.
Exit mobile version