يعتقد العديد من الفلكيين أن الأجرام الصغيرة التي تسبح في النظام الشمسي، مثل تلك الموجودة في حزام الكويكبات، قد تحمل جزيئات عضوية ربما أسهمت في ظهور بعض أشكال الحياة على الأرض، وذلك عندما كانت هذه الأجرام تسقط على الكوكب قبل مليارات السنين.

وبينما توفر النيازك التي عُثر عليها على الأرض لمحة عن تكوين هذه الأجرام السماوية، فإن تعرضها للغلاف الجوي واختلاطها بالبيئة البيولوجية يجعل من الصعب تفسير تركيبها الأصلي والعودة إلى خصائصها الكيميائية الأولى.

ولتجاوز هذه المعضلة، اتجهت وكالات الفضاء إلى جمع عينات مباشرة من الأجرام السماوية أثناء دورانها في أفلاكها. فعلى عكس النيازك التي تعرضت لتأثيرات بيئة الأرض، توفر العينات المأخوذة من الفضاء موادا نقية غير ملوثة، وذلك يجعلها مثالية للتحليل العلمي.

وحتى الآن، نجحت دولتان فقط في استرجاع مثل هذه العينات، إذ كانت اليابان السباقة في هذا المجال عبر مهمتي “هايابوسا” و”هايابوسا-2″، تلتها وكالة ناسا بإنجاز آخر في مهمة “أوزيريس-ريكس” التي سجلت رقما قياسيا بجمع أكبر عينة استُرجعت من جرم سماوي حتى اليوم.

اكتشاف القواعد النتروجينية.. نقطة مفصلية

تمكنت مهمة “أوزيريس-ريكس” من تحقيق إنجاز استثنائي في سبتمبر/أيلول 2023، عندما أعادت عينات من الكويكب “بينو” تزن 121.6 غراما.

ومنذ ذلك الحين، باشر فريق دولي من العلماء تحليل هذه العينات في مركز غودارد للطيران الفضائي التابع لناسا. وقد أكدت النتائج التي نُشرت حديثا في مجلة “نيتشر أسترونومي” أن العينات تحتوي على الأمونيا ومركبات عضوية غنية بالنتروجين، وهي عناصر أساسية في ظهور أشكال الحياة المعروفة.

ومن بين الاكتشافات الأكثر أهمية كان اكتشاف الباحثين اليابانيين القواعد النتروجينية الخمس -الأدينين والغوانين والسايتوسين والثايمين واليوراكايل- وجميعها ضرورية لتكوين الحمض النووي.

وأظهرت التحاليل الطيفية باستخدام تقنية “قياس الطيف الكتلي العالي الدقة” في جامعة كيوشو اليابانية أن كويكب “بينو” يحتوي على تركيز أعلى من المركبات العضوية المحتوية على النتروجين مقارنة بعينات الكويكبات السابقة، بما في ذلك العينات التي جُمعت من كويكب “ريوغو” الذي كان ثاني كويكب تُجمع منه عينات في عام 2018.

وعند المقارنة الكيميائية بين كويكب “بينو” ونيازك عُثر عليها على الأرض مثل نيزك “مورشيسون”  و”أورغيل”، لاحظ الباحثون اختلافات جلية في نسب القواعد النتروجينية. ويشير ذلك إلى أن البيئات التي تشكلت فيها هذه الأجرام السماوية وتطورت كانت فريدة من نوعها، كما تشير الوفرة النسبية إلى القواعد البيريميدينية مثل السايتوسين، والثايمين، واليوراكايل في عينة “بينو” إلى احتمال تعرض الكويكب لسُحب جزيئية باردة، وهو عامل قد يكون أثر على تكوينه العضوي كذلك.

تنتمي هذه الدراسات المعقدة إلى مجال “علم الأحياء الفلكي”، وهو العلم الذي يدرس إمكانية وجود الحياة وآثارها في الفضاء الخارجي. وتعوّل وكالات الفضاء على إطلاق مزيد من المهام العلمية المتخصصة ضمن هذا المجال، ومع بعثات جديدة مثل مهمة “دراغون فلاي” المقرر انطلاقها إلى قمر تيتان التابع لكوكب زحل، يدخل البحث عن المركبات العضوية خارج الأرض مرحلة جديدة ومثيرة من الاستكشاف.

شاركها.
Exit mobile version