ما زالت التحريات التي يجريها العلماء على عينات رحلات “أبولو” إلى القمر -خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي- تلقي بظلالها على اكتشافات اليوم، فما أعلن عنه فريق من الباحثين من نتائج في ورقة بحثية نُشرت في دورية “ساينس أدفانسز” يكشف عن المسببات المثيرة لتكوّن الغلاف الجوي الرقيق للقمر.

وأظهرت رحلات الفضاء خلال العقود الماضية أنّ للقمر غلاف جوّي رقيق، يُطلق عليه عمليا “إكسوسفير” (Exosphere) ويتكون في المقام الأول من عناصر الهيليوم والأرغون والصوديوم والبوتاسيوم. كما أنه عند حلول الظلام، يسقط هذا الغلاف الجوّي على سطح القمر، ولا يكون صالحا للاستنشاق.

وقد توصل الباحثون من معهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا إلى أن انفجار النيازك على سطح القمر هو الدافع الرئيس لتكون طبقة الغلاف الجوي الرقيقة، إذ إن الارتطام الشديد يولد حرارة تتراوح درجتها بين ألفين و6 آلاف درجة مئوية، وذلك كفيل بأن يذيب الصخور ويدفعها للتبخر، بشكل يشبه تبخر الماء حينما يتعرض للحرارة، فينتج عن ذلك صعود العديد من الذرات وهروبها من جاذبية القمر.

ويعد الغلاف الجوي للقمر رقيقا وهشا للغاية يكاد لا يُشعر به، ذلك لأنّ الذرات متطايرة في الفراغ وغير متجانسة على نقيض ما عليه الأمر بالنسبة لكوكب الأرض الذي يتمتع بغلاف جوي سميك ومستقر.

رحلات الفضاء لدراسة غلاف القمر الجوّي عن قرب

ورغم أن رحلات “أبولو” في القرن الماضي كانت هي أولى ما أثارت هذه الميزة الفلكية الخفية للقمر، فإنّ رحلة الفضاء “إل آي دي إيه إيه” (مستكشف بيئة الغبار والغلاف الجوي القمري) التابعة لوكالة “ناسا” -والتي انطلقت عام 2013- تعد الأكثر تخصصا لدراسة الغلاف الجوي، فقد دار القمر الصناعي حول القمر وجمع العديد من البيانات عن تكوين الغلاف الجوي القمري وتقلباته.

وكان أحد أهداف المهمة الأساسية تحديد مصادر الغبار القمري وفهم كيفية تفاعل هذا الغبار مع الغلاف الجوي للقمر، كما حمل القمر الصناعي أدوات علمية لتحقيق أهداف المهمة قدمت قياسات شاملة، مما ساعد العلماء على فهم ديناميكيات وتكوين الغلاف الجوي بشكل أفضل.

واستمرت المهمة الفضائية حوالي 6 أشهر قبل أن يصطدم القمر الصناعي عمدا بسطح القمر، ليكشف عن نمطي “التجوية الفضائية” التي يتعرض لها، النمط الأول هو اصطدام النيازك المتواتر، والآخر هو “رشرشة الرياح الشمسية”.

والتجوية الفضائية مصطلح فلكي يرمز إلى الظروف القاسية التي تتعرض لها الأجرام السماوية التي لا تمتلك غلاف جويا سميكا قادرا على توفير الحماية من مختلف الأجسام الغريبة الخارجية.

وتؤثر الرياح الشمسية الحاملة لجزيئات مشحونة عالية الطاقة مثل البروتونات، على تربة القمر، بنقل الطاقة إليها مما يتسبب في تناثر التربة التي أصبحت مشحونة فترتفع متناثرة عن سطح القمر.

 

غلاف القمر الجوي

ورغم أن رحلة “إل آي دي إيه إيه” الفضائية قد توصلت إلى نتائج غير مسبوقة فيما يتعلق بغلاف القمر الجوي، فإنّها لم تحدد نسب مساهمة كلٍّ من العاملين المذكورين، وهو ما أظهرته الدراسة الحديثة التي قالت إن الغلاف الجوي للقمر يساهم في تكوينه ارتطام النيازك بنسبة 70%، في حين تساهم الرياح الشمسية بنحو 30%.

وعلى ما يبدو عليه القمر من شكله الحالي بفوهاته الكبيرة والمنتشرة في أرجائه، فقد تعرض لمختلف أحجام النيازك على مر التاريخ خلال مراحل تكوينه، وعلى الرغم من انخفاض وتيرة النيازك الكبيرة الساقطة عليه، تبقى النيازك الأصغر حجما تهطل باستمرار حتى اليوم متسببة في تشكل الغلاف الجوي الرقيق للقمر.

ويمتد هذا الغلاف من سطح القمر إلى ارتفاع حوالي 100 كيلومتر، في حين يمتد الغلاف الجوي للأرض إلى حوالي 10 كيلومترات، وقد اعتمد الباحثون في دراستهم على دراسة العينات التي جلبها رواد الفضاء ضمن برنامج “أبولو” بدلا من دراسة الغلاف الجوي الفعلي للقمر.

وذلك لأن تربة القمر تتفاعل باستمرار مع الغلاف الجوي، ويترك هذا التفاعل بصمات مميزة حول تركيب النظائر والتي يمكن مقارنتها، والنظائر هي ذرات من نفس العنصر الكيميائي بكتل مختلفة قليلا بسبب اختلاف أعداد الجسيمات دون الذرية المعروفة بالنيوترونات.

وقد استخدم العلماء أجهزة متطوّرة لقياس “مطيافية الكتلة” لفحص نسبة النظائر المختلفة لبعض العناصر مثل البوتاسيوم والروبيديوم في تربة القمر، وهو ما أدى إلى الوصول إلى النتائج الحالية.

شاركها.
Exit mobile version