وأنت تقرأ هذه السطور، تستخدم هاتفك الذكي أو جهازك اللوحي وربما حاسوبك المكتبي، وهذه التقنيات لم تكن لترى النور لولا ذلك الاختراع الذي يعتبر بمثابة إكسير الحياة لكافة الأجهزة من حولنا، ألا وهي “البطاريات”.

كانت البطاريات المصدر الأساسي للكهرباء قبل تطوير المولدات الكهربائية والشبكات الكهربائية في نهاية القرن التاسع عشر، وسهلت التحسينات المتعاقبة في تكنولوجيا البطاريات التقدم الكهربائي الكبير، بدءا من الدراسات العلمية المبكرة وحتى ظهور التلغراف والهواتف، مما أدى في النهاية إلى ظهور جيل جديد من الأجهزة والمعدات التي كانت في يوم من الأيام محض خيال، ومن ذلك أجهزة تنظيم ضربات القلب والسيارات الكهربائية.

تُعرّف البطارية الكهربائية بأنها جهاز يقوم بتحويل الطاقة الناتجة عن بعض التفاعلات الكيميائية إلى طاقة كهربائية وتخزينها. ومرَّت البطاريات منذ اختراعها وحتى الآن بمراحل عديدة من التطوير والتحسين، فبينما كانت تشغل حيزا يقارب المتر مكعب، نسمع اليوم ببطاريات حجمها يقارب حجم أصغر عملة معدنية. لكن ورغم هذا، تتشابه معظم البطاريات بطريقة عملها.

تتكون البطاريات بصورة عامة من معدنين أو مركبين كيميائيين مختلفين بصفاتهما الكيميائية يفصل بينهما عازل ذو مواصفات معينة. وعند ربط أطراف البطارية بأي جهاز خارجي، يحدث تفريغ كهربائي بين طرفي البطارية يؤدي إلى انتقال الإلكترونات (الشحنات الكهربائية) من طرف إلى آخر في عملية تسمى “التفريغ الكهربائي”.

ويسمى المعدن أو المركّب الذي يفقد الإلكترونات أثناء التفريغ بالأنود، ويسمى المعدن أو المركب الذي يقبل الإلكترونات بالكاثود. هذا التدفق للإلكترونات من الأنود إلى الكاثود عبر الاتصال الخارجي هو ما نستخدمه لتشغيل أجهزتنا الإلكترونية.

ورغم تعدد أشكال وأحجام البطاريات، فإنها لا تخرج عن أحد نوعين: بطاريات قابلة للشحن، وغير قابلة للشحن.

من الجرَّة والضفدع إلى الأجهزة الذكية

في ثلاثينيات القرن الماضي وعند شق بعض القنوات الإروائية قرب مدينة بغداد، عُثِر على جرَّة فخارية يعود تاريخها إلى قرابة 250 سنة قبل الميلاد. وكانت الجرة بطول 13 سنتيمترا تتوسطها أسطوانة من رقائق النحاس مثبتة بعنق الوعاء بسبيكة من الرصاص والقصدير، فيما يشبه اللحام في عصرنا، ويُغلِّف قرص نحاسي بإحكام الجزء السفلي من الأسطوانة المزودة بقضيب حديدي في وسطها، وقسم الأسطوانة العلوي مغلق بإحكام بمادة تشبه القار، ووُجد قضيب الحديد متآكلا بتأثير عمليات تفريغ كهربائي.

بحث العديد من العلماء عن تفسيرات لكيفية عمل تلك الجرة، حتى نجحت شركة “جنرال إلكتريك” الأميركية في تفسير عملها وتمكنت من توليد الكهرباء بعملية محاكاة بنسخة مُشابهة لها.

يحيط الجدل بهذا المثال الأقدم للبطارية والتي تُعرف ببطارية بغداد، لكن الاستخدامات المقترحة تشمل الطلاء الكهربائي أو تخفيف الألم أو عمليات الوخز التي تحويها بعض الطقوس الدينية القديمة.

أمّا أول ذكر لمصطلح البطارية فقد جاء في حدثين متقاربين؛ الأول أطلقه العالم والمخترع الأميركي بنجامين فرانكلين عام 1749 عندما كان يُجري تجارب على الكهرباء باستخدام مجموعة من الصفائح المعدنية وبعض المحاليل الخاصة.

والثاني كان في عام 1780، حيث اكتشف عالم الأحياء الإيطالي لويجي جالفاني أنه عندما يتلامس نوعان مختلفان من المعدن مع ساق ضفدع ميت، يمر تيار كهربائي بينهما ويتسبب في ارتعاش الساق.

وجاء اختراع أول بطارية حقيقية من قبل الفيزيائي الإيطالي أليساندرو فولتا في عام 1800، فقد قام فولتا بتجميع أقراص من النحاس والزنك مفصولة بقطعة قماش مبللة بالماء المالح.

وفي عام 1859 اختُرعت إحدى البطاريات الأكثر ديمومة، وهي بطارية الرصاص الحمضية، ولا تزال هي التقنية المستخدمة لبدء تشغيل معظم السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي حتى يومنا هذا، وهي أقدم مثال على البطاريات القابلة لإعادة الشحن.

وفي 1868 اخترع رجل فرنسي يدعى جورج ليكلانشيه خلية ليكلانشيه، وكان هذا هو أصل البطاريات الجافة اليوم.

وفي 1888، اخترَع ألماني يُدعى كارل غاسنَر بطارية لا يوجد فيها خطر بسبب انسكاب المحلول، وأصبح اختراعه معروفا باسم “الخلية الجافة” أو “البطارية الجافة”.

وفي 1899، اخترع المهندس السويدي فالديمار جونغر بطارية النيكل والكادميوم، وتعتبر أصل بطارية التخزين الحالية.

وفي 1900، اخترع توماس أديسون -والذي كان معروفاً باكتشاف المصابيح- بطارية تخزين من الحديد والنيكل يطلق عليها بطارية أديسون.

وبعد تلك النماذج الأولية للبطاريات كانت التحسينات التي شملتها بسيطة، وركزت على تحسين الحامض أو تغيير معدن الأقطاب، حتى كانت القفزة الكبيرة في عام 1980، حيث اخترع الفيزيائي الأميركي البروفيسور “جون جوديناف” نوعاً جديداً من بطاريات الليثيوم.

ويعد الليثيوم أحد أخف العناصر في الجدول الدوري، كما أنه يتمتع بواحدة من أكبر الإمكانات الكهروكيميائية، وبالتالي كان نموذجه يعني الحصول على أكبر قدرة من الطاقة في أخف وأصغر الأشكال المعروفة. وهذا النوع من البطاريات والنماذج المحسنة منها كانت وراء انتشار الهواتف المحمولة.

بدائل الليثيوم وعصر البطاريات النووية

ومع بزوغ عصر السيارات الكهربائية، بات الطلب على البطاريات الكهربائية التي تمتاز بمدد شحن طويلة ووزن خفيف أضعاف ما كان عليه في السابق، فقد تجاوزت نسبة السيارات الكهربائية 10% من مبيعات السيارات العالمية في عام 2022، وهي في طريقها للوصول إلى 30% بحلول نهاية هذا العقد.

وفي خضم هذا الطلب المتزايد هناك مخاوف من نقص إمدادات المواد المصنِّعة لتلك البطاريات كالكوبالت والليثيوم، مما دفع بالعديد من الشركات للبحث عن بدائل مناسبة. وأحد البدائل التي طرحتها بعض الشركات ما يسمى ببطاريات الحالة الصلبة، وتَستبدل بطاريات الحالة الصلبة هذا السائل بالسيراميك أو مواد صلبة أخرى.

ومن ميزات هذا النوع أنه يمكن تعبئة المزيد من الطاقة في مساحة أصغر، كما يمكن نقل الشحنات بشكل أسرع، مما يعني أوقات شحن أقصر.

ولأن بعض المذيبات المستخدمة في الإلكتروليتات يمكن أن تكون قابلة للاشتعال، يقول أنصار بطاريات الحالة الصلبة إن هذا النوع تُحسن السلامة عن طريق تقليل مخاطر الحرائق.

أما البديل الثاني فهي بطاريات أيونات الصوديوم، وتتميز بتصميم مشابه لتصميم بطاريات الليثيوم أيون، بما في ذلك المنحل بالكهرباء السائل، ولكن عوضا عن الاعتماد على الليثيوم، فإنها تستخدم الصوديوم كمكون كيميائي رئيسي. ويقال إن شركة البطاريات الصينية العملاقة “كاتل” تخطط لبدء إنتاجها بكميات كبيرة في عام 2023.

قد لا تعمل بطاريات أيونات الصوديوم على تحسين الأداء، لكنها قد تقلل التكاليف لأنها تعتمد على مواد أرخص ومتوفرة على نطاق أوسع من كيمياء أيونات الليثيوم.

وثالث البدائل بطاريات متكونة من الحديد والهواء، وتعمل شركة “فورم إنيرجي” على تطوير هذا النوع من البطاريات وتَستخدم إلكتروليت مائي. ومؤخراً أعلنت الشركة عن منشأة تصنيع بقيمة 760 مليون دولار في فرجينيا الغربية.

وهذه البدائل رغم أنها قد تسد بعض النقص المتوقع حصوله في بطاريات أيون الليثيوم، فإنها ما زالت قيد الدراسة ولم تعتمدها كبرى الشركات في عملها.

لكن المفاجأة الكبرى جاءت من الشرق وتحديداً الصين، حيث أعلنت شركة “بيتا فولت” عن تطويرها بطارية نووية جديدة قادرة على توليد الكهرباء لمدة 50 عاماً دون الحاجة للشحن أو الصيانة.

وقالت الشركة: “إن بطاريتها النووية هي الأولى في العالم التي تحقق تصغير الطاقة الذرية، حيث تضع 63 نظيراً نووياً في وحدة أصغر من عملة معدنية”.

وأضافت: “يمكن لبطاريات الطاقة الذرية بيتا فولت تلبية احتياجات إمدادات الطاقة طويلة الأمد في سيناريوهات متعددة، مثل الفضاء الجوي، ومعدات الذكاء الاصطناعي، والمعدات الطبية، والمعالجات الدقيقة، وأجهزة الاستشعار المتقدمة، والطائرات بدون طيار، والروبوتات الصغيرة”.

وتعمل البطارية عن طريق تحويل الطاقة المنبعثة من النظائر المتحللة إلى كهرباء من خلال عملية اكتُشفت لأول مرة في القرن العشرين.

وهذه التقنية تمكّن العلماء في روسيا وأميركا من تطوير التكنولوجيا لاستخدامها في المركبات الفضائية، والأنظمة تحت الماء، والمحطات العلمية البعيدة. إلا أن البطاريات النووية الحرارية كانت باهظة الثمن وضخمة الحجم.

وبالنسبة لمدى أمان البطارية تقول الشركة: “بطارية الطاقة الذرية التي طورتها آمنة تماماً، ولا تحتوي على إشعاعات خارجية، ومناسبة للاستخدام في الأجهزة الطبية مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب والقلوب الاصطناعية والقوقعة في جسم الإنسان”.

وتابعت: “بطاريات الطاقة الذرية صديقة للبيئة، وبعد فترة الاضمحلال تتحول النظائر الـ63 إلى نظير مستقر للنحاس، وهو غير مشع ولا يشكل أي تهديد أو تلوث للبيئة”.

شاركها.
Exit mobile version