تتوقع السيناريوهات المناخية ارتفاع الحرارة الناجم عن انبعاث ثاني أكسيد الكربون بمقدار درجتين مئويتين في العقود القادمة، وبالتالي انخفاضا يبلغ 30% في هطول الأمطار السنوي بمنطقة البحر الأبيض المتوسط.

كشفت دراسة حديثة أن غابات منطقة البحر الأبيض المتوسط مهددة بالتصحر في المستقبل القريب بفعل التغيرات المناخية التي يتسبب فيها البشر. وحسب الدراسة التي نشرت في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications) مؤخرا، فإن تراجع كمية سقوط الأمطار وظروف الجفاف على المدى الطويل تنبئ بتصحر غابات البحر الأبيض المتوسط لا محالة.

وكشف فريق البحث من معهد علوم الأرض بجامعة “هايدلبرغ” (Heidelberg University) الألمانية بقيادة البروفيسور يورغ بروس، في بيان صحفي صادر عن المعهد في الثاني من مايو/أيار الجاري، أن غابات البحر الأبيض المتوسط تحولت إلى سهوب في غضون عقود قليلة بفضل هطول الأمطار وتجاوزها العتبات المحددة.

وأضاف الباحثون أن نقص منسوب الأمطار سيتسبب في تصحر غابات المنطقة، وذلك بعد تحليلهم البيانات المتعلقة بتقلبات المناخ وتطورات الغطاء النباتي التي عرفتها المنطقة على مدى 500 ألف سنة.

وتوصل الفريق إلى هذه النتائج من خلال تتبع تاريخ تفاعل غابات البحر الأبيض المتوسط مع التغيرات المناخية في الماضي وتأثرها بها، وقدرتها على الصمود في وجهها، حيث تحللوا 2347 عينة من حبوب اللقاح الأحفورية المكتشفة في العينات الجوفية المأخوذة من رواسب منطقة “تيناجيو- فيليبو” (Tenagio-Philippo) في شمالي شرقي اليونان، والمحفوظة في سجلات جيوكيميائية، بالتعاون مع باحثين من فرنسا واليونان وبريطانيا.

تراجع كمية الأمطار تهدد الغابات

وأظهرت نتائج الدراسة أن مستوى الرطوبة وكمية هطول الأمطار في منطقة البحر الأبيض المتوسط تتأثر بتركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما يثير القلق بشأن بقاء غابات البحر الأبيض المتوسط في ظل فترات الجفاف الطويلة المتوقعة في المستقبل القريب، وتراجع الغطاء النباتي مع استمرار انبعاث ثاني أكسيد الكربون بلا هوادة.

وعن هذه النتائج، يقول عضو فريق البحث الدكتور أندرياس كوتسودندريس، في البيان الصحفي، “كان انخفاض هطول الأمطار بنسبة 40% إلى 45% في الماضي يكفي للتأثير في الغابات وتحويلها إلى مناطق إحيائية في ظل الظروف الطبيعية. لكن مثل هذا التحول يمكن أن يتسبب في تصحر غابات منطقة البحر الأبيض المتوسط في المستقبل القريب إذا لم يتم فعل أي شيء لحمايتها”.

ويقصد بالمناطق الإحيائية تلك المساحات الكبيرة جدا من النباتات، والتي تشمل العديد من الكائنات الحية، بحيث تشكل أنظمة بيئية مختلفة. وتعد المنطقة الإحيائية أكبر وحدة حيوية يمكن العثور عليها على سطح الأرض.

ويضيف الباحث اليوناني في البيان نفسه “نظرا لأن غابات البحر الأبيض المتوسط حساسة بشكل استثنائي لتغير المناخ، فإن القلق على بقائها يتزايد في ضوء انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والاحترار العالمي المرتبط بها”.

ويتنبأ الباحثون أن هذه المناطق الإحيائية ستمر بفترة حرجة في مواجهة فترات الجفاف المتكررة التي من المتوقع أن تشهدها منطقة البحر الأبيض المتوسط في الأعوام الـ70 القادمة، وسيترتب عن ذلك تعطل في خدمات النظام البيئي وفقدان للتنوع البيولوجي.

وتشير الدراسة إلى أن المنطقة الغابوية بالبحر الأبيض المتوسط تتميز بفسيفساء من الغابات شبه الاستوائية والمعتدلة. وتعتبر نقاطا ساخنة للتنوع البيولوجي، وتوفر أيضا خدمات النظم البيئية الهامة، فهي تحمي التربة من التآكل، وتنظم المناخ الإقليمي والظروف الهيدرولوجية، وتوفر الغذاء والخشب.

التصحر في المستقبل القريب

وجاء في الدراسة أن ارتفاع ثاني أكسيد الكربون ذي المنشأ البشري إلى مستويات محددة خلال 500 ألف سنة الماضية في الغلاف الجوي، وعلاقته بديناميكية هطول الأمطار والغطاء النباتي كما تم تحقيقها من خلال بيانات حبوب اللقاح الأحفورية في اليونان، يمكن فعليا استخدامها للتنبؤ بتحولات نظام الغطاء النباتي مستقبلا في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

ولكن يمكن للنباتات أن تتأقلم بسرعة مع زيادة ثاني أكسيد الكربون من خلال تقليل تركيز وصوله إلى مسام أوراقها، والحفاظ على حدود نمطها الظاهري، الذي يبلغ ضعف تركيز ثاني أكسيد الكربون المتوقع للقرن القادم.

علاوة على ذلك، قد يسمح تركيز ثاني أكسيد الكربون المرتفع للنباتات بالحفاظ على امتصاص الكربون بتوصيل أقل للمسام، إلى حد ما، مما يساعد في تخفيف تأثيرات الجفاف.

ونظرا لأن فسيولوجيا النبات يمكن أن تعوض إلى حد ما انخفاض الرطوبة في ظل زيادة ثاني أكسيد الكربون، فإن تحديد الحد الأدنى من الرطوبة الكافي للحفاظ على مرونة الغابات هو العامل الأكثر أهمية لتقييم الإجهاد البيئي المستقبلي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، إذ يوفر السجل الجيوكيميائي المقترن بحبوب اللقاح الأحفورية مؤشرا للحد الأدنى من هطول الأمطار المطلوب للحفاظ على المناطق الإحيائية شبه الاستوائية للغابات الجافة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وختاما فإن انخفاض المعدل السنوي لهطول الأمطار بنسبة من 40% إلى 45% يمكن أن يؤدي إلى تصحر الغابات، حيث تتنبأ السيناريوهات المناخية ارتفاع الحرارة الناجم عن انبعاث ثاني أكسيد الكربون بمقدار درجتين مئويتين بالنسبة للعقود القادمة، ومن ثم انخفاض يصل 30% في هطول الأمطار السنوي في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

ويضاف إلى هذا الانخفاضُ الطبيعي في كمية المياه في منطقة البحر الأبيض المتوسط مقارنة بالفترات التي كانت فيها أكثر رطوبة. وكلها عوامل ستؤدي إلى تصحر غابات المنطقة لا محالة، رغم قدرة النبات على تعويض نقص الرطوبة إلى حد ما.

شاركها.
Exit mobile version