على عكس معظم الدوريات الأوروبية الكبرى، يعيش الدوري الإسباني لكرة القدم باستمرار على وقع الجدل التحكيمي في كل موسم ولا تتوقف اعتراضات الأندية على التحكيم، وليس هذا الموسم 2024-2025 استثناء في ذلك.
لكن اللافت أن الأزمات التحكيمية في الدوري الإسباني ليس حديثة، بل قديمة وربما كانت خلال عقود خلت أكثر حدة مما هي عليه الآن، ولعل واقعة عام 1977 تثبت ذلك.
بطل تلك الحادثة كان النجم الهولندي الراحل يوهان كرويف أسطورة برشلونة الذي تسبب في إنهاء مسيرة أحد الحكام الإسبان.
بدأت فصول الأزمة في السادس من فبراير/شباط 1977 حين استقبل برشلونة متصدر الترتيب في تلك الفترة ضيفه مالقا في مباراة أدارها الحكم ميليرو غوازا، وذلك في الموسم الرابع لكرويف مع النادي الكتالوني.
في تلك المباراة كان برشلونة متقدما 2-1، قبلها سجل مالقا هدف التعادل بطريقة مثيرة للجدل وذلك باستخدام اليد، ثم تطورت الأزمة بعد رفض غوازا احتساب ركلتي جزاء للنادي الكتالوني وصولا إلى لحظة الانفجار في الدقيقة 80.
El col·legiat Melero Guaza, amb un arbitratge escandalós al Camp Nou contra el Màlaga, va validar un gol amb la ma del “boquerón” Esteban, i va expulsar Johan Cruyff per protestar. L’holandès va ser sancionat amb 3 partits i el Barça va perdre la lliga. Era la tònica dels anys 70 pic.twitter.com/CBqppzr19L
— Joan Carles Calbet (@jccalbet) June 23, 2023
ثار لاعبو برشلونة احتجاجا على قرارات الحكم وفي مقدمتهم كرويف الذي نال البطاقة الحمراء، وهي لقطة أشعلت الغضب في المدرجات.
وبعد صفارة النهاية اجتاحت جماهير برشلونة أرضية الملعب واعتدت على الحكم الذي أصيب في رأسه وسالت منه الدماء، وامتدت الفوضى لتصل خارج حدود الملعب، إذ تم إحراق سيارة النقل التلفزيوني في وقت أُصيب فيه الكثير من المشجعين بجراح مختلفة لدرجة أن بعضهم تعرّض لنوبات قلبية من شدة التوتر.
وكتب الحكم غوازا في تقريره “في الدقيقة 80 قمت بإنذار قائد برشلونة يوهان كرويف، فأهان والدتي فرفعت له البطاقة الحمراء، ثم كرّرها مرة أخرى”.
من جهته، نفى كرويف أن يكون قد أهان الحكم فدافع عن نفسه قائلا “لقد أساء الفهم، لقد كنت غاضبا فصرخت بكلمات باللغة الهولندية وليس بالإسبانية، وهو ظن أنني أهنته”.
الهولندي رينوس ميتشيلز مدرب برشلونة حينها وجّه انتقادات قاسية لغوازا، وعلق بعدها “كان يجب طرد الحكم، وليس كرويف”.
في ذلك الوقت كانت إسبانيا تمر بفترة حساسة على الصعيد السياسي، الأمر الذي جعل القضية تتجاوز حدود الرياضة.
من جهتها، صبّت الصحف الإسبانية جام غضبها على التحكيم فكتب العديد منها عناوين على شاكلة “التحكيم الإسباني أصبح فاسدا منذ أن تولى خوسيه بلازا رئاسته”، و”هذا أسوأ تحكيم في تاريخ الليغا” والعنوان الأقوى كان “حكم وُلد في مدريد يقرّر مصير الدوري”.
El árbitro Melero Guaza en el Barcelona-Málaga de 1977 escoltado tras expulsar a Johan Cruyff. #FotografíAS pic.twitter.com/fBeZkDhpXw
— AS Historia (@AS_Historia) May 6, 2016
وبعد الحادثة بأيام قررت لجنة المسابقات في الاتحاد الإسباني لكرة القدم إيقاف كرويف مؤقتا قبل أن تصدر قرارها النهائي بإيقافه 3 مباريات، كما غرّمت برشلونة 200 ألف بيزيتا (نحو 1200 يورو) بسبب الشغب الجماهيري.
اللافت أيضا أن اللجنة دعت إلى مراجعة قرارات الحكم غوازا خاصة بعد بيان النادي الكتالوني الذي قال فيه “التحكيم كان استفزازيا لجماهيرنا، نطالب بإيقاف الحكم ميليرو مدى الحياة”، كما طالب برشلونة بإقالة رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم بابلو بورتا ورئيس لجنة الحكام خوسيه بلازا.
وحاولت لجنة المسابقات تخفيف التوتر الجماهيري فطلبت مواجهة مباشرة بين كرويف وميليرو، وبالفعل عُقد الاجتماع بشكل سري لكن شيئا لم يتغير، إذ استمر إيقاف كرويف فيما بدأ الحكام بالحديث عن إضراب عام.
وتحت الضغوط الإعلامية اعترف الحكم بأن هدف مالقا جاء من لمسة يد لكنه أصرّ على صحة قراره بطرد كرويف.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فقد تلقى لاعبو مالقا الذين شهدوا ضد كرويف تهديدات بالتعرّض لهم، وبعدها بأيام أعلن الحكم غوازا اعتزاله التحكيم قبل إجراء مباريات الليغا يومي 5 و6 مارس/آذار 1977 لأسباب مهنية، لكن من الواضح أن هذا القرار جاء بسبب الضغوط الهائلة وفق صحيفة “ماركا” الإسبانية.

ووسط تلك الفوضى خسر برشلونة أمام سالامانكا 0-2 ليفرّط بالصدارة لصالح أتلتيكو مدريد بقيادة المدرب لويس أراغونيس، الذي حقق اللقب في نهاية ذلك الموسم.
وبعد تلك الأحداث تقرر وضع حواجز أمنية وفواصل في الملاعب الإسبانية لمنع تكرار اجتياح الجماهير للمستطيل الأخضر.
وبعد سنوات اعترف كرويف بأنه أهان الحكم ميليرو في تلك المباراة العاصفة حيث وصفت “ماركا” ما جرى فيها بالقول “مشهد فوضوي غير مسبوق”. وأضافت “بطاقة حمراء لأسطورة، إهانة للحكم، اعتداءات، سيارات محترقة، أزمات قلبية، بيانات رسمية، نفي، واستقالة”.
وتابعت “ما جرى حينها يجعل من الأزمات الحالية لكرة القدم الإسبانية الحديثة تبدو وكأنها مجرد لعب أطفال”، في إشارة منها إلى الأزمة الراهنة التي اتهم من خلالها ريال مدريد منظومة التحكيم بالفساد وسط الانتقادات الدائمة من قناة النادي لقرارات الحكام.