من حين لآخر يحدث أن تقترن الكواكب معا في سماء الليل، فمثلا شهد شهر أغسطس/آب هذا العام وقوف كل من المريخ والمشتري في السماء إلى جوار بعضهما في وقت متأخر من الليل، وتسمى محاذاة الكواكب تلك بـ”الاقتران”، وهي ظاهرة ماتعة يتتبعها هواة الفلك من شهر لآخر.

وتلمع الكواكب في السماء لأنها تعكس ضوء الشمس مثل القمر، لكن لأنها بعيدا جدا فإنها تلمع بشكل أكثر خفوتا، وتبدو كالنجوم.

ولطالما لاحظ القدماء حركة الكواكب في السماء، وفي هذا السياق اعتقدوا أن هناك علاقة بين تلك الكواكب وما يحدث على سطح الأرض، بداية من اعتقاد المنجمين في وجود رابط بين تلك الكواكب ومصائرنا، ووصولا إلى النسخ الأحدث من هذا الادعاء وهي القول إن اقتران الكواكب يؤثر على الظواهر الجيولوجية (مثل البراكين والزلازل) والمناخية (مثل الأعاصير والفيضانات) على سطح كوكب الأرض.

تأثير الكواكب

لكن العلماء متفقين على أن ذلك غير صحيح، فهذه المحاذاة هي في المقام الأول ظاهرة بصرية، أي أن الكواكب التي تظهر في السماء إلى جوار بعضها البعض تكون في الأصل بعيدة جدا عن بعضها البعض، فالمريخ مثلا يقف من الأرض حاليا على مسافة حوالي 220 مليون كيلومتر؛ بينما المشتري يقف على مسافة حوالي 800 مليون كيلومتر، ولكن في السماء تراهما يقفان إلى جوار بعضهما البعض.

أحد التجارب التي أجريت في هذا الصدد كانت توقعات نشرها في عام 1974 الفيزيائي الفلكي البريطاني الشهير جون جريبن بالتعاون مع ستيفن بلاجمان في كتاب “تأثير المشتري”، والذي تحدث عن أثر محتمل للاقترانات الكوكبية في السماء على زلازل الأرض، وتوقع كلاهما -من ضمن عدد من التوقعات- حدوث زلزال في فالق سان أندرياس في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية في العاشر من مارس/آذار عام 1982.

قال العالمان إنه من الممكن أن تؤثر اقترانات الكواكب على الشمس، والتي ستؤثر بدورها في الأرض عبر إبطاء دورانها بمعدل يسمح بتهتك أكبر من المعتاد في القشرة الأرضية؛ مما قد يتسبب في عدد من الكوارث، منها زلزال سان أندرياس المحتمل بحسب توقعات العالمين.

ولكن مر العاشر من مارس/آذار بسلام، وفي عام 1990 أعلن جريبن أنه أخطأ في فرضيته، واعتذر عن علاقته بهذا الموضوع.

كوكب المشتري الضخم يمتلك تأثيرا جذبوي صغير على الأرض (ناسا)

اتفاق العلماء

ويتفق علماء الفلك والجيولوجيا على أن تأثير محاذاة الكواكب في الأرض لا يمكن أن يصل إلى درجة إحداث الزلازل والبراكين والكوارث المناخية الأخرى؛ لأن تلك الكواكب بعيدة جدا عن الأرض، والقمر مثلا، وهو صغير جدا مقارنة بتلك الكواكب لكنه قريب نسبيّا من الأرض، له أثر أقوى منها مجتمعة، وهو ما يتضح في حالة المد والجزر، حيث يمكن للقمر بالفعل أن يتحكم في حركة بحار ومحيطات الأرض بقوة جذبه، لكننا لا نلحظ هذا الأثر مثلا مع محاذاة الكواكب.

الكواكب الأكبر حجما مثل المشتري وزحل كبيرة الجاذبية بالفعل، فعلى سبيل المثال، جاذبية المشتري أقوى بأضعاف من جاذبية الأرض، ولكن الجاذبية ليست الجزء الوحيد من معادلة نيوتن التي تحسب قوة الجاذبية بين جسمين، فالمسافة تلعب دورا أيضا، لأنه كلما كان الجسم بعيدا، قل شعورنا بتأثير جاذبيته بتأثير مضاعف.

وعلى سبيل المثال، هناك ثقب أسود فائق الضخامة في مركز مجرتنا، بكتلة ملايين الشموس، لكننا لا نشعر بتأثير جذبه علينا لأنه بعيد جدا.

وعلى مقياس يكون فيه تأثير جاذبية الشمس على الأرض يساوي 1، فإن القمر الأصغر بفارق هائل لكنه أقرب؛ سيمتلك تأثيرا بمقدار 2.1، ولذلك فالقمر هو بالفعل الأشد تأثيرا في المد والجذر على كوكب الأرض.

الزهرة على الجانب الآخر سيمتلك تأثيرا جذبويا بمقدار 0.000113 على الأرض. أما كوكب المشتري الضخم فسيمتلك تأثيرا مقداره 0.0000131، ونبتون العملاق البعيد فسيكون تأثيره لا شيء تقريبا، وهو 0.000000002

وتوضح وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) أنه إذا كانت كل الكواكب تصطف مع بعضها البعض بشكل مثالي، فإن جاذبيتها من شأنها أن ترفع مد وجزر المحيطات بمقدار 21 جزءا من المليمتر فقط، فما بالك بالتأثير على القشرة الأرضية الصلبة وإحداث زلازل وبراكين؟

لمَ تتفق بعض الزلازل والبراكين مع اقترانات الكواكب؟

يحدث في بعض الأحيان أن تختبر الأرض أحداثا كارثية في حالات اقتران الكواكب، لكن ذلك ليس إلا صدفة تعتمد على استخدام كلمات فضفاضة.

على سبيل المثال، فإن أحد المؤيدين للارتباط بين اقترانات الكواكب وحدوث الزلازل هو الخبير الهولندي الشهير فرانك هوغربيتس؛ ولكنه لا يضع في توقعاته كامل معايير التنبؤ بالزلازل، وهي موضع الزلزال، والتوقيت، وشدة الزلزال.

في الواقع، يختبر العالم عدد كبير من الزلازل كل عام، إذ تشهد الأرض سنويّا ما يزيد على مليون زلزال نصفها يمكن رصده بأجهزة قياس الزلازل و100 ألف منها قابلة للشعور بها لكن 100 فقط يمكن أن تسبب أضرارا، وما بين 15 و20 زلزالا منها تكون مؤثرة جدا (فوق مقياس 7 درجات).

ولأن اقترانات الكواكب تحدث كل شهر تقريبا، فإن احتمالات حدوث مصادفة تكون قوية، خاصة حينما تستخدم لغة فضفاضة لا تحدد معايير وقوع الزلازل الثلاثة.

وحتى لو نجح أحد التنبؤات، فإن المنهجية العلمية تقتضي من واضع هذا التنبؤ أن يضع سلسلة من التنبؤات لنخرج من خطأ المصادفة، وفي تلك النقطة تحديدا عادة ما يفشل هوغربيتس ورفاقه، إذ يملؤون الإنترنت بمئات التوقعات سنويا، وما إن يصدف حدوث أحدها حتى يظن الناس أنه صحيح.

المنجمون يقومون بنفس الحيلة، فيتوقعون أشياء كثيرة بلغة فضفاضة (مثل “رئيس دولة كبرى يموت هذا العام” أو “حرب كبرى في الشرق”، إلخ)، وما إن يحدث أحدها حتى يمتلئ الإنترنت جدلا حول تنبؤاتهم.

 

شاركها.
Exit mobile version