يضع الفلكيون على عاتقهم مهمة البحث عن دلالات للحياة في عموم الكون بعيدا عن الأرض، وتحظى المجموعة الشمسية بالاهتمام الأكبر نظرا للمسافات القريبة نسبيا، لا سيما أقمار كوكبي المشتري وزحل العملاقين. ويبرز قمرا أوروبا وإنسيلادوس مرشحين رئيسين في الدراسة الحديثة التي نُشرت في دورية “أستروبولجي”، والتي تشير إلى احتمال العثور على إشارات للحياة تحت الطبقة المتجمدة التي تغطي القمرين.
ويشترط علماء الأحياء الفلكية وجود الماء كأحد العوامل المهمة لاحتضان الحياة، ويُعتقد بأن كلا القمرين، أوروبا وإنسيلادوس، يحتوي على محيطات من الماء السائل تحت سطحه الجليدي. ويرجع السبب لبقاء الماء بحالته السائلة إلى الحرارة المتولدة عن قوى المد والجزر الناتجة عن جاذبية كوكبي المشتري وزحل.
السر يكمن في البصمات الحيوية
وفي عملية البحث عن آثار للحياة في أي بقعة من الكون، يستهدف العلماء الجزيئات والمركبات العضوية مثل الأحماض الأمينية والأحماض النووية التي تمثل وحدات البناء الأساسية في الجسم الحي وتظهر نتيجة النشاط البيولوجي، ويهتم علماء وكالة “ناسا” بمثل هذه البصمات الحيوية التي قد تكون مدفونة في الجليد أسفل السطح مباشرة.
وتهدف البعثات الفضائية المستقبلية إلى اكتشاف هذه العلامات التي ستوفر أدلة قاطعة على وجود نمط من أنماط الحياة، ومن المقرر أن يُطلق القمر الاصطناعي “أوروبا كليبر” في أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، وهو المخوّل بقراءة ودراسة قمر أوروبا التابع لكوكب المشتري.
وعلى نحو مماثل، ستنطلق مهمة “إنسيلادوس أوربيلاندر” المقترحة في عام 2038، مستهدفة قمر إنسيلادوس التابع لكوكب زحل، ومن المخطط كذلك أن يهبط المسبار الفضائي لمعاينة التربة وسطح القمر عن قرب.
ووفقا للدراسة، فإن كلا القمرين يحتوي على محيطات مائية شاسعة مغطاة بطبقة من الجليد، وقد شوهدت فيما سبق نافورات مائية تنبثق من بين الجليد على سطح إنسيلادوس، وهذا يدعم نظرية العمليات الحرارية المائية النشطة التي ربما تزيد من حظوظ وجود بيئة ملائمة للحياة.
تجارب عملية
ولفهم مدى قدرة هذه البصمات الحيوية على البقاء في مثل تلك الظروف القاسية، أجرى العلماء في مركز “غودارد” لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا، بقيادة العالم ألكسندر بافلوف، تجارب تحاكي الظروف على قمري أوروبا وإنسيلادوس، فدمجوا الأحماض الأمينية في قطعة جليدية وعرّضوها لأشعة غاما، وكانت النتيجة مذهلة بعد عثورهم على الأحماض الأمينية وهي ما زالت على قيد الحياة.
وأشار بافلوف -في بيان صحفي– إلى أن الأحماض الأمينية على سطح أوروبا قد تظل سليمة على عمق يصل إلى نحو 20 سنتيمترات، وخاصة في المناطق الأقل تعرضا لتأثيرات النيازك. وأما على سطح إنسيلادوس، فيمكن للأحماض الأمينية على عمق بضعة مليمترات تحت السطح النجاة من التحلل الإشعاعي.
وما يزيد حماسة القائمين على الدراسة هو خاصية التجدد السطحي، إذ تتبدّل الطبقة الجليدية باستمرار على سطح القمرين، وربما تندفع تلك المركبات العضوية الموجودة في العمق إلى القرب من السطح الخارجي فيسهّل ذلك عمل المركبات الفضائية في رصدها بالمستقبل.