حذر تقرير أممي جديد من أن الأرض اقتربت من حافة تغيرات جذرية لا رجعة فيها تهدد الرخاء بسبب النشاط البشري والتغيرات المناخية. وحدد الخبراء في التقرير 6 نقاط تحوّل يسير العالم نحوها بسرعة ويتعين مراقبتها لتفادي حصول الأسوأ.

وتتعلق نقاط التحول أو اللاعودة هذه بحسب تقرير مخاطر الكوارث المترابطة لعام 2023 الصادر عن معهد جامعة الأمم المتحدة للبيئة والأمن البشري (UNU-EHS)، بتسارع الانقراضات واستنزاف المياه الجوفية وذوبان الأنهار الجليدية الجبلية والحطام الفضائي والحرارة التي لا تطاق والمستقبل غير القابل للتأمين.

Interconnected Disaster Risks 2023: Risk Tipping Points

نقاط تحوّل المخاطر

يُعرّف التقرير نقطة التحوّل للخطر بأنها “اللحظة التي لا يعود فيها نظام اجتماعي بيئي معين قادرا على درء المخاطر وتوفير وظائفه المتوقعة، وبعدها يزداد خطر التأثيرات الكارثية على هذه الأنظمة بشكل كبير”.

ولا تقتصر نقاط التحول في المخاطر هذه على مجالات منفردة مثل المناخ أو النظم البيئية أو المجتمع أو التكنولوجيا، فهي متداخلة بشكل معقد وترتبط ارتباطا وثيقا بالأنشطة البشرية. ويعني الوصول إلى هذه النقاط ظهور مخاطر جديدة، وقد لا تكون معها الطرق الحالية لإدارة المخاطر قابلة للتطبيق.

تقول الدكتورة زيتا سيبيسفاري المشاركة في إعداد التقرير في تصريح أورده بيان نشر على موقع معهد جامعة الأمم المتحدة للبيئة والأمن البشري: إنه “مع نقاط التحول الخطرة هذه، يبدو الأمر كما لو أننا نقترب من منحدر لا يمكننا رؤيته بوضوح أمامنا، وبمجرد سقوطنا من الهاوية لا يمكننا العودة بسهولة”.

1- تسارع الانقراضات

أولى المخاطر التي ذكرها التقرير تتعلق بتسارع الانقراضات، إذ يبلغ معدل انقراض الأنواع حاليا ما لا يقل عن 10 إلى 100 ضعف المعدل الطبيعي للأرض بسبب الأنشطة البشرية المكثفة.

ومع أن الانقراضات تمثل جزءا من العملية الطبيعية للأرض، فإن الأنشطة البشرية مثل تغير استخدام الأراضي والاستغلال المفرط لها وتغير المناخ والتلوث وإدخال الأنواع الغازية، أدت إلى تسريع عمليات الانقراض.

فعلى سبيل المثال، قُضي على أكثر من 400 نوع من الفقاريات في الـ100 سنة الماضية، ويصنف أكثر من مليون نوع من النباتات والحيوانات بأنها معرضة لخطر الانقراض. وإلى جانب ذلك، فقدت الأرض نحو 32 مليون هكتار من الغابات بين عامي 2010 و2015.

وتحدث نقطة التحول بالنسبة لتسارع الانقراضات عندما يفقد النظام البيئي الأنواع الرئيسية المرتبطة ارتباطا وثيقا فيما بينها، مما يؤدي إلى انقراضات متتالية للأنواع التابعة، وينجر عنه في النهاية انهيار النظام البيئي بأكمله.

وأبرز التقرير أن اختفاء نوع واحد يمكن أن يؤدي إلى انقراض أنواع أخرى تابعة له، مما يؤدي إلى تأثير مضاعف على النظام البيئي الهش. فمثلا تواجه سلحفاة غوفر التي تعيش في جنوب الولايات المتحدة خطر الانقراض، ومن المعروف أن هذه الكائنات تحفر الجحور التي يستخدمها أكثر من 350 نوعا آخر، بما في ذلك ضفدع غوفر الداكن المهدد بالانقراض الذي يساعد في السيطرة على أعداد الحشرات ومنع تفشي الآفات في أحواض غابات الصنوبر المحيطة. وإذا انقرضت سلحفاة غوفر، فمن المرجح أن يتبعها ضفدع غوفر الداكن، مما يؤثر على النظام البيئي للغابات بأكمله.

2- استنزاف المياه الجوفية

توفر طبقات المياه الجوفية مياه الشرب لأكثر من ملياري شخص في العالم وتُستخدم 70% منها في الزراعة. ومع ذلك فإن أكثر من نصف طبقات المياه الجوفية الرئيسية في العالم تُستنفد بسرعة أكبر من إمكانية تجددها بشكل طبيعي.

والمشكلة أن المياه المخزنة في طبقات المياه الجوفية تستغرق آلاف السنين لتتراكم كما أن إعادة شحنها ستستغرق الوقت نفسه، مما يجعلها في الأساس موردا غير متجدد.

وتحدث نقطة التحول بالنسبة لاستنزاف المياه الجوفية عندما ينخفض منسوب المياه الجوفية إلى ما دون المستوى الذي يمكن للآبار الحالية الوصول إليه، مما يعرض أنظمة إنتاج الغذاء بأكملها لخطر الفشل.

3- ذوبان الأنهار الجليدية الجبلية

تخزن الأنهار الجليدية كميات كبيرة من المياه العذبة، وتستخدم مياهها الذائبة للشرب والري والطاقة الكهرومائية والنظم البيئية. لكن هذه الأنهار الجليدية تذوب الآن بمعدل ضعف السرعة مقارنة بالعقدين الماضيين، وذلك بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، مما يعرض 1.9 مليار شخص للخطر. وأشار التقرير إلى أنه بين عامي 2000 و2019، فقدت الأنهار الجليدية الجبلية 267 غيغاطنا من الجليد سنويا، أي ما يعادل نحو 46500 من كتلة أهرامات الجيزة الكبرى.

وفي عالم يزداد حرارة، من المتوقع أن نخسر نحو 50% من الأنهار الجليدية (باستثناء غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية) بحلول عام 2100، حتى لو تمكنا من الحد من الاحتباس الحراري العالمي عند 1.5 درجة مئوية.

وتتمثل نقطة التحول في بلوغ ما يطلق عليه “ذروة المياه”، وهي النقطة التي ينتج فيها النهر الجليدي الحد الأقصى لحجم جريان المياه بسبب الذوبان. وبعد هذه النقطة، سينخفض معدل المياه العذبة بشكل مطرد.

من بين 34260 جسما يدور حول الأرض، هناك نحو 25% فقط منها أقمار صناعية عاملة، في حين أن الباقي عبارة عن خردة ونفايات، مثل الأقمار الصناعية المعطلة أو منصات الصواريخ المهملة. وعلاوة على ذلك، تشير التقديرات إلى وجود نحو 130 مليون قطعة من الحطام يتراوح حجمها بين 1 ملم و1 سم، وهي صغيرة جدا بحيث لا يمكن تعقبها.

وحذر التقرير من أن هذه الأجسام تتحرك بسرعة تزيد على 25 ألف كيلومتر في الساعة، ويمكن لأصغر مكونات هذا الحطام أن يسبب أضرارا كبيرة للأقمار الصناعية العاملة.

وتتمثل نقطة التحول في المخاطر في بلوغ ازدحام الحطام الفضائي حول مدار الأرض درجة يؤدي فيها الاصطدام إلى تفاعل متسلسل، مما قد يهدد قدرتنا على تشغيل الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية.

5- الحرارة التي لا تحتمل

يتسبب تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري في ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم. وبحسب التقرير فإن نقطة التحول تحدث عند بلوغ “درجة حرارة المصباح الرطب” أكثر من 35 درجة مئوية، وهو قياس يجمع بين درجة الحرارة والرطوبة.

فعند هذه النقطة تؤدي الرطوبة العالية إلى تفاقم آثار الحرارة لأنها تعوق تبخر العرق، وهو أمر ضروري للحفاظ على درجة حرارة الجسم الأساسية مستقرة وتجنب فشل الأعضاء وتلف الدماغ.

6- مستقبل غير قابل للتأمين

يؤدي تغير المناخ إلى زيادة الأضرار نتيجة للكوارث المرتبطة بالطقس، ومن المتوقع أن يزيد عدد المناطق المعرضة للخطر ويتسع حجمها.

وتحدث نقطة التحول عندما يصبح التأمين غير متاح أو لا يمكن تحمله، مما يترك الناس دون نظام أمان اقتصادي عند وقوع الكوارث، ويفتح الباب أمام عواقب اجتماعية واقتصادية متزايدة.

كيف نتجنب هذه النقاط الحرجة؟

يذهب التقرير إلى ما هو أبعد من تحديد نقاط التحول للمخاطر الستة التي حددها الخبراء، ويقدم إطارا للتخفيف من عواقبها أو منعها من خلال عرض حلول لتجنب بلوغ نقاط التحول وأخرى للتكيف مع هذه المخاطر.

وتعالج حلول التجنب الأسباب الجذرية لمنع نقاط التحول، بينما تهدف حلول التكيف إلى التخفيف من تأثيراتها إذا كان لا يمكن تجنبها. ويمكن أن تكون الإجراءات إما تأخيرا، مع العمل ضمن النظام الحالي لمجابهة هذه المخاطر، أو تحويلا مما يتطلب إصلاحا أساسيا لهذا النظام.

فعلى سبيل المثال، في حالة الحرارة التي لا تُحتمل بسبب تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري، قد يتضمن إجراء تأخير التكيّف تركيب مكيفات الهواء، في حين أن إجراء تجنب ارتفاع الحرارة أو التحول يستلزم تقليل انبعاثات غازات الدفيئة والانتقال إلى حياة منخفضة الكربون.

ويشير التقرير إلى أن إجراءات التأخير تبدو مفضلة في الوقت الحالي، غير أنه يؤكد الحاجة إلى التغيير التحويلي. لكن تحقيق ذلك يتطلب جهودا جماعية وفردية كبيرة.

تقول سيبيسفاري: “إن التقرير يعد بمثابة تذكير في الوقت المناسب قبل مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ بأنه يجب علينا جميعا أن نكون جزءا من الحل”.

شاركها.
Exit mobile version