ما أشبه الليلة بالبارحة، فكما عُقد مؤتمر الأطراف “كوب 27” المعني بتغير المناخ العام الماضي في مدينة شرم الشيخ المصرية في ظل وضع “جيوسياسي” عالمي مضطرب تسببت فيه الحرب الروسية الأوكرانية، فإن المؤتمر “كوب 28” الذي تستضيفه مدينة دبي غدا الخميس 30 نوفمبر/ تشرين الثاني يعقد في ظل وضع أكثر تعقيدا. فلا يزال السياق السياسي نفسه لأحداث العام الماضي حاضرا، مضافا إليه الحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، والتي قطعتها هدنة إنسانية تمت بوساطة قطرية مصرية.

وبينما توصف القمة التي تستضيفها الإمارات “فنيا” بأنها قمة استثنائية لأنها تعقد في عام الظواهر المناخية المتطرفة، وتشهد فعاليات مناخية فريدة من نوعها، إلا أن هناك شبه إجماع بين الخبراء على أن السياسة ستلقي بظلالها على مفاوضاتها، رغم تأكيد معظم المراقبين على ضرورة فصل المؤتمر عن الصراع في غزة.

رسالة أميركية مبكرة

وكانت أحدث الرسائل التي تؤكد صعوبة فصل المؤتمر عن السياسة، قادمة من الولايات المتحدة، وتمثلت في عدم تحديد موقف واضح ومعلن من إمكانية حضور الرئيس الأميركي جو بايدن فعاليات القمة.

ولم يكن من المعتاد حتى عهد بايدن حضور الرئيس الأميركي كل قمة لمؤتمر الأطراف، ولكن بايدن أعطى أولوية لقضايا المناخ، وعبر عن ذلك بحضوره القمتين السابقتين لمؤتمر الأطراف، وهو سلوك جاء مختلفا عن سلفه دونالد ترامب الذي كان من كبار المشككين في قضية تغير المناخ.

وسافر بايدن عام 2021 إلى غلاسكو ليتعهد في مؤتمر المناخ “كوب 26″، بأن الولايات المتحدة ستتولى مرة أخرى دورا قياديا عالميا في مجال المناخ بعد انسحاب سلفه ترامب من اتفاق باريس للمناخ، وقام مرة أخرى برحلة قصيرة العام الماضي لحضور مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “كوب 27” في شرم الشيخ بمصر.

ولكن البيت الأبيض لم يحدد موقفا واضحا حتى الآن من حضور بايدن قمة “كوب 28″، حيث لا يشير جدوله الرسمي إلى حضور المؤتمر، ولم تصدر أي بيانات قاطعة توضح إن كان سيحضر أم لا، وهو ما يعني أن هناك رغبة في الاحتفاظ باحتمال ظهوره في وقت لاحق، كما يذكر ديفد إغناتيوس الكاتب في صحيفة واشنطن بوست.

يقول إغناتيوس: “في تقديري، فإن الأمر يتوقف على مسار الأوضاع في قطاع غزة بعد انتهاء الهدنة الإنسانية الثلاثاء، فالأيام التي تلي هدنة الأيام الأربعة ستكون غامضة بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما من شأنه أن يقلق بايدن”.

وتواجه قوات الاحتلال الإسرائيلي “معضلة مثيرة للجدل” تتمثل في كيفية استئناف قصفها للقطاع في إطار جهودها المزعومة للقضاء على حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وهو ما يجعل المستقبل القريب يحمل في طياته بعض “الصراع شديد الحدة”، ومع هذا الوضع الإقليمي المضطرب سيكون حضور الرئيس الأميركي صعبا، كما يؤكد إغناتيوس.

غياب بايدن .. حفظ ماء الوجه

ولا يرى رئيس وحدة الدراسات الدولية وبرنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بمصر أحمد قنديل، أن التداعيات السياسية للحرب في غزة هي السببب الرئيسي لهذا الموقف، مرجحا في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت” أن يكون غياب الرئيس الأميركي لأسباب تتعلق بعدم الرغبة بالمشاركة في قمة تعلم إدارته جيدا أن المناخ السياسي العالمي الذي شاركت واشنطن في صياغته لا يساعد على أن تأتي بجديد.

وتسببت العقوبات الاقتصادية التي نفذتها الولايات المتحدة بحق صادرات الغاز والنفط الروسية عقب الهجوم الروسي على أوكرانيا، في زيادة الطلب العالمي على الوقود الأحفوري، وهو ما أدى إلى ارتداد في السياسات المناخية ظهرت آثاره في “كوب 27” العام الماضي، ومن المتوقع استمراره في “كوب 28”.

ودفعت بعض الدول خلال قمة “كوب 27 ” في مصر باتجاه التخلص التدريجي الكامل من الوقود الأحفوري، لكنها أصيبت بخيبة أمل بسبب النص النهائي الذي دعا فقط إلى “الخفض التدريجي”.

ولا يتوقع قنديل أن يتغير الوضع في “كوب 28″، حيث لا يزال العالم غير مستعد إلى الآن إلى اتخاذ قرار التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، هذا إلى جانب أن تحقيق أي اختراق في هذا الملف يتطلب توافقا صينيا أميركيا باعتبارهما الدولتين الأكثر مساهمة في الانبعاثات، وهذا غير متوقع، لأن العلاقات بينهما تشهد توترا على خلفية المواقف السياسية المتباينة بينهما في قضايا الحرب الروسية الأوكرانية والحرب في قطاع غزة.

وبينما ستشهد “كوب 28” لأول مرة تقييما لما تحقق من إنجازات باتجاه تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، كما ستشهد أيضا محاولات إقرار صندوق الخسائر والأضرار المناخية، فإن الولايات المتحدة لم تقدم المأمول منها باتجاه تمويل إجراءات التكيف المناخي المنصوص عليها في اتفاقية باريس (مبلغ الـ100 مليون دولار الذي تعهدت الدول المتقدمة بتخصيصه لمساعدة الدول النامية)، كما أنها ليست مستعدة لمشاركة فعالة في تمويل صندوق الخسائر والأضرار، حيث تعكس مواقفها قبل القمة رغبة في التنصل من تلك المسئولية، وهو ما يدعم توجه غياب الرئيس الأميركي عن القمة حفاظا لماء وجهه، كما يرى قنديل.

تأثير مباشر وغير مباشر

وإذا كان تأثير الحرب في غزة على حضور الرئيس الأميركي محل جدل وخلاف، فإن هناك تأثيرا واضحا ومباشرا فيما يتعلق بمشروع “الطاقة البيئية” المشترك بين إسرائيل والأردن، والذي وُصف العام الماضي بأنه مثال على ما يمكن للسياسات الصديقة للبيئة أن تحققه باتجاه مستقبل أفضل في الشرق الأوسط.

وبموجب هذا المشروع الذي عرف باسم “المياه مقابل الطاقة”، تقوم الأردن بتزويد إسرائيل بالطاقة الشمسية، على أن تقوم إسرائيل بإرسال المياه المحلاة للأردن في المقابل. واتُّفق مبدئيا على بنوده في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وكان من المقرر التوقيع على النسخة النهائية في مؤتمر المناخ هذا العام “كوب 28”.

لكنّ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خرج في مقابلة تلفزيونية على قناة الجزيرة قبل أيام ليقول: “لن نوقع على هذه الاتفاقية بعد الآن.. هل تتخيلون وزيرا أردنيا يجلس بجانب وزير إسرائيلي ليوقع اتفاقية الماء والكهرباء وكل ذلك بينما إسرائيل تواصل قتل الأطفال في غزة؟”.

وهناك تأثير آخر للحرب في غزة سيكون أقل وضوحا، وقد ينعكس في مواقف الدول المختلفة عندما يتعلق الأمر بالموافقة على صفقات بشأن حماية البيئة.

يقول مدير ومؤسس متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي ومعهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة بجامعة بيت لحم في فلسطين مازن قُمصية في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”: “من الممكن أن يكون الدبلوماسيون من بعض البلدان الآن أقل استعدادا للتوصل إلى حل وسط مع الآخرين لأنهم يقفون على جوانب مختلفة من الصراع”.

ويضيف: “بعض الدول العربية الحليفة لأميركا والتي اتخذت مواقف أكثر تقاربا مع إسرائيل خلال الفترة الأخيرة، ستجد نفسها مضطرة أمام شعوبها ألا تتخذ موقفاً أميركياً 100٪ في مفاوضات المناخ، من باب مخالفة أميركا بسبب موقفها في الحرب، كما أن التحالف الذي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي سيدفع بدوره ضد روسيا والصين (بحجة أوكرانيا وتايوان)، وقد تبدأ الدول النامية في الابتعاد عن محور الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لتكوين صداقات مع روسيا والصين، وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة انعكاس ذلك على المفاوضات، لذلك فإن توقعاتي هي أن السياسة ستلقي بظلالها على هذا المؤتمر بشكل كبير”.

احتجاجات وتأثيرات اقتصادية

ورصد فريدريك ويري -وهو زميل أول في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي- تأثيرات الحرب من وجهة نظر أخرى، وهي أنه “من المرجح أن يلفت نشطاء المجتمع المدني الذين يحضرون المؤتمر الانتباه إلى تأثير الغزو الإسرائيلي المتصاعد، وما يصاحبه من تدمير للبنية التحتية وخدمات المياه والنزوح الجماعي على قدرة الفلسطينيين على اتخاذ إجراءات للتكيف مع تغير المناخ”.

وقال في تحليل نشره في الموقع الإلكتروني للمؤسسة: “قد تتوسع هذه الدعوات لتتحول إلى انتقاد لتطبيع دول عربية مع إسرائيل، مما يشكل تحديا لمضيفي مؤتمر الأطراف للوفاء بتعهدهم بالاندماج وحرية التجمع”.

ولفت فريدريك إلى تأثير آخر هو التأثير الاقتصادي، موضحا أن “التأثير الإجمالي للصراع في غزة على الاقتصاد العالمي ضئيل حاليا، لكن من المرجح أن يؤدي إطالة أمد الحرب وتوسعها الجغرافي إلى قتامة الصورة إلى حد كبير وفقا لصندوق النقد الدولي، مما يؤثر على أسعار النفط والنمو، وقد يؤثر ذلك سلبا على قدرة البلدان الأكثر ثراء واستعدادها لمساعدة البلدان الأكثر فقرا والأقل حظا والتي تعاني من تغير المناخ، بما في ذلك بلدان الشرق الأوسط، ويمكنه أيضا أن يعزز الأصوات التي ترى أن العالم ليس مستعدا الآن للتخلص من الوقود الأحفوري”.

وإضافة لذلك، فإن الحرب في غزة ستقلص بكل تأكيد من حجم المشاركة الإسرائيلية في القمة، وتلغي خطط حضور رئيس  الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقمة. يقول فريدريك: “سيكون من الصعب تصور حدوث ذلك الآن، إذ كيف سيشارك الزعيم الإسرائيلي في ضوء الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة وتدفق التضامن مع الفلسطينيين بين الجماهير العربية بما في ذلك شعوب الخليج”.

ليست كالحرب الروسية الأوكرانية

وبدوره، لا ينكر كبير مستشاري تغير المناخ والتنمية الريفية بالمكتب الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) محمد عبد المنعم، احتمالية وقوع كل هذه التأثيرات التي تحدّث عنها الخبراء، لكنه يرى أنها لا تقارَن بتأثير الحرب الروسية الأوكرانية.

ويقول في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”: “للأسف فإن مؤتمرات المناخ أصبحت مؤتمرات اقتصادية وليست بيئية، والمحرك الأساسي للمفاوضات بها هو الاقتصاد، لذلك فإن الحرب في غزة لن تكون مؤثرة مثل الحرب الأوكرانية الروسية، لأن الأخيرة منطقة مؤثرة على اقتصاد العالم من حيث إنتاج النفط والغاز والحبوب والأسمدة”.

وفي ظل سطوة الاقتصاد على البيئة، لا يتوقع عبد المنعم تحقيق المؤتمر أي اختراق في ملف خفض الانبعاثات، رغم أن ما شهده العالم من مناخ متطرف هذا العام ونتائج أول تقييم لأداء العالم باتجاه تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، يجعل من القمة الحالية “قمة استثنائية”.

ومن المتوقع أن يكون هذا العام هو الأكثر سخونة على الإطلاق مع موجات الحر التاريخية التي ضربت الولايات المتحدة والصين وجنوب أوروبا هذا الصيف، والسبب الأساسي لذلك بشكل كبير هو حرق الوقود الأحفوري.

ودعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في يوليو/تموز الماضي الحكومات إلى اعتماد خطط عمل خاصة بارتفاع درجات الحرارة “لحماية مئات الآلاف من الأشخاص الذين يموتون كل عام لأسباب ترتبط بالحرارة ويمكن الوقاية منها”.

وتعقد قمة “كوب 28” بعد صدور أول تقييم لما تم أحرازه نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس لعام 2015، ويُظهِر التقييم نتائج مثيرة للقلق، منها أن البلدان بعيدة كل البعد عن تحقيق أهداف اتفاق باريس، كما أن النافذة التي لا يزال بوسع العالم من خلالها الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة “تضيق بسرعة”، ولتحقيق هذا الهدف يتعين على الدول خفض انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية بنسبة 43% بحلول عام 2030 و60% بحلول عام 2035 مقارنة بمستويات عام 2019.

يقول عبد المنعم: “يجب أن يتخلص العالم في هذه القمة من سطوة الاقتصاد، لأن العالم أصبح يواجه خطرا وجوديا بسبب تغيرات المناخ”.

شاركها.
Exit mobile version