في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، توافد العشرات من قادة العالم ووزراء حكومات ما يقرب من 200 دولة إلى الإمارات، إحدى منتجي النفط الرئيسيين في العالم، وذلك للمشاركة في أهم حدث مناخي عالمي هو “قمة الأمم المتحدة للمناخ” المعروفة بـ”كوب 28″. وتأتي القمة بعد عام من الحرارة الشديدة والجفاف وحرائق الغابات والفيضانات، وستكون أول تقييم عالمي للتقدم منذ اتفاق باريس التاريخي في عام 2015.

وبينما تعتبر المحادثات ضرورية لتأمين الاتفاقيات العالمية اللازمة لتجنب تغير المناخ الخطير، فإن الثقة في القمة وصلت إلى أدنى مستوياتها، وأحد الأسباب وراء ذلك يكمن في الرجل المسؤول الذي يمنحه منصبه قدرا كبيرا من السيطرة على جدول أعمال المؤتمر المنعقد في مدينة إكسبو دبي حتى يوم 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

“ثعلب يحرس قنّ دجاج”

في مطلع 2023، أثارت الإمارات عاصفة نارية بإعلانها أن الشخص الذي اختارته لرئاسة قمة تسعى إلى التقليل من استخدام الوقود التقليدي في العالم هو نفسه الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبو ظبي الوطنية “أدنوك”، ويشرف على توسعة كبيرة في إنتاجها للوقود الأحفوري، وهي واحدة من أكثر القضايا التي دارت رحاها في القمة، وقد تكون العامل الرئيسي في تحديد نجاحها.

إنه سلطان أحمد الجابر، مهندس ورجل أعمال وسياسي، يلقب بالدكتور سلطان، حصل على درجة الدكتوراه في الأعمال والاقتصاد من جامعة كوفنتري البريطانية، كما درس في الولايات المتحدة، ويشغل حاليا منصب وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة وعضو مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية، وشغل أيضا مناصب وزارية أخرى، وكان مبعوثا للمناخ في البلاد من عام 2010 وحتى 2016، وأُعيد تعيينه في هذا المنصب عام 2020.

ولد “رجل النفط والغاز” البالغ من العمر 50 عاما عام 1973 في أم القيوين إحدى الإمارات الأقل شهرة، وهو ليس عضوا في أي من العائلات الحاكمة للإمارات السبع، لكنه ترقى في صفوف المجتمع الإماراتي حتى برز بعدد من المناصب العليا التي يشغلها، وأصبح أحد المقربين الموثوق بهم من الأسرة الحاكمة. وبصفته رئيسا للمجلس الوطني للإعلام من 2015 وحتى 2020، أشرف على وسائل الإعلام الإماراتية التي تحتل مرتبة سيئة في حرية الصحافة.

ويعد قرار تعيين رئيس تنفيذي لشركة نفطية حكومية تشرف على الكثير من الأضرار التي لحقت بالكوكب رئيسا لقمة المناخ هو الأول من نوعه منذ انطلاق مؤتمر المناخ في برلين عام 1995، وهذه هي المرة الأولى التي يقود فيها أحد العاملين في صناعة الوقود الأحفوري مفاوضات المناخ التي تستضيفها دولة مختلفة كل عام.

والمثير في الأمر أن هذا القرار جاء في وقت تتصاعد فيه تحركات الرأي العام في الدول الصناعية منذ الربع الأخير من القرن العشرين، ويسابق دعاة حماية البيئة الزمن لحماية كوكب الأرض من كوارث طبيعية ومناخية سببها الأساسي الوقود الأحفوري وعمليات التنقيب الواسعة عن النفط والغاز، وتسببت بارتفاع درجات الحرارة وتغيرات كبيرة في المناخ والبيئة.

ومنذ اللحظات الأولى لتوليه هذا المنصب، تصدر الرئيس المثير للجدل لمؤتمر الأطراف عناوين الأخبار، وانتقد العديد من السياسيين والعلماء والناشطين تعيينه بسبب دوره المزدوج، واعترضوا على أن يكون الشخص الذي وظيفته اليومية استخراج المزيد من الوقود الأحفوري لتدمير البيئة هو نفسه المسؤول عن حل أزمة المناخ ومحاولة تأمين صفقات تُغير قواعد اللعبة.

وعلى مدار عام تقريبا، توالت انتقادات نشطاء حقوق الإنسان ومنتقدي البيئة بشأن التزام الجابر بالحفاظ على دور الوقود الأحفوري في تحول الطاقة، ورأوا في تعيينه اختراقا للأمم المتحدة ومحاولة السيطرة على الجهود العالمية للحد من تغير المناخ. وقد أثار الدور المزدوج الذي لعبه الجابر انتقادات قوية، بما في ذلك انتقادات من جانب مسؤولة المناخ السابقة في الأمم المتحدة كريستيانا فيغيريس التي وصفت نهجه بأنه “خطير”.

وأثار منصب الجابر برأي البعض الكثير من التناقضات، فقد قارن النائب في البرلمان الأوروبي مايكل بلوس تعيينه بتكليف “شخص يعمل في صناعة التبغ بوضع سياسات للحد من التدخين”، ووصفت مستشارة المناخ في منظمة العفو الدولية آن هاريسون الأمر “كما لو أن ثعلبا يحرس قنَّ دجاج”، ووصف نشطاء مناخ آخرون الجابر بأنه “دراكولا (مصاص دماء) المسؤول عن بنك الدم”.

مُشعل نفط أم مطفئ حريق

وفي المقابل، يقول مؤيدوه إنه يتمتع بالقدرة على إنجاز الأمور وتجاوز الانقسامات التي من شأنها تحقيق العمل المناخي، ويستشهدون بخبرته التي امتدت لـ20 عاما مهندسا عمل في مختلف مجالات الطاقة وأحد كبار قادة الصناعة العالمية، هذا إلى جانب تجربته في حضور 11 مؤتمرا سابقا للأمم المتحدة بشأن المناخ، وتعهده بتحويل أعمال “أدنوك” بعيدا عن الوقود الأحفوري ودوره في تأسيس شركة للطاقة المتجددة.

وتلقّى الجابر الدعم من شخصيات بارزة بعد فترة وجيزة من تعيينه في منصب رئيس شركة “أدنوك”، ودافع عنه آخرون بما في ذلك رئيس المناخ في الاتحاد الأوروبي فرانس تيمرمانز، ووصفه وزير الدولة لأمن الطاقة وصافي الانبعاثات الصفرية غراهام ستيوارت بأنه “شخص متميز”، كما وصفه المبعوث الأميركي للمناخ جون كيري بأنه “خيار رائع” لرئاسة المحادثات، لكن المحرك الرئيسي لأزمة المناخ هو المنتجات التي تخطط شركته لمواصلة بيعها بكميات ضخمة لعقود قادمة.

وبصفته شخصية رئيسية في صناعة النفط، يقود الجابر واحدة من أكبر شركات الوقود الأحفوري في العالم من حيث الإنتاج، والتي توفر نحو 3% من النفط العالمي، وتضخ 2.7 مليون برميل من النفط يوميا في عام 2021، مع خطط لإضافة 7.6 مليارات برميل من النفط إلى إنتاجها في السنوات المقبلة، وهو ما يمثل خامس أكبر زيادة في العالم.

وفي المقابل، يتولى الجابر أيضا منصبا بعيدا تماما عن عالم الوقود الأحفوري، فهو رئيس شركة الطاقة المتجددة الحكومية المعروفة باسم “مصدر” التي شارك في تأسيسها عام 2006، وأشرف على توسعها في التقنيات النظيفة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتمتلك اليوم استثمارات في مصادر الطاقة المتجددة في أكثر من 40 دولة حول العالم.

وأثارت هذه المناصب المتضاربة حفيظة البعض، ووصفت الناشطة السويدية في مجال المناخ غريتا ثونبرغ التعيين بأنه “سخيف تماما”، وقالت إنه يشكك في أهداف عملية المناخ التابعة للأمم المتحدة برمتها، في حين قال نائب الرئيس الأميركي سابقا أل غور -وهو ناشط منذ فترة طويلة في مجال المناخ- إن “المصالح المرتبطة بالوقود الأحفوري سيطرت على عملية المناخ التابعة للأمم المتحدة”.

وامتد الأمر إلى دعوات لتنحي الجابر من رئاسة مؤتمر المناخ لهذا العام، ففي الوقت الذي كانت فيه الدول تستعد للجولة القادمة من محادثات المناخ في بون بسويسرا في يونيو/حزيران الماضي، دعا أكثر من 130 مشرعا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الحد من نفوذ جماعات الضغط التابعة لصناعة الوقود الأحفوري، وكتب هؤلاء رسالة مشتركة موجهة إلى الأمم المتحدة ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الأميركي جو بايدن، طالبوا فيها بإقالة الجابر، واعتبروا أن قرار تعيينه يهدد بتقويض المفاوضات، وكررت منظمة العفو الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان دعوتها الجابر للتنحي عن دوره في “أدنوك” لضمان نجاح قمة “كوب 28”.

مصالح متضاربة

وأصر سلطان الجابر على أنه لا يوجد تعارض بين كونه رئيسا لشركة نفط ودبلوماسيا للمناخ، وعوضا عن ذلك قال إن الدور المزدوج مكنه من إقناع شركات الوقود الأحفوري بالتغيير والتوفيق بين المصالح العديدة في مكافحة المناخ، وإن خبرته رئيسا لشركة نفط تزيد من قدرته على الاستفادة من الحلول، وقد وفرت بعض النجاحات المبكرة في المحادثات بعض المصداقية لهذا الادعاء.

ومع ذلك، يبدو أنه ما زال يواجه تحديا في تحقيق التعاون بين أكبر الدول المصدرة لانبعاثات الكربون في العالم الصين والولايات المتحدة، وكرَّس نفسه لدبلوماسية مكوكية بين الدولتين المتنافستين، واعتمد على علاقة شخصية مع كل من مبعوث المناخ الأميركي جون كيري ونظيره الصيني شيه تشن هوا للمساعدة في التوافق على التزامات كبيرة بخفض انبعاثات غاز الميثان. ومع ذلك، فإن القضية الأكبر المتمثلة في إنهاء الانقسامات على الدور المستمر للمواد الهيدروكربونية، لم يتم حلها بعد.

تعيين الجابر على رأس محادثات المناخ الحاسمة التي تجريها الأمم المتحدة، أدَّى إلى التدقيق في أعمال شركته النفطية التي يقول باتريك جالي كبير الباحثين في مجال الوقود الأحفوري، إنها تخطط بغض النظر عن نتائج “كوب 28″، لإنتاج كميات من النفط أكثر من أي مُشغّل آخر على هذا الكوكب تقريبا، في مخالفة مباشرة للإجماع العلمي الذي تم تكليف الجابر ببناء المفاوضات حوله في دبي.

وبصفته رئيسًا لمؤتمر المناخ، فإن الجابر مكلف برعاية الدول نحو إجراءات مناخية أكثر طموحا من خلال التخلص التدريجي السريع والعادل من النفط والغاز، بدءا من عمله الخاص، وإجراء تخفيضات شاملة في انبعاثات الوقود الأحفوري إلى الصفر، والحد من التأثيرات المناخية المتفاقمة بسرعة،.ومع ذلك، فبالنسبة لأولئك الذين هم في الخطوط الأمامية لحالة الطوارئ المناخية، يبدو أنه يفعل العكس، فالشركة النفطية التي يقودها يُتوقع أن تقوم بواحدة من أكبر عمليات التوسع في الإنتاج في السنوات القادمة.

فخ التناقضات

وكما هو الحال بالنسبة للجابر الذي سقط في فخ المتناقضات، فإن “أدنوك” -التي أصبحت مؤخرا الأولى من بين نظيراتها التي تطمح لصافي انبعاثات صفرية حتى عام 2045- أعلنت، في يناير/ كانون الأول من هذا العام تخصيص 15 مليار دولار للاستثمار في “الحلول منخفضة الكربون” بحلول عام 2030، هذا بالإضافة إلى إعلانها استثمار 40 مليار دولار في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة على مستوى العالم على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وتوقيع شراكة في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي مع الولايات المتحدة لاستثمار 100 مليار دولار إضافية في الطاقة النظيفة.

وفي الوقت نفسه الذي أعلن فيه قادة الإمارات أن بلدهم  ستحتفل بـ”آخر برميل من النفط” بحلول منتصف القرن، تخطط “أدنوك” لاستثمار 150 مليار دولار في طاقة توسعة النفط والغاز هذا العقد، ووقعت الشركة عقودا لزيادة الطاقة الإنتاجية للنفط إلى 5 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2030، وهو العام الذي تقول فيه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والجابر نفسه، إن انبعاثات الغازات الدفيئة يجب أن تنخفض بنسبة 43% قبل بلوغه، وهو ما يرى العديد من المراقبين أنه يمثل تضاربا خطيرا في المصالح.

وعلى مستوى الدولة الراعية لجهود خفض الانبعاثات العالمية في الوقت الحالي، يأتي نحو 13% من صادراتها مباشرة من النفط والغاز، وهو ما يمثل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وترتبط العديد من صناعاتها الأخرى -بما في ذلك البناء والسفر- أيضا بالوقود الأحفوري، وعلى الرغم من اتخاذ أبو ظبي خطوات للتنويع، إلا أن اقتصادها وميزانيتها الحكومية يعتمدان بشكل كبير على استمرار إنتاج النفط والغاز.

وبالإضافة إلى زيادة إنتاجها بقوة على المدى القصير، فإن “أدنوك” في طريقها لأن تصبح ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بحلول عام 2050، وفقا لتحليل جديد لمنظمة غلوبال ويتنس غير الحكومية، ومن المتوقع أن تنتج الأصول التي تديرها 35.9 مليار برميل من النفط بين بداية عام 2023 ونهاية عام 2050، متجاوزة إنتاج أي من الشركات الخمس الكبرى: إكسون موبيل وشيفرون وشل وبريتيش بتروليوم وتوتال إنيرجيز، وهو ما سيحجِّم إنتاج الشركات الأوروبية الكبرى.

ووفقًا للتحليل، سيصل إجمالي الانبعاثات الناتجة عن المنتجات النفطية التي تديرها “أدنوك” وحدها إلى أكثر من 14.3 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050، وهذا أكثر بكثير من الانبعاثات السنوية للصين أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، ويعني ذلك أيضا أن النفط والغاز الذي تديره “أدنوك” وحده سيحرق ما يقرب من 6% من ميزانية الكربون المتبقية في العالم للحد من ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.

الجابر ومخرجات “كوب 28”

ومع ذلك، لم يُخف الجابر أهمية الوقود الأحفوري في تلبية متطلبات الطاقة العالمية، وبدا ذلك واضحا في حديثه في “حوار بيترسبرغ للمناخ” الذي استضافته ألمانيا في يوليو/تموز 2022، فقد أوضح أن بلاده تريد الاحتفاظ بالوقود الأحفوري كخيار في المستقبل المنظور، وأصر على أن النفط والغاز يمكن أن يستمرا في لعب دور للمساعدة في سد حاجة السوق العالمي من أنظمة الطاقة الجديدة، وعوضا عن الاستغناء عن الوقود الأحفوري، رأى أن أهداف قمة المناخ يجب أن تركز على ضمان التخلص التدريجي من الانبعاثات من جميع القطاعات سواء أكانت النفط أو الغاز أو الصناعات عالية الانبعاثات.

وقبل القمة بيومين، نشر مركز تقارير المناخ و”بي بي سي” وثائق مسربة من مُبلِّغ داخل مكتب “كوب 28” تكشف خطط استغلال الإمارات دورها كبلد مضيف لمحادثات المناخ كفرصة لإبرام صفقات الوقود الأحفوري، وتُظهر الوثائق أن الجابر يعتزم استغلال رئاسة مؤتمر الأطراف كفرصة لإبرام صفقات النفط والغاز مع 15 دولة من بينها الصين والبرازيل ومصر وألمانيا.

ومع دخول المفاوضات مرحلتها النهائية، زادت سخونة المناقشات حول الوقود الأحفوري، خاصة عقب رد قدمه للرئيسة الأيرلندية السابقة والمبعوث الخاص للأمم المتحدة للمناخ ماري روبنسون خلال حدث مباشر في 21 نوفمبر/تشرين الأول الماضي، ادَّعى فيه الجابر أنه “لا يوجد علم يشير إلى أن هناك حاجة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري لتقييد ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية”، مضيفا أن حدوث ذلك “سيعيد العالم إلى الكهوف”، حسبما كشفت صحيفة غارديان البريطانية.

وما إن أصبحت تصريحات الجابر علنية حتى هاجمه المجتمع العلمي، حيث استشهد كبار الخبراء بالكم الهائل من الأدلة القوية التي تثبت الحاجة الماسة إلى التوقف عن الفحم والغاز والنفط، وهو ما دفع الجابر إلى عقد مؤتمر صحفي أطلق خلاله دفاعا غاضبا عن موقفه بشأن إنهاء استخدام الوقود الأحفوري، وادعى أن حديثه تم تحريفه، واتهم من نشروا تعليقاته بـ”تقويض” رسالته.

ومنذ ذلك الحين، انفجرت التوترات المتصاعدة حول قرار عقد قمة المناخ العالمية في دولة نفطية إلى العلن، واتجهت الأنظار نحو الجابر لمعرفة ما إذا كان بإمكانه الوفاء بتعهده للحفاظ على الآمال في الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية حتى 1.5 درجة مئوية.

ووجدت هذه التصريحات طريقها إلى قاعات مؤتمر المناخ، وشجعت تحركاته الكثير من الدول على استخدام لغة أضعف والتراجع عن تعهداتها المناخية. فمن بين ما يقرب من 200 دولة وافقت على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992، تدعم 80 دولة على الأقل الاستغناء عن الوقود الأحفوري لتحقيق هدف باريس المتمثل في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين، في حين تهدف إلى حد أقصى قدره 1.5 درجة مئوية. وعلى الجانب الآخر من الانقسام، تعترض الولايات المتحدة هذه المطالبات بشكل رئيسي، فقد انسحبت من خطة هولندية لإنهاء دعم الوقود الأحفوري.

التخلص من الوقود الأحفوري

وكان أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” -بما في ذلك الدولة المضيفة وهي واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط في “أوبك”- من أكبر المعارضين أيضا، وسعوا لإحباط محاولات إدراج صيغة حول “التخلص التدريجي” من الوقود الأحفوري في الاتفاق النهائي للمؤتمر، كما استبعدت السعودية الموافقة على أي استغناء تدريجي عن استخدام النفط، وهو الأمر الذي رفع من درجة التوتر في مؤتمر المناخ، وسلَّط الضوء على الصراع حول ما إذا كان المؤتمر قادرا على تجاوز معضلة مستقبل النفط والغاز لأول مرة منذ 30 عاما.

ومع اقتراب اختتام مؤتمر المناخ، بدت المصالح الدولية طاغية على مشهد معقد يمكن تفسيره بنظرة على ما يشكله الوقود الأحفوري من إنتاج الطاقة بالنسبة للاعبين الرئيسيين في صناعة الوقود الأحفوري الذين تتعارض إستراتيجيات أعمالهم بشكل واضح مع الأهداف المركزية لاتفاق باريس، ونجد أن الولايات المتحدة -أول الدول المعارضة لوقف استخدام الوقود الأحفوري- تأتي في المقدمة، حيث شكَّل الوقود الأحفوري 60% من توليد الكهرباء في العام 2022، كما ساهم الوقود الأحفوري بنسبة 33% من إنتاج الكهرباء في الاتحاد الأوروبي في النصف الأول من عام 2023.

وانتقالاً إلى دول الخليج، وبحسب الوكالة الدولية للطاقة في عام 2021، فقد دَعَم مجلس التعاون الخليج إنتاج الطاقة بالوقود الأحفوري بقيمة 76 مليار دولار، وبالتالي شكَّل الوقود الأحفوري 4.5% من إجمالي الناتج المحلي في دول الخليج في عام 2021، وهو ما يطرح تساؤلا عن مدى نجاح الدول المشاركة في قمة المناخ في التخلص نهائيا من استخدام الوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء على مدار السنوات المقبلة.

ورغم تأكيد الأمم المتحدة على المبدأ الأساسي لرؤساء قمة المناخ ومكاتبهم، وهو “الالتزام بالحياد”، كشفت تقارير صحفية بعد عام من تعيين الجابر رئيسا لقمة المناخ، أن مكتب “كوب 28″ و”أدنوك” تشاركا الخوادم الإلكترونية نفسها، مما مكّن شركة النفط الحكومية من قراءة رسائل بريد مكتب “كوب 28″، وجرت استشارتها بشأن كيفية الرد على استفسار وسائل الإعلام، وفقا لصحيفة غارديان البريطانية.

هذه المواقف ربما تكون كافية لتحول مؤتمر “كوب 28” إلى منصة للوعود الفارغة، كما تقول منظمة العفو الدولية، وتحذر من تظاهر الحكومات بأنها تتخذ خطوات ولكنها في الواقع لا تفعل شيئا، لكن في نهاية المطاف، سيتم الحكم على نجاح قيادة الإمارات لمحادثات المناخ، ورئيس “كوب 28” نفسه، من خلال النتائج التي تحققت في القمة.

شاركها.
Exit mobile version