عندما اجتاح إعصار إيداي متنزه جورونجوسا الوطني في موزمبيق في مايو/أيار 2019، كان هذا المتنزه الذي أنشئ عام 2008 -وهو أحد أكثر متنزهات الحياة البرية تطورا من حيث استخدام التكنولوجيا في إدارته- يواجه أحد أشد الكوارث الطبيعية فتكا، مما أدى لفقدان عدد كبير من موجودات هذا المتنزه من الحيوانات.

وبفضل وجود كاميرات المراقبة وأجهزة تتبع الحيوانات المربوطة بنظام تحديد المواقع العالمي التي كانت موجودة في المتنزه، تمكن فريق دولي بقيادة باحثين من جامعة برينستون الأميركية من تتبع ودراسة استجابات الحيوانات التي تعيش في المتنزه لحظة بلحظة. وقدم الفريق نتائج دراسته تلك في ورقة نشرت حديثا في دورية “نيتشر”.

سلوك الثدييات في الوقت الفعلي

ركزت الورقة على تتبع سلوكيات الثدييات على وجه خاص. وكما يقول الباحثون في البيان الصحفي المنشور على موقع “فيز دوت أورغ”، فإن “هذه هي الدراسة الأولى التي تمكنت على الإطلاق من تتبع الاستجابات في الوقت الفعلي لمجتمع الثدييات الكبيرة لكارثة طبيعية”.

وتقول هالي براون الباحثة المشاركة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في قسم البيئة والبيولوجيا البيئية بجامعة برينستون والمؤلفة الأولى للورقة: إن الباحثين شاهدوا ارتفاع المياه وردود أفعال الحيوانات في الساعات والأيام والأسابيع التي تلت الإعصار، وكيف نجا البعض منهم من مياه الفيضانات، والبعض الآخر لم ينج.

واستخدم الباحثون البيانات التي كانت لديهم من قبل وأثناء وبعد العاصفة لإنشاء، ليس مجرد وصف لهذا الحدث وحده، ولكن مجموعة أوسع من التوقعات، حتى يتمكن مديرو المتنزه “من توقع تأثيرات الأحداث الجوية القاسية المتزايدة بشكل أفضل”.

الحجم.. أفضل مؤشر للبقاء

ووجد فريق البحث أن أفضل مؤشر للبقاء على قيد الحياة كان هو الحجم، حيث شهد حيوان الأوريبي الصغير -وهو نوع من الظباء بحجم كلب الصيد السلوقي- انخفاضا في أعداده بنسبة 50%، كما مات أيضا نحو نصف حيوانات القصب، وهو نوع من الظباء الأفريقية الأكبر حجما قليلا، بينما شهد ظبي الشجيرات متوسط الحجم فقدان 4٪ فقط من إجمالي أعداده.

وكشفت بيانات نظام تحديد المواقع العالمي أن ظباء الشجيرات كانت تبحث عن التلال لتسلقها، بما في ذلك تلال النمل الأبيض التي يصل ارتفاعها إلى 5 أمتار، وطولها 20 مترا، والتي أصبحت جزرا في الفيضان.

ورأى الباحثون أن أحد الناجين من أفراد تلك الظباء كان يقفز من تل إلى تل، ويمر بسرعة عبر مياه الفيضانات بينهما، قبل أن يجد الأمان في الغابة على ارتفاعات أعلى. ولم تحدث وفيات في الحيوانات العاشبة الأربعة الأكبر حجما، وهي نيالا وكودو والسمور والفيل.

ووجد الباحثون أن حجم الجسم وفر أيضا حماية بطريقة ثانوية، حيث لم تتمكن الحيوانات الصغيرة الحجم من تجاوز المياه فحسب، بل لم تكن قادرة أيضا على التغلب على القيود الغذائية بعد ذلك. فنظرا إلى أن الفيضان كان مرتفعا جدا لفترة طويلة، فقد قتل الكثير من الأعشاب والنباتات المنخفضة، ولم تستطيع الحيوانات الصغيرة تحمّل تلك الفترات المحدودة من الناحية الغذائية مثل الحيوانات الكبيرة التي لديها مزيد من الدهون التي تعتمد عليها.

وكما قالت براون فإن الحيوانات آكلة اللحوم القليلة في المتنزه نجت من العاصفة بشكل جيد، حيث استفادت الكلاب البرية والفهود من تركز فرائسها في المناطق المرتفعة، وبقي مصدر الغذاء الأساسي للأسود هو الخنازير في المرتفعات لعدة أشهر، لكنها لم تتأثر إلى حد كبير بالإعصار.

لذا فقد أوصى الباحثون بتوصيتين أساسيتين لمديري الحياة البرية هما: إخلاء أصغر الكائنات وأكثرها ضعفا من الناحية البيئية إلى مناطق أكثر أمانا قبل وقوع العواصف، وتوفير العلف التكميلي بعد العاصفة.

شاركها.
Exit mobile version