توصل فريق بحثي بقيادة علماء من مركز علوم التعقّد في فيينا -وهي مؤسسة بحثية تهدف لتجميع وتنسيق البحوث المتعلقة بالنظم المعقدة- إلى أن البيانات الضخمة يمكنها أن تساعد في التنبؤ بالجرائم إحصائيا.

وبحسب الدراسة التي نشرها هذا الفريق في دورية “ساينتفك ريبورتس”، فقد قام الفريق بدراسة بيانات 1.2 مليون جريمة وقعت على مدى 6 سنوات في دولة صغيرة بأوروبا الوسطى. وصنفوا جميع الجرائم إلى 21 فئة، بما في ذلك جرائم الفساد والإرهاب والسرقة والجرائم الجنسية وغيرها.

سلوك المجرمين

ومن خلال دراسة تلك الجرائم، استخلص الفريق أنه عادة ما يكون مرتكبو الجرائم الجنائية المتخصصون في أنواع معينة من الجرائم إناثا وأكبر سناً، مقارنة بالأفراد المتورطين في مجموعة أوسع وأكثر تنوعا من الجرائم.

وتشير الدراسة إلى أن هؤلاء المتخصصين يميلون أيضا إلى العمل داخل منطقة جغرافية أكثر محدودية، وبالتالي يعتمدون على المعرفة المحلية، وعادة ما تكون علاقاتهم الإجرامية داخل نفس المدينة، ويعملون في شبكات محلية أكثر تماسكا، مما يزيد من احتمال تكرار الشراكات والجرائم.

وعلى الجانب الآخر يظهر أن من يمارسون عددا أكبر من الجرائم ولا يتخصصون في جرائم بعينها، يمتلكون شبكات أكبر وأكثر انفتاحا.

ووجدت الدراسة كذلك أن الانتقال بين أنواع معينة من الجرائم يحدث بشكل ملحوظ أكثر من غيرها، فمثلا يميل مرتكبو الجرائم ضد الأطفال إلى التحول للعمل في الدعارة أو جرائم القسوة ضد الحيوانات أو جرائم تتعلق بالحاسوب (مثل سرقة البيانات والابتزاز والاحتيال الإلكتروني مثلا).

التنبؤ الشرطي

هذا النمط من دراسة سلوك المجرمين يمكن أن يساعد وكالات إنفاذ القانون في توقع التطورات الإجرامية بشكل أفضل، بحسب بيان صحفي رسمي صادر من مركز علوم التعقد في فيينا.

وهذا النمط البحثي مرصود بالفعل من قبل، فمثلا في مدن مثل لندن تقوم الشرطة ببناء خرائط تجريبية يتم تحديثها بشكل يومي تشمل أنواع الجرائم المتداولة في الشوارع وشبكة المشتبه بهم النشطين والمؤسسات والمحال الأكثر احتمالية للتعرض للسلب والنهب.. الخ، وتوضع هذه البيانات في محركات الخوارزميات لتتوقع أين ستقع الجريمة التالية.

وفي الولايات المتحدة الأميركية تطبق أقسام شرطة نيويورك نسخا تجريبية من طرق شبيهة بالتنبؤ، حيث تُغذى الخوارزميات القادرة على التعلُّم ذاتيا عبر الذكاء الاصطناعي ببيانات المواطنين في مدينة ما وسجلاتهم الإجرامية ومواعيد وأماكن وطبيعة كل جريمة وقعت في المنطقة، وهنا تعطي الخوارزميات نتائج عن الفئات الأميل للإيداع في السجون والأماكن الأقرب للضرب.

ويسمى هذا النهج الجديد بـ “التنبؤ الشُرَطي”، لكنه يواجه مشكلة أخلاقية كبيرة، حيث إن هناك فئات مجتمعية محددة تتعرض بشكل كبير للضغط بسبب طبيعة جنسها أو عرقها أو حالتها العقلية.

خذ السود في الولايات المتحدة على سبيل المثال، وهو المثال الأكثر خضوعا للدراسة، فمن المعروف أن أعداد الذين يتعاطون الحشيش من الشباب أصحاب البشرة السوداء والبيضاء متشابه تقريبا، ورغم ذلك فإن عدد الذين يوضعون في السجن من متعاطي الحشيش يميل ليكون من أصحاب البشرة السوداء بفارق 3 إلى 4 أضعاف.

وهناك أسباب سياسية واجتماعية كبيرة لذلك، لكن الخوارزميات لا تلتفت لها، فبمجرد تغذيتها بالبيانات ستتعلم الخوارزمية فورا أن هناك ميلا لكون السود أقرب للإيداع في السجن بسبب الجرائم الصغيرة، ويجري الأمر كذلك على فئات أخرى مثل المهاجرين.

شاركها.
Exit mobile version