يمتلك القمر جانبين يُطلق عليهما مجازا الجانب القريب وهو الذي يواجه الأرض دائما، والجانب البعيد وهو النصف الآخر الذي لا يظهر. ويمثل القمر أحد الألغاز القديمة لعلماء الفلك بسبب غياب التماثل بين كلا جانبيه في عدة مستويات مثل سمك القشرة والنشاط البركاني.

وفي دراسة حديثة نُشرت في مجلة “إيرث آند بلانيتاري ساينس ليترز”، بحث علماء من قسم علوم الأرض في جامعة “هونغ كونغ” بالتعاون مع مؤسسات عالمية أخرى النشاط البركاني في حوض أبولو الواقع ضمن دائرة القطب الجنوبي للقمر. ووجد العلماء نشاطا بركانيا غامضا ومتنوّعا في هذه المنطقة التي من المقرر أن تهبط فيها المركبة الفضائية الصينية “تشانغ آه 6” في وقت لاحق من الشهر المقبل.

وتظهر الدراسة أنّ حوض أبولو، الذي يقع في الجانب البعيد من القمر، شهد أنشطة بركانية واسعة النطاق من العصر النكتاري قبل نحو 4 مليارات سنة، وامتدت إلى فترة عصر الإراتوستينيان قبل نحو 1.8 مليار سنة.

ومن المعروف لدى العلماء أن النشاط البركاني يتأثر جذريا بسماكة القشرة التي يحدث بها، فإذا كانت القشرة متوسطة السماكة كما هو الحال في القطب الجنوبي للقمر، فإنّ شقوقًا مميزة يُطلق عليها “السدود البركانية” تتشكّل أسفل السطح مباشرة، لتندفع الحمم البركانية للانتشار بشكل أفقي بدلا من أن تصعد إلى أعلى السطح، ليتكوّن بذلك طبقة صخرية مسطّحة تحت السطح يُطلق عليها العتبة الموازية أو “الجيب البركاني”.

وإذا تقلصت سماكة القشرة في مواضع معينة لسقوط نيزك أو ما شابه كما هو الحال في بعض المناطق عند حوض أبولو، فستصل هذه السدود البركانية إلى السطح، وتندفع الصهارة إلى قاع الفوهة لتمتلئ بالحمم البركانية. أما إذا حافظت القشرة على سماكتها فإنّ هذه الصهارة تبقى في باطن الأرض مشكّلة ما يُعرف بـ”غرف الصهارة”.

ويقول الدكتور “يوكي تشيان” أحد القائمين على الدراسة في تصريح نقلته جامعة هونغ كونغ: يشير هذا الاكتشاف الجوهري إلى أن ثمّة تناقضا في سماكة القشرة القمرية بين الجانب القريب والجانب البعيد، وقد يكون هو السبب وراء النشاط البركاني غير المتماثل على سطح القمر، كما أنّ العينات التي ستجلبها المركبة الفضائية “تشانغ” مستقبلا ستكون حاسمة.

وحيث ستهبط المركبة الفضائية في رحلتها التاريخية في حوض أبولو، توجد هناك بؤرتان حدث فيهما اندلاع لبركانين فيما سبق. ويعتقد العلماء أنّ البركان الأوّل اندلع قبل نحو 3.34 مليارات سنة بتركيبة منخفضة من عنصر التيتانيوم، ويغطي المنطقة المنخفضة بين حلقة أبولو وحافة الحوض. وأما الثاني فوقع قبل نحو 3.07 مليارات سنة بتركيبة عالية من التيتانيوم باتجاه فوهة “تشافي” جنوبا.

ويقترح باحثو الدراسة أنّ جلب عينات من كلا المنطقتين البركانيتين سيوفر أدلة علمية إضافية، كما تساهم نتائج الدراسة في وضع إطار جيولوجي لفهم العينات التي ستُجلب مستقبلا، وستكون مرجعا رئيسيا في عملية تحليل البيانات.

وتعد جامعة هونغ كونغ هي الجامعة الوحيدة في منطقة هونغ كونغ التي تمتلك تربة من القمر حصلت عليها إثر عودة مركبة الفضاء الصينية “تشانغ آه 5” قبل 3 أعوام. ويسعى الفريق الجيولوجي إلى الحصول على العينات القادمة كذلك لدى عودة “تشانغ آه 6” منتصف هذا العام، وبالتالي ستكون المؤسسة العلمية الوحيدة في العالم التي تمتلك عينات من كلا جانبي القمر القريب والبعيد.

وانطلقت مركبة “تشانغ آه 6” على متن صاروخ “لونغ مارتش 5” في وقت سابق من هذا الشهر، وهي في طريقها الآن نحو القمر، ومن المتوقع هبوطها في مطلع الشهر القادم، وتعمل على تنقيب وجمع كيلوغرامين من عينات القمر، ثم العودة إلى الأرض.

شاركها.
Exit mobile version