يتفق علماء الكونيات على أن هذا الكون قد بدأ بما يُسمى “الانفجار العظيم”، الذي نشأ معه كل ما نعرفه في الكون الآن من مادة، مع الزمان والمكان نفسهما، لكن نتائج دراسة جديدة تخالف ذلك، وتشير إلى أن الكون أقدم من الإنفجار العظيم بكثير.

وفقا للفرضية التي تطرحها الدراسة، فإن الكون ينخرط في حلقة دورية طويلة الأمد تمر بين مرحلتي الانكماش والتمدد المستمرين، ويعتقد الباحثون في الورقة المنشورة بمجلة “جورنال أوف كوسمولوجي آند أستروبارتيكل فيزيكس” أن الفهم الجديد للكون قادر على تفسير مسألتي الثقوب السوداء والمادة المظلمة بشكل مختلف.

وذهبت الدراسة بهذه الفرضية إلى ما هو أبعد من ذلك، مشيرة إلى أن المادة المظلمة ربما تكونت من ثقوب سوداء بدائية تشكّلت أثناء الانتقال من آخر مرحلة انكماش للكون إلى مرحلة التوسع الحالية، التي حدثت قبل الانفجار العظيم، ويطمح الباحثون إلى العثور على أثر لهذه الثقوب السوداء التي من الممكن أنها خلفت وراءها موجات ثقالية يمكن اكتشافها.

المادة المظلمة في الكون

تمثل المادة المظلمة غالبية المادة في الكون بنسبة 80%، وتعد أحد الألغاز الفلكية التي استعصت على الفيزيائيين، نظرا لأنها لا تتفاعل مع الضوء بأي شكل من الأشكال، فلا تعكسه ولا تمتصه ولا تشّعه، على عكس المادة الاعتيادية، مما يجعلها غير مرئية بشكل تام.

ويستدل العلماء على وجود المادة المظلمة في الكون من حركة النجوم داخل المجرات ومن الخلفية الكونية الميكروبية، وهي الوهج الإشعاعي المتبقي بعد الانفجار العظيم.

وتطرح الدراسة فهما مختلفا لنشأة المادة المظلمة، مرجحة أنها تشكّلت من الثقوب السوداء البدائية بسبب حدوث تقلبات كبيرة في الكثافة خلال مرحلة الانكماش الأخير للكون، وهي المرحلة التي حدثت تماما قبل التوسع الذي أدى إلى ظهور الكون بشكله الحالي.

وبدلا من أن يكون الكون قد نشأ من نقطة تفرد تلتها فترة توسع سريعة كما هو الحال في النموذج التقليدي، تشير الدراسة الجديدة إلى عدم وجود نقطة تفرد مطلقة، بل إن هناك ما يُعرف بـ”الارتداد”، حيث إن الكون كان في مرحلة انكماش على نفسه قبل أن ينفجر لاحقا ويتوسّع.

السر يكمن في الثقوب السوداء البدائية

وفي سياق الفرضية الحديثة، كان الكون قد انكمش على نفسه إلى حجم أصغر بشكل مدهش (ما يمثل علامة عشرية تليها 50 صفرا يليها 1 من حجمه الحالي)، وأدى هذا الانكماش الشديد إلى حدوث ارتداد عنيف أدى إلى ولادة الفوتونات والجسيمات المعروفة الأخرى، وخلال مرحلة الارتداد، كانت كثافة الكون عالية جدا، لدرجة أن ثقوبا سوداء صغيرة تشكلت نتيجة تقلبات كمية في كثافة المادة، ويعتقد الباحثون أن هذه الثقوب السوداء البدائية تقدم تفسيرا منطقيا لوجود المادة المظلمة في الكون.

وعلى الرغم من نظرية ستيفن هوكينغ حول تبخر الثقوب السوداء مع مرور الوقت، فإن هذه الثقوب السوداء البدائية قد تكون ما زالت موجودة، حاملة معها أسرار ما قبل الانفجار العظيم، لا سيما إذا كانت أحجامها كبيرة بما يكفي لتصمد لأكثر من 13 مليار سنة.

ولاختبار توقعاتهم بشكل أكبر، يخطط الباحثون لاستخدام مراصد الكشف عن الموجات الثقالية من الجيل الحديث “الثالث”، مثل مرصد “ليزا” (LISA) أو تلسكوب “أينشتاين” الفضائي، الذي يتميز بدرجة حساسية أعلى بعشر مرات من المراصد الحالية، ومن المتوقع أن يستغرق الأمر عقدا من الزمن قبل أن تكون هذه المراصد جاهزة للاستخدام.

شاركها.
Exit mobile version