هل ستؤدي محادثات قمة المناخ (كوب 28) التي تجريها الأمم المتحدة هذا العام في الإمارات، وتنتهي غدا الأربعاء، إلى أول اتفاق عالمي للتخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري؟

من الواضح أن المواقف المعلنة للكتلة الأوروبية والولايات المتحدة والمسؤولين الدوليين يتقدمهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ تضغط في هذا الاتجاه. غير أن الواقع وما يدور خلف الأبواب المغلقة يشير إلى عكس ذلك كما يؤكد خبراء استطلعت “الجزيرة نت ” آراءهم، فيرى هؤلاء أن الأقرب للاعتماد هو الرؤية الواقعية التي تتبناها دول الخليج، والتي تذهب إلى أنه بالإمكان إنتاج الوقود مع الاستثمار في تكنولوجيات تنظيف الانبعاثات.

ويردد المطالبون بـ”التخلص التدريجي” من الوقود الأحفوري، وأن حرقه يعد أكبر سبب لتغير المناخ على الإطلاق، ولكن الرافضين لهذه الرؤية يرون أنه محرك الحياة الحديثة، فحتى مع نمو مصادر الطاقة المتجددة، لا يزال يمثل نحو 80% من الطاقة المنتجة في العالم.

مسودة أقرب للرؤية الخليجية

ولم تعالج مفاوضات المناخ خلال العقود الثلاثة الماضية هذه القضية بشكل مباشر، وكانت قمة غلاسكو (كوب 26) عام 2021 هي أول تقدم ملموس في هذا الاتجاه، حيث خرجت باتفاق للحد من استخدام الفحم، ولكن دون ذكر النفط والغاز.

وكان العالم يسعى لخطوة أكثر تقدما في قمة (كوب 27) بمدينة شرم الشيخ المصرية، غير أن الاضطراب العالمي في سوق الطاقة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، تسبب حينها بخروج القمة دون تحقيق هذا الهدف.

وجاءت أكثر من 80 دولة من الداعين إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري إلى قمة (كوب 28) في دبي واهتمامها المعلن ينصب في اتجاه هذا الهدف، غير أن أحدث مسودة لمخرجات القمة نشرتها هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة يوم أمس الاثنين تبدو أقرب للرؤية للخليجية. ولم تشر المسودة إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري الذي كان مطلبا رئيسيا من جانب الاتحاد الأوروبي وأميركا والعديد من البلدان النامية المعرضة بشكل خاص لتغير المناخ.

وجاء في القسم ذي الصلة من النص: أن الأطراف تعترف بالحاجة إلى تخفيضات عميقة وسريعة ومستدامة في انبعاثات غازات الدفيئة، وتدعو الأطراف إلى اتخاذ إجراءات يمكن أن تشمل:

  • أولا: مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة على مستوى العالم ثلاث مرات ومضاعفة المتوسط العالمي للمعدل السنوي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة بحلول عام 2030.
  • ثانيا: الإسراع بالخفض التدريجي بلا هوادة للفحم والقيود المفروضة على السماح بتوليد الطاقة الجديدة والمتواصلة بالفحم.
  • ثالثا: تسريع الجهود على الصعيد العالمي نحو إنشاء أنظمة طاقة خالية من الانبعاثات، واستخدام أنواع الوقود الخالية من الكربون والمنخفضة الكربون قبل منتصف القرن أو بحلول منتصفه تقريبا.
  • رابعا: تسريع وتيرة التكنولوجيات الخالية من الانبعاثات والمنخفضة الانبعاثات، بما في ذلك -ضمن جملة أمور- تكنولوجيات الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا النووية، وتكنولوجيات التخفيض والإزالة بما في ذلك احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، وإنتاج الهيدروجين المنخفض الكربون.
  • خامسا: الحد من استهلاك وإنتاج الوقود الأحفوري بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة لتحقيق صافي الصفر بحلول عام 2050 أو قبله أو في حدوده، بما يتماشى مع العلم.

العالم غير مستعد

ويثق عضو مجلس إدارة شركة “دى كاربون غلوبال” لاستشارات التنمية المستدامة والرئيس السابق للإدارة المركزية للتغيرات المناخية بوزارة البيئة المصرية هشام عيسى، في أن النص النهائي لن يخرج عن هذا الإطار.

ويقول في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”: إن “العالم غير مهيأ للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري كما تنادي دول الاتحاد الأوروبي وأميركا، لسبب بسيط وهو أن تقنيات الطاقة المتجددة لا تزال غير قابلة للتعميم بسبب ارتفاع قيمتها من ناحية، كما أنه لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير من ناحية أخرى لارتباطها بشروط لا يمكن السيطرة عليها”.

ويوضح أن الطاقة الشمسية على سبيل المثال، تحتاج إلى شروط منها على سبيل المثال:

  • الاتساق في الإشعاع الشمسي، حيث يسمح الإشعاع الشمسي المستمر طوال اليوم بإنتاج الطاقة بشكل أكثر ثباتا، وقد تواجه المناطق ذات ضوء الشمس المتقلب أو غير المتناسق اختلافات في إنتاج الطاقة.
  • الغطاء السحابي في حده الأدني، حيث يمكن أن تقلل الظروف الغائمة من كمية ضوء الشمس التي تصل إلى الألواح الشمسية، مما يؤثر في إنتاج الطاقة، وبالتالي فإن المناطق ذات الأيام الأقل غيما تكون أكثر ملاءمة لتوليد الطاقة الشمسية بكفاءة.

ويتساءل عيسى مستنكرا: “هل تستطيع دولة مثل ألمانيا لا تتعدى فترة النهار فيها خلال فصل الشتاء ست ساعات، ولا توفر شمس الصيف الشروط المناسبة لإنتاج الطاقة الشمسية، أن تعتمد على الطاقات المتجددة وتطلّق الوقود الأحفوري طلاقا بائنا؟”.

المادة 6 من اتفاقية باريس للمناخ

ويخرج عيسى من ذلك إلى الحديث عما يدور خلف الأبواب المغلقة، وكله يتعلق بالمادة 6 من اتفاقية باريس للتغيرات المناخية، والتي تؤسس لما بات يعرف باسم “أسواق الكربون الطوعية”، وفكرتها باختصار أن “الدول التي لديها انبعاثات كربونية ستقوم بشراء تصاريح انبعاثات مساوية لانبعاثاتها من الدول التي نجحت في التخفيض، ويمثل كل تصريح عادة الحق في انبعاث طن واحد من ثاني أكسيد الكربون أو ما يعادله، ويمكن لتلك التي يمكنها خفض الانبعاثات بشكل أكثر كفاءة أو بتكاليف أقل بيع الفائض لأولئك الذين يواجهون تكاليف أعلى أو صعوبات في خفض الانبعاثات، ويتم تحديد سعر الانبعاثات من خلال ديناميكيات العرض والطلب داخل السوق”.

ويقول: “بينما تنادي الدول الصناعية في أوروبا ومعها أميركا بخفض الانبعاثات عن طريق التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والاستثمار في الطاقات المتجددة، فهي في المقابل، ولأنها تملك المال، ستستمر في الإنتاج وتشغيل المصانع باستخدام الوقود الأحفوري، وشراء تصاريح الانبعاثات من الدول النامية، ولن تستطيع الأخيرة الاستثمار في تكنولوجيات الطاقات المتجددة دون الاعتماد على الدول الغربية التي تملك الملكية الفكرية لتلك التكنولوجيات، وبالتالي ستعتمد في شرائها على الدول الغربية، وبالتالي فإن ما أنفقته الدول الغربية في شراء تصاريح الكربون، قامت بتعويضة عن طريق بيع تكنولوجيا الطاقة المتجددة، وتكون قد حققت الهدف الذي تسعى له، وهو خفض الطلب العالمي على الوقود الأحفوري، لاسيما النفط والغاز، حتى تحصل عليه بسعر رخيص للغاية”.

ويضيف: “لكن أعتقد أن دول الخليج وغيرها من الدول المنتجة للنفط تدرك جيدا هذا المخطط، لذلك فإنها تضغط باتجاه استمرار إنتاج الوقود الأحفوري، مع الاستثمار في تقنيات تنظيف الانبعاثات، وهذه هي الرؤية الواقعية التي سيحصل عليها التوافق في النهاية”.

مفارقات القمة السابقة

ويؤكد رئيس وحدة الدراسات الدولية وبرنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بمصرأحمد قنديل، على ما ذهب إليه عيسى من أن العالم غير مهيأ للتخلص من الوقود الأحفوري، مسترجعا ما حدث العام الماضي خلال قمة المناخ “كوب 27″.

ويقول لـ”الجزيرة نت”: “بينما كانت أميركا ومعها الدول الأوروبية ينادون بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، كان هناك خلاف سياسي حينها بين أميركا والسعودية على خلفية اتهام واشنطن للرياض بأنها لم تضغط في منظمة أوبك باتجاه زيادة إنتاج النفط الذي يحافظ على السعر منخفضا، وهو ما رفضته دول أوبك حينها”.

ومن المفارقات الأخرى التي يشير إليها قنديل، والتي تؤكد عدم استعداد دول العالم لما تنادي به علنا بشأن التخلص من الوقود الأحفوري مخفية أهدافها الحقيقية، هو أن ألمانيا التي تتزعم الدول المنادية بالتخلص من الوقود الأحفوري، أجبرتها الأزمة الأوكرانية الروسية بعد قطع روسيا الغاز عن أوروبا إلى العودة لأردأ أنواع الطاقة -وهي “طاقة الفحم”- لتوليد الكهرباء وتشغيل المصانع.

ويقول إنه “بينما تلمست بعض الدول النامية في أفريقيا طريقها نحو إنتاج النفط، طالبتها دول أوروبا -ومنها ألمانيا التي عادت للفحم مجبرة- على أن تهجر الاكتشافات الحديثة بها بدعوى مواجهة تغير المناخ، وهذا ليس من العدالة المناخية”.

وعبّر بعض ممثلي الدول الأفريقية عن هذا المعنى الذي أشار إليه قنديل، حيث قالوا إنهم يمكن أن يدعموا اتفاق التخلص التدريجي إذا وافقت الدول الغنية -التي تنتج وتستخدم الوقود الأحفوري منذ فترة طويلة- على التخلص منه أولا.

وفي تصريحات نقلتها وكالة “رويترز”، قالت وزيرة الطاقة الأوغندية روث نانكابيروا التي بدأ بلدها في حفر أول بئر إنتاجية هذا العام: “إن مطالبة أوغندا بوقف الوقود الأحفوري إهانة حقيقية، حيث يبدو الأمر كما لو كنت تطلب من أوغندا أن تبقى في الفقر”.

وأضافت: “ومع ذلك فإن البلاد يمكن أن تقبل تخلصا تدريجيا على المدى الطويل إذا انسحب المنتجون الأثرياء منذ فترة طويلة أولا، فمن دخل أولا يجب أن يخرج أولا، وسنكون سعداء بأن نكون آخر من يخرج من الوقود الأحفوري”.

وعليه، فإن قنديل يرى أن الرؤية الأكثر واقعية هي تلك التي ظهرت في المسودة الصادرة يوم الاثنين، والتي لا تتضمن أي إشارة إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وتعطي مزيدا من الاهتمام بتنظيف الانبعاثات عن طريق تقنيات احتجاز الكربون.

تقنيات احتجاز الكربون

وتقنيات احتجاز الكربون هي طرق مصممة لالتقاط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن العمليات الصناعية وتوليد الطاقة والمصادر الأخرى قبل إطلاقها في الغلاف الجوي، وتهدف إلى التخفيف من تأثير ثاني أكسيد الكربون على المناخ عن طريق منع إطلاقه أو إزالته من الغلاف الجوي.

وهناك ثلاثة أنواع أساسية من تقنيات احتجاز الكربون:

  • التقاط ما بعد الاحتراق: وهذه الطريقة تلتقط ثاني أكسيد الكربون من غازات المداخن الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري في محطات توليد الطاقة أو المنشآت الصناعية، وهي تنطوي على فصل ثاني أكسيد الكربون عن الغازات الأخرى، وعادة ما تفعل ذلك باستخدام المذيبات الكيميائية أو المواد الماصة قبل انبعاثه إلى الغلاف الجوي.
  • احتجاز ما قبل الاحتراق: وفيها يُحجز الكربون قبل حرق الوقود، وفي بعض العمليات الصناعية أو أنظمة توليد الطاقة يُحوّل الوقود (مثل الفحم أو الغاز الطبيعي) إلى خليط من الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون قبل الاحتراق، ثم يلتقط ثاني أكسيد الكربون قبل حرق الهيدروجين.
  • احتراق الوقود بالأكسجين: وفي هذه الطريقة يُحرق الوقود في الأكسجين بدلا من الهواء، مما يؤدي إلى تكوين غاز مداخن يتكون بشكل رئيسي من ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، ويُكثف بخار الماء فيترك تيارا من ثاني أكسيد الكربون النقي تقريبا والذي يمكن التقاطه، وبمجرد التقاطه يمكن نقل ثاني أكسيد الكربون وتخزينه عادة في التكوينات الجيولوجية العميقة تحت الأرض، وهي عملية تعرف باسم احتجاز الكربون وتخزينه، ومن الممكن أن يظل ثاني أكسيد الكربون المخزن محتجزا لفترات طويلة، وبالتالي يمنع انطلاقه في الغلاف الجوي.

ورغم أن هذه التكنولوجيات تبشر بالخير في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإن فاعليتها ليست كاملة لعدة أسباب، يكشف عنها الزميل الزائر لمعهد الجامعة الأوروبية في مدينة فيسول الإيطالية والأستاذ المشارك في مدرسة سانتانا العليا بمدينة بيزا الإيطالية فرانشيسكو غريللو.

ففي حديث هاتفي لـ “الجزيرة نت” ويقول غريللو: إن “تقنيات الانبعاثات لا تحقق معدلات التقاط كاملة، وتشير دراسات لجامعة أوكسفورد البريطانية، إلى أن تقنيات احتجاز الكربون تحل نصف مشكلة خفض الانبعاثات فقط بحلول عام 2050”.

وإضافة لتحدي كفاءة الالتقاط، يوضح أن “كلفة هذه التقنيات مرتفعة للغاية، حيث تصل إلى نحو تريليون دولار سنويا على مستوى العالم، وهو مبلغ كبير للغاية، لذا فإن تلك التقنيات لا تزال غير ناضجة بما فيه الكفاية كي نتوقع أن تكون قادرة على حل المشكلة بمفردها، لكنها يمكن أن تكون مهمة للغاية خاصة في البلدان المنتجة للنفط والغاز مثل قطر، والتي تستخدمها بالفعل”.

والطريق الذي يراه غريللو مناسبا لتحقيق نتائج ملموسة في تلك البلدان، هي تنويع الحلول، بالتركيز على تلك التقنيات مع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.

شاركها.
Exit mobile version