لسنوات عديدة أثار علماء الفلك مسألة مهمة تتناول حدوث اصطدام واندماج مرتقب بين مجرتي درب التبانة و”المرأة المسلسلة”، استنادا على المعطيات التي تدرس حركة وسرعة المجرتين، والذي خلص فيه العلماء إلى أن الحادثة ستكون بعد 4.5 مليارات سنة، ولكن إلى أي درجة تبلغ حتمية وقوع ذلك؟

على خلاف الدراسات القديمة التي كانت تتناول المصير المشترك بين مجرتين يفصل بينهما مسافة 2.5 سنة ضوئية، تتنبأ دراسة حديثة لم تنشر بعد سيناريوهات عديدة للمستقبل كاشفة عن نسبة وقوع حادثة الاصطدام الكوني لا تتجاوز 50%.

اصطدام أم اندماج؟

ضمن العقود الماضية من العمل الدؤوب، استطاعت العديد من التلسكوبات -بمختلف أحجامها وتقنياتها- رصد أعداد هائلة من الأجرام السماوية على مسافات شاسعة في الكون، وكان الفلكي الأميركي “إدوين هابل” أول من كشف عن حقيقة تباعد المجرات عن بعضها البعض واضعا اللبنة الأولى من نظرية الانفجار العظيم.

ولكن الحال يختلف مع مجرة المرأة المسلسلة، وهي إحدى المجرات الشقيقة التابعة للمجموعة المحلية، التي تضم أكثر من 54 مجرة بالإضافة إلى مجرتنا، وفق ما كشفت عنه الدراسات، وآخرها دراسة أجرتها وكالة الفضاء “ناسا” عام 2012 حول القياسات الدقيقة التي تسير فيها مجرة أندروميدا نحونا ببطء.

ووفقا للوكالة، فإن “الكون يتوسع ويتسارع، ولا تزال التصادمات بين المجرات القريبة من بعضها البعض تحدث، لأنها مرتبطة بجاذبية المادة المظلمة المحيطة بها”.

وتظهر الصور الملتقطة بواسطة تلسكوب “هابل” الفضائي بعد تحليلها أن المجرة تتحرك بسرعة 402 ألف كيلومتر بالساعة، ومن هنا يزعم علماء ناسا بأن بإمكانهم التنبؤ على وجه اليقين والدقة الموعد المرتقب الذي ستصطدم فيه المجرتان، بعد حوالي 4.5 مليارات سنة تقريبا.

إلا أن هذا التصادم لن يكون كما هو مألوف من الحوادث والاصطدامات، التي ينتج عنها عادة الدمار والخراب، وإنما سيكون أقرب للاندماج والاتحاد، إذ ستمتزج أذرع كلتا المجرتين، ويتحد مركزاهما في مركز واحد، ليتشكل في نهاية المطاف مجرة إهليجية ضخمة يشع منها النور بشدة من منتصفها.

حتى إن علماء الوكالة اعتمدوا على محاكاة حاسوبية لتخيل مشهد سماء الأرض وتسلسل الحوادث على مدى المليارات السنوات القادمة، وكيف سيكون حينها ليل الأرض أشبه بصبحه الآن، لشدة سطوع مركز المجرتين المتحدتين وقتئذ.

تقصٍ جديد: الاصطدام ليس حتميا

تخالف الدراسة الحديثة التي تقدمها جامعة “هلسنكي” الفنلندية حتمية وقوع ذلك الاصطدام، ويعزى الفضل إلى البيانات الجديدة التي جُمعت من تلسكوبي “غايا” و”هابل” الفضائيين، لتحليل حركة المجرات الكبرى في مجموعة المجرات المحلية وهي: مجرة المرأة المسلسلة (الأكبر)، ومجرة درب التبانة، ومجرة المثلث، وأخيرا سحابة “مجرة” سحابة ماجلان الكبرى القزمة. وبخلق نماذج حاسوبية للمحاكاة، تمكن الباحثون من توقع مسار المجرات الأربع خلال العشرة مليارات سنة القادمة في العديد من السيناريوهات.

وتظهر النتائج أن أقل من نصف هذه السيناريوهات تتوقع حدوث اصطدام، في حين ترجح السيناريوهات الأخرى بفارق ضئيل بأن تسير كل مجرة في حال سبيلها، ليكشف العلماء المبالغة الزائفة حيال هذا الأمر.

شاركها.
Exit mobile version