مع نشوب حريق كبير في أحد أبراج تبريد محطة زاباروجيا النووية التي تقع جنوب شرقي أوكرانيا وتسيطر عليها القوات الروسية تبادلت كل من روسيا وأوكرانيا الاتهامات، إذ قالت الإدارة الروسية للمحطة إن ما حصل كان نتيجة هجوم أوكراني.
في المقابل، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن القوات الروسية أشعلت حريقا في الأراضي الخاصة بمحطة زاباروجيا للطاقة النووية.
ويتفق الأوكرانيون والروس في بياناتهم على أن نسب الإشعاع بمحيط المحطة في مستوى طبيعي حاليا.
أكثر أمانا ولكن
وتعد زاباروجيا أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا وتضم 6 مفاعلات من طراز “في في إي آر 1000” كل منها قادر على توليد ألف ميغاواط، بسعة إجمالية تبلغ 5.7 غيغاواطات، وهي بذلك أكبر في القدرة وعدد المفاعلات من محطة تشرنوبل التي امتلكت 4 مفاعلات، بسعة إجمالية تبلغ نحو 4 غيغاواطات، وذلك قبل الكارثة التي حدثت سنة 1986.
وتمتلك محطة زاباروجيا سمات سلامة متقدمة لدرجة أنها مؤمّنة ضد اصطدام الطائرات بها، وتمتلك هياكل احتواء وأنظمة تبريد لقلب المفاعل في حالات الطوارئ، والتي لم تكن موجودة في تشرنوبيل.
لكن وقوع المحطة في منطقة حرب لفت انتباه المختصين بالطاقة الذرية إليها، لأن استهدافا مباشر أو غير مباشر لها يمكن أن تكون له عواقب وخيمة.
ويعتقد العلماء أنه إذا حصل ذلك فسيمثل الأمر خطرا شديدا بالنسبة لكل أوروبا، إذ قد يؤدي التفجير إلى إطلاق كمية كبيرة من المواد المشعة في الغلاف الجوي كما حدث أثناء كارثة تشرنوبيل في عام 1986 أو كارثة فوكوشيما في عام 2011.
نقطة استبعاد
وبالطبع لا يمكن التنبؤ بما سيحدث في حالة ضرب المحطة، لأن ذلك يتوقف على معايير عدة، منها حجم الضربة وتأثيرها على عمل المفاعل والطقس في المنطقة خلال الضربة وبعدها.
لكن يمكن للانفجار الفوري الناتج عن ضرب المحطة أن يدمر البنية التحتية التي تقع ضمن 1-5 كيلومترات حولها، مع مستويات إشعاعية عالية جدا وتأثيرات حرارية تؤدي إلى حرائق بحسب قوة الضربة، ومن المرجح أن تكون هذه المنطقة قاتلة على الفور لأي شخص داخلها.
ومن المرجح كذلك في حال كانت الضربة قوية كفاية لتطال كل جوانب المحطة أن تكون مستويات الإشعاع ضمن 10-30 كيلومترا قاتلة، إذ يمكن لأي شخص غير مؤمّن ضد الإشعاع أن يصاب بتسمم إشعاعي حاد تبدأ أعراضه بالغثيان والقيء لكنها لا تلبث أن تتطور سريعا.
لذلك، سيكون الإخلاء الإلزامي والسريع مطلوبا في نطاق 30-50 كيلومترا بسبب مستويات الإشعاع الخطيرة، وعلى نحو مماثل أدت كارثة تشرنوبيل إلى إخلاء مناطق ضمن دائرة نصف قطرها 30 كيلومترا، ولكن النطاق هنا من المرجح أن يكون أوسع في حال ضُرب عدد من مفاعلات المحطة، وفي حالة تشرنوبل تعلقت المشكلة بمفاعل واحد فقط.
ومن المرجح في هذا السياق إنشاء منطقة استبعاد أكبر تغطي دائرة نصف قطرها 50-100 كيلو أو أكثر، وستكون هذه المنطقة ملوثة بشدة بالغبار المشع مع مرور الوقت، مما يجعلها غير صالحة للسكن على مدى عقود أو حتى قرون، حيث تم تلويث التربة ومصادر المياه والنباتات وكل إمدادات الغذاء، مما يؤدي إلى تدهور بيئي طويل الأمد.
مشكلة أوروبية
ويتخطى الأمر هذا الحد، إذ يمكن أن يسافر الإشعاع إلى مناطق تصل إلى 200-300 كيلومتر بعيدا عن المحطة، وذلك اعتمادا على أنماط الرياح وظروف الطقس.
ومن شأن هذا أن يؤدي إلى تلوث واسع النطاق للتربة والمياه والهواء، مما يجعل هذه المناطق خطيرة على الزراعة والسكن البشري.
وفي هذا السياق، يمكن أن تتأثر البلدان المجاورة لأوكرانيا، مثل بيلاروسيا وبولندا ورومانيا، مع احتمال وصول الإشعاع إلى مناطق أبعد في أوروبا.
وفي أسوأ السيناريوهات قد تنتقل الجسيمات المشعة عبر الرياح في جميع أنحاء أوروبا، مما قد يؤدي إلى تلويث مناطق تبعد عن أوكرانيا مسافة ألف إلى ألفي كيلومتر، وسيتطلب الأمر من المناطق المجاورة على تلك المسافة من المحطة قياس نسب الإشعاع وتلوث المياه والغذاء بشكل دائم، إضافة إلى معدلات ارتفاع السرطان خلال السنوات التالية.
وفي هذا السياق، سيكون التأثير الاقتصادي كبيرا، بما في ذلك التكاليف المرتبطة بالعلاج والتأمين والتطهير، وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات السياسية، وربما العسكرية بين روسيا ودول الناتو.