لم تفلح متفجرات ألقيت على قطاع غزة تعادل قنبلة نووية بقوة 30 كيلوطنا (الكيلوطن الواحد يعادل ألف طن) في كسر إرادة سكان القطاع، الأمر الذي يبدو أنه استفز عميحاي إلياهو وزير التراث في حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، فطالب باستخدام قنبلة نووية حقيقية في الحرب على القطاع.
ورغم أن إسرائيل حاولت امتصاص الصدمة السياسية لهذا التصريح عبر اتخاذ إجراءات عقابية بحق هذا الوزير، شملت حرمانه من حضور اجتماعات الحكومة، فإن ذلك لم يمنع من أن تثور مخاوف بشأن احتمالية الإقدام على خطوة من نوع تلك التي تحدث عنها الوزير، لا سيما أن ذلك جاء تزامنا مع الإعلان الأميركي الاثنين عن وصول الغواصة النووية من طراز “أوهايو” إلى منطقة لتولي مسؤولية القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط.
ولا ينكر خبراء استطلعت “الجزيرة نت” آراءهم أن الوضع يدعو للقلق، لكنهم في الوقت ذاته حرصوا على تبديد المخاوف التي أثارها تصريح الوزير الإسرائيلي، عبر التأكيد أن إسرائيل لا تجرؤ على الإقدام على تلك الخطوة لأسباب بيئية وسياسية.
الأسلحة النووية.. 3 أنواع
يقول يُسري أبو شادي كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا، في تصريحات عبر الهاتف: “فنيا، يمكن لإسرائيل استخدام القنبلة النووية في حربها على غزة، لكن سياسيا لا تجرؤ على تلك الخطوة”.
ويفرق أبو شادي بين أنواع مختلفة من الأسلحة النووية، وهي: الأسلحة واسعة التدمير، والقنابل التكتيكية محدودة التأثير، والقنابل النيوترونية، مؤكدا أن “هذه الأنواع الثلاثة تملكها إسرائيل”.
ويوضح أنه “إذا كان من المستبعد استخدام القنابل واسعة التأثير التي يمكن أن تمتد تداعياتها الإشعاعية إلى داخل إسرائيل نفسها، فإن القنابل التكتيكية والنيوترونية لا يوجد فنيا ما يمنع استخدامها. لكن حال حدوث ذلك، فإنه سيكون شرارة البداية لحرب نووية واسعة غير مأمونة العواقب”.
والقنابل التكتيكية عبارة عن رؤوس حربية نووية صغيرة مصممة لتدمير أهداف في منطقة معينة دون التسبب بإشعاعات واسعة النطاق، وهي أصغر من الأسلحة النووية الإستراتيجية مثل الرؤوس الحربية المحمولة على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
وتتراوح الأسلحة النووية التكتيكية في قوتها من كيلوطن واحد إلى نحو 50 كيلوطنا، مقارنة بالأسلحة النووية الإستراتيجية التي تتراوح بين 100 كيلوطن وأكثر من ميغاطن (الميغاطن الواحد يعادل مليون طن).
يقول أبو شادي: “القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما في اليابان كانت قوتها 15 كيلوطنا، لذا فإن بعض الأسلحة النووية التكتيكية قادرة على إحداث دمار واسع يكون في نطاقات أقصر (عادة في مساحة تقل عن 500 كيلومتر)، مقارنة بالأسلحة النووية الإستراتيجية التي تكون مصممة لعبور القارات.
ويضيف أن “أقصى تأثير لاستخدام تلك القنابل التكتيكية، يمكن أن يمتد لمنطقة غلاف غزة التي أصبحت غير مأهولة بالسكان منذ العملية التي نفذتها كتائب القسام في السابع أكتوبر/تشرين الأول، لذلك لا يوجد فنيا ما يمنع من استخدام هذا النوع”.
القنبلة النظيفة.. إبادة البشر دون الحجر
وبدرجة أقل خطورة، فإنه “فنيا” يمكن استخدام القنبلة النيوترونية، التي تسمى أيضا “القنبلة النظيفة”، لأنها تقتل كل الكائنات الحية وتبقي على المباني والأحجار. وهذه القنبلة -التي ابتكرها عالم الفيزياء الأميركي ساميول كوهين- نوع متخصص من الأسلحة النووية من شأنه أن ينتج الحد الأدنى من الانفجار والحرارة، لكنه يطلق كميات كبيرة من الإشعاع القاتل.
يقول أبو شادي: “القنبلة النيوترونية هي في الواقع قنبلة نووية حرارية صغيرة، حيث تكون بضعة كيلوغرامات من البلوتونيوم أو اليورانيوم المشتعل بواسطة متفجرات تقليدية، بمثابة زناد انشطاري لإشعال انفجار اندماجي في كبسولة تحتوي على عدة غرامات من الديوتيريوم والتريتيوم، وقد تكون قوة القنبلة الانفجارية في حدود كيلوطن واحد، وتكون تأثيرات الانفجار والحرارة محصورة في مساحة لا تتجاوز بضع مئات من الأمتار. ولكن تفاعل الاندماج يطلق موجة قوية من إشعاع النيوترونات وغاما، ويمكن للنيوترونات عالية الطاقة -رغم قصر عمرها- أن تخترق الدروع أو عدة أمتار من الأرض، وتكون مدمرة للغاية للأنسجة الحية”.
منطقة متوترة.. هل تنطلق حرب نووية واسعة؟
ورغم امتلاك إسرائيل الأنواع الثلاثة، فإنها لا تعترف رسميا بامتلاكها ترسانة نووية، ويعد تصريح الوزير الإسرائيلي أول اعتراف رسمي ضمني بامتلاك تلك الأسلحة، وهو ما يفسر محاولات احتواء التصريح، كما يقول أبو شادي.
ووفقا لمركز الحد من الأسلحة ومنع انتشارها (منظمة أميركية غير ربحية تأسست عام 1980)، تمتلك إسرائيل 90 رأسا نوويا تعتمد على البلوتونيوم، كما أنتجت ما يكفي من البلوتونيوم لصنع ما بين 100 و200 سلاح.
ويرى أبو شادي أن هذه الأسلحة “تظل في إطار الردع ولا تملك سياسيا جرأة استخدامها في هذه الحرب، لأن مجرد قيام إسرائيل بذلك يعني انطلاق شرارة حرب نووية واسعة النطاق تدخل فيها دول متعاطفة مع القضية الفلسطينية مثل إيران التي يمكنها تصنيع قنبلة نووية في غضون 12 يوما، وباكستان وكوريا الشمالية اللتان تملكان بالفعل قنبلة نووية، وإذا انفجر الوضع فقد تنضم روسيا والصين اللتان تملكانها أيضا، وقد سبق أن تحدثت روسيا إبان الحرب مع أوكرانيا عن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية”.
وتتمتع روسيا بتفوق عددي هائل على الولايات المتحدة وتحالف الناتو العسكري في هذا النوع من الأسلحة حيث تمتلك نحو 2000 رأس حربي تكتيكي عامل، أي أكثر بـ10 مرات من الولايات المتحدة التي تمتلك نحو 200 سلاح من هذا النوع، نصفها موجود في قواعد بأوروبا، بحسب أبو شادي.
ويربط أبو شادي بين الإعلان الأميركي الاثنين عن وصول الغواصة النووية من طراز “أوهايو” إلى منطقة لتولي مسؤولية القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، وبين تصريح الوزير الإسرائيلي، وقال إنها “رسالة من الولايات المتحدة باستعدادها للتدخل واستخدام هذا السلاح، إذا اتخذت أي ردود فعل بعد التصريح الإسرائيلي”.
تداعيات بيئية وصحية.. لا ضمانة لانتقالها إلى خارج غزة
وبالإضافة للأسباب السياسية التي يرى أبو شادي أنها تحول دون استخدام إسرائيل للسلاح النووي، فإن مجدي علام، مستشار مرفق البيئة العالمي والأمين العام اتحاد خبراء البيئة العرب، يرى أنه حتى الأسلحة النووية محدودة التأثير يمكن أن يكون لها تداعيات بيئية تصل إلى إسرائيل.
ويقول علام: “إن الانفجار الذي حدث في مفاعل تشرنوبل النووي في أوكرانيا عام 1986، خلّف سحبا كثيفة بما يوازى 8 أطنان من الوقود النووي ارتفعت إلى السماء، وتسببت بتلوث بيئي امتدت آثاره إلى مدن أخرى في أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا وألمانيا والسويد.
ويضيف أن التجارب النووية التي تجريها الدول التي تمتلك هذه الأسلحة يُنظر لها على أن لها تداعيات بيئية وصحية خطيرة تمتد آثارها لدول أخرى، فمن باب أولى أن تمتد التأثيرات عندما تتحول التجارب إلى تنفيذ فعلي.
وفي دراسة نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول 2014 بمجلة “جورنال أوف إينفيرومينتال آند سوسايتي”، أحصت الدراسة عدد التجارب النووية التي أجريت في جميع البيئات، في الجو وتحت الأرض وتحت الماء. وقالت إنه أجريت نحو 25% (530 اختبارا) في الغلاف الجوي، و75% تحت الأرض (1517 اختبارا)، وفي حالات قليلة تحت الماء.
وكانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي -ثم روسيا بعد ذلك- مسؤولتان عن 82% من جميع الاختبارات التي أجريت في الغلاف الجوي خلال الفترة 1945-1963، وعن 86% من تلك التي أجريت تحت الأرض خلال الفترة 1951-1992.
وخلصت دراسة أخرى نشرها موقع المعاهد الوطنية للصحة بأميركا في مارس/آذار 2014، إلى أن هذه التجارب، رغم مرور زمن بعيد على إجرائها، كانت سببا في انتشار سرطان الغدة الدرقية في مناطق مختلفة من العالم تعدت حدود الدول التي أجرت تلك التجارب، ويرجع ذلك أساسا إلى نظير اليود 131 الذي تلوثت به مياه الأمطار، وخزانات المياه الجوفية، وانتقل إلى طعام الماشية بعد تراكمه في الأراضي العشبية.
وعلى ذلك، يرى علام أن السلاح النووي، حتى وإن كان تكتيكيا أو حتى نيوترونيا، وهما الشكلان الأنسب للاستخدام فنيا، سيحققان أثرا تدميريا في أرض غزة، لكن هذا الأثر البيئي والصحي قد يمتد لإسرائيل ودول المنطقة.