في عام 1946، طور عالم النفس الاجتماعي النمساوي “فريتز هايدر” نظرية التوازن التي تُستخدم لشرح أنماط العلاقات بين الناس، والآن بعد قرابة ثلاثة أرباع قرن تمكن علماء الفيزياء والإحصاء من تأكيد صحتها.

عدو عدوي صديقي

في نظريته، أوضح هايدر أنه لا بد من وجود توازن بين العلاقات الشخصية حتى يُمكن تحقيق الانسجام النفسي، فإذا كان هناك شخصان أو أكثر يتشاركان أفكارا متشابهة عن شيء ما، فمن غير المحتمل أن يكون هناك أي توتر أو تعقيد يحيط بهذه العلاقة.

ما سبق هو مثال على هيكل علاقات متوازن تشيع فيه المشاعر المريحة، لكن الهياكل غير المتوازنة ترتبط بمشاعر غير مريحة، وهذا ما يدفع الإنسان إلى السعي لتحقيق التوازن عن طريق عمل تعديلات دائمة في علاقاته.

وعلى سبيل المثال، إذا كنت تحب أحد مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، ثم وجدته يروّج لمنتج لا تحبه، فإن رأيك فيه وفي المنتج سيرتبك، مما يؤدي إلى التنافر المعرفي، وذلك حتى تقرر أن المنتج ليس سيئا أو أنك لا تحب هذا الشخص حقا، وهذا يحقق الانسجام مرة أخرى.

ويقترح هايدر في نظريته أن التوازن فى العلاقات يشتمل على أربع قواعد هي:

  • صديق صديقي صديقي.
  • عدو صديقي عدوي.
  • صديق عدوي عدوي.
  • عدو عدوي صديقي.

وهذا النموذج المكوّن من علاقة بين ثلاثة أفراد (صديقي وعدوي وأنا) يمكن تعميمه بحسب هايدر على كل أشكال العلاقات في المجتمع، حتى يتحقق الانسجام النهائي بين أفراده.

الفيزياء تتدخل

وعلى الرغم من أن دراسات لا حصر لها حاولت تأكيد هذه النظرية، فإن جهودها باءت بالفشل، لأنها لم تتمكن من استيعاب التعقيدات داخل العلاقات الإنسانية التي تؤثر في التوازن الاجتماعي بشكل كامل، مما يؤدي إلى نتائج غير متسقة.

لكنْ مؤخرا، نجح فريق من جامعة “نورث وسترن” الأميركية باستخدام الفيزياء النظرية الإحصائية في دمج القطع الأساسية التي تجعل إطار عمل “هايدر” الاجتماعي ناجحا في الحياة الواقعية. ومع تشغيل النماذج التي ابتكروها خرجت النتائج إيجابية ومتسقة.

واستخدم الباحثون نفس الفيزياء التي اعتمد عليها الحاصل على جزء من جائزة نوبل في الفيزياء عام 2021 “جورجيو باريزي”، والذي درس الأنظمة الفيزيائية المعقدة وتقترح أنه يمكن للتفاعلات المتنافسة أن تؤدي إلى ما يسمى بالإحباط المتأصل.

ويشير باحثو “نورث ويسترن” في دراستهم التي نشرت بدورية “ساينس أدفانسز” إلى أن الأنظمة الاجتماعية تُظهر أحيانا إحباطات مماثلة، فيمكن للعلاقات أو المواقف المتضاربة بين الأشخاص أن تخلق حالة من عدم التوازن أو التوتر داخل الشبكة الاجتماعية.

وبحسب الدراسة، يمكن لهذا النموذج الفيزيائي الجديد أن يساعد الباحثين على فهم أفضل للديناميكيات الاجتماعية، بما في ذلك الاستقطاب السياسي والعلاقات الدولية وصولا إلى سلوك البشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

شاركها.
Exit mobile version